28-مارس-2023
getty

السلطات في تونسانطلقت في 11 شباط/فبراير الماضي في موجة اعتقالات استهدفت معارضين للانقلاب وقيس سعيّد (Getty)

أعلنت جبهة الخلاص الوطني في تونس، يوم الإثنين، على لسان رئيسها أحمد نجيب الشابي إطلاق اعتصام مفتوح بمقر حراك تونس الإرادة، إلى حين تحقيق مطالبها المتعلقة بحملة الاعتقالات السياسية الأخيرة في البلاد. 

وتزامن الإعلان عن هذه الخطوة مع إلغاء اجتماع سياسي بين الرئيس التونسي قيس سعيد والمفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جانتيلوني الذي يزور تونس حاليًا والتقى خلال زيارته رئيسة الحكومة ووزراء الخارجية والاقتصاد والمالية ومحافظ البنك المركزي في إطار ما تعانيه المالية العمومية التونسية من مآزق من جهة وما تعانيه الشراكة الاستراتيجية بين تونس والاتحاد الأوروبي من ضبابية على خلفية ما تشهده تونس مؤخرًا من أزمة سياسية وتضييق على الحقوق والحريات، على خلفية انقلاب قيس سعيّد على البرلمان.

أعلنت جبهة الخلاص الوطني في تونس، يوم الإثنين، على لسان رئيسها أحمد نجيب الشابي إطلاق اعتصام مفتوح بمقر حراك تونس الإرادة

اعتصام جبهة الخلاص الوطني

جاء الإعلان عن الاعتصام المفتوح لجبهة الخلاص الوطني المعارضة للانقلاب في تونس خلال مؤتمر صحفي عقدته الإثنين 27 آذار/مارس الجاري حول "تداعيات حملة الاعتقالات السياسية الأخيرة".

وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي إنه "يجب على الناطق الرسمي باسم المحكمة أن يخرج ليعلمنا بالأسباب التي تجعل عددًا من الشخصيات الوطنية محل اعتقال منذ أكثر من شهر"، وعدّد أحمد نجيب الشابي مطلبين طالب السلطات التونسية بتلبيتهما، ويتمثل المطلب الأول في "أن يخرج ناطق رسمي باسم المحكمة ليعلمنا بالأسباب التي تجعل عددًا من الشخصيات الوطنية محل اعتقال منذ أكثر من شهر، فما هي الأعمال المادية المجرّمة التي تتشكّل منها تهمة التآمر على أمن الدولة؟ يجب أن يخبرنا لأنّ ذلك من حقنا عليه كمواطنين".

getty

وأضاف الشابي: "لن ننتظر قاضي التحقيق 14 شهرًا حتى ينظر في الملف"، مستنكرًا أن يكون هؤلاء المساجين محرومين من عائلاتهم وأموالهم مجمّدة ولا يمكن لهم أن يتصرفوا في الحسابات البنكية الخاصة بهم".

وبخصوص المطلب الثاني، قال نجيب الشابي إنه يتعلّق بالاعتراف بوضعهم كمساجين سياسيين، وقال: "لا يوجد إجماع حول تعريف السجين السياسي لكنه عمومًا هو ذلك الذي يُعتقل من أجل أفكاره السياسية السلمية، وبالتالي هو يتميز عن جرائم الحق العام، إذ ينصّ الفصل 7 من قانون السجون على ضرورة تصنيف السجناء حسب التهم وأصناف الجرائم المتهمين بها، وأن يكون لهم الحق بمعاملة من صنفهم".

وذكر الشابي أنّه تمكّن من زيارة شقيقه الموقوف عصام الشابي، قائلًا: "شعرتُ بمهانة كبيرة، إذ السلطة المدفوعة بالأحقاد والرغبة في الانتقام من الشخصيات الوطنية، تريد الزج بهم مع سجناء الحق العام في اكتظاظ مزر، وحالة صحية على درجة من القذارة"، مقرًّا بأنّ وضعيتهم تحسنت نسبيًا، لكنهم محرومون من عدة حقوق أخرى".

وشدّد الشابي على أنّه من حقّ السجين السياسي أو غيره لقاء أفراد أسرته بدون حاجز إلا بقرار استثنائي، "ولهذا، اعتصامنا مفتوح، ولن يرفع إلا بتحقيق هذه المطالب"، مناشدًا عائلات المساجين بالتفاعل مع هذا الاعتصام والدخول فيه.

getty

وكان عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين عبد العزيز الصيد، قد أكد الثلاثاء 14 آذار/ مارس 2023، أنّ "هناك أكثر من تعليمات مسلّطة على القضاة، فهناك تهديدات"، مشيرًا إلى تصريح الرئيس التونسي قيس سعيّد "ومن يتجرّأ على تبرئتهم فهو شريك لهم"، وتصريحه السابق أيضًا "هؤلاء مدانون قبل أن تنطق الملفات بالإدانة".

وتابع الصيد في تصريحه لإذاعة "شمس أف أم" (محلية)، أنّ هذه القضية سياسية، وأنّ الموقوفين هم معتقلون سياسيون، وأنّ هذا الملف لا يحتوي على أدلة وقرائن لضلوع هؤلاء في جريمة إرهابية، وقال: "لو كانت هناك حجة موجودة لصرحوا بها للإعلام".

يذكر أن السلطات في تونس كانت قد انطلقت في 11 شباط/فبراير الماضي في موجة اعتقالات استهدفت بدرجة أولى معارضين للانقلاب وقيس سعيّد.

ومن المعتقلين، محامون وسياسيون وصحفيون ونشطاء وقضاة ورجال أعمال، ويتهمهم الرئيس التونسي بـ"التآمر ضد أمن الدولة والوقوف وراء ارتفاع الأسعار واحتكار السلع"، على حد تعبيره. فيما وجهت إلى عدد آخر من الموقوفين تهم بشبهة "حيازة عملة ومحاولة اجتياز الحدود خلسة".

في المقابل، أثارت موجة الاعتقالات والمداهمات تنديدًا واسعًا وانتقادات داخليًا وخارجيًا، لإخلالات في الإجراءات ولما أكده محامون من غياب للأدلة.

إلغاء اجتماع سعيّد والمفوض الأوروبي للاقتصاد

بالتزامن مع إعلان جبهة الخلاص الوطني في تونس دخولها في اعتصام مفتوح، أفادت وكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء، الاثنين 27 آذار/مارس 2023، بأن "الرئيس التونسي قيس سعيّد لن يستقبل المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني، الذي وصل الإثنين إلى تونس في زيارة رسمية، حسبما ذكرت بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس، خلافًا لما كان متوقعًا"، وفقها.

وذكرت البعثة الأوروبية، في تصريحات لوكالة "نوفا"، أن "جنتيلوني التقى صباح الإثنين بوزير الخارجية التونسي نبيل عمار، فيما ينبغي أن تجري محادثات مع وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد ومحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي"، مشيرةً إلى أن هذه الزيارة تختتم بعد الظهر بلقاء وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري ومحادثة أخرى في مبنى الحكومة مع رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن.

وأشارت "نوفا" إلى أنه "كان من المفترض أن يدلي المفوض ببعض التعليقات للصحفيين خارج قصر قرطاج، بعد اجتماعه مع الرئيس التونسي قيس سعيّد"، معقّبةً أن "أسباب إلغاء الاجتماع لا تزال غير واضحة".

جدير بالذكر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني كانت قد أفادت، في تصريحات لها إثر القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل الجمعة 24 آذار /مارس الجاري، أنها تناولت الوضع في تونس مع المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني الذي "سيتوجه إلى هناك في الأيام المقبلة"، مشددةً في هذا الصدد على "ضرورة العمل على المستوى الدبلوماسي لإقناع الطرفين، صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية، بإبرام اتفاق لتحقيق الاستقرار المالي في تونس".

كما قالت ميلوني إنها طرحت موضوع تونس أمام المجلس الأوروبي "لأنه قد لا يكون الجميع على دراية بالمخاطر التي يمثلها الوضع في تونس وضرورة دعم الاستقرار في بلد يعاني من مشاكل مالية كبيرة"، مضيفةً، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، "إذا لم نتعامل مع هذه المشاكل بشكل مناسب، فهناك خطر إثارة موجة هجرة غير مسبوقة"، على حدِّ قولها.

بدوره، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمة له خلال ندوة صحفية إثر القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل، قال إن  "التوتر السياسي في تونس كبير للغاية، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مقلقة جدًا".

وأضاف ماكرون، أن ذلك "يؤدي إلى زعزعة كبيرة للغاية لاستقرار البلاد والمنطقة وإلى زيادة ضغط الهجرة على إيطاليا والاتحاد الأوروبي"، داعيًا إلى "العمل معًا على المستوى الأوروبي لمساعدة تونس" من أجل "السيطرة على تدفقات الهجرة".

السلطات في تونس كانت قد انطلقت في 11 شباط/فبراير الماضي في موجة اعتقالات استهدفت بدرجة أولى معارضين للانقلاب وقيس سعيّد

وشدد الرئيس الفرنسي على أنه "يجب النجاح على المدى القصير في وقف تدفقات الهجرة التي تغادر تونس وتزيد من الضغط على أوروبا"، مشيرًا إلى أنه تحدث عن ذلك مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال اجتماع ثنائي.