15-يونيو-2022
جامعة النجاح الوطنية (فيسبوك)

لا حرمة لأيّ شيء في حرم "جامعة النجاح" (فيسبوك)

لا أعرف كيف أصف حجم الشعور بالعار الذي أصابني بعد مشاهدة فيديوهات البارحة، التي جاءت لتظهر الاعتداء العنيف والقمع الوحشي الذي قام به عناصر الأمن في "جامعة النجاح" بحق ثلة من طلاب الجامعة، ذنبهم الوحيد أنّهم تجمهروا وتجمعوا في وقفة احتجاجية للمطالبة بحياة آمنة في الحرم الجامعي.

لا حرمة لأيّ شيء في حرم "جامعة النجاح" الذي تمّ تحويله منذ سنوات عديدة إلى ما يُشبه ثكنة عسكرية لا مكان فيها إلا للعناصر الأمنية

إنّ مشاهدتي لمشهد قيام عناصر الأمن في الجامعة بضرب الطلاب وسحلهم ورش وجوههم بالفلفل، وهو مشهد موغل في القمع والوحشية، جاء ليذكّرني أنا طالبتها التي عشتُ في أروقة قسم العلوم السياسية فيها، وقضيتُ سبع سنواتٍ من عمري، بين مرحلتي البكالوريوس والماجستير؛ جاء ليذكّرني بمشهد القمع الذي تعرّضت له الحركات الاحتجاجية في بلدان الربيع العربي، والذي كتبتُ عنه وتناولته ضمن إطار رسالة الماجستير حول الحركات الاحتجاجية في مصر وتونس والبحرين.

المفارقة الكبرى هنا أنني في رسالتي قمتُ بالتنظير لمفهوم الحرية، وكنتُ أتطلّع إليه عند النظر إلى لفظة "الحرم الجامعي"، باعتباره أحد البديهيات المصانة والمحفوظة والمضمونة كليًا ضمن إطار هذا الحرم وبين أروقته.

كنتُ أتطلّع إلى لفظة "الحرم الجامعي" باعتباره مكانًا له حرمته المطلقة، يُشكّل تواجد الطلاب فيه ضمانًا لحفظ حرمة أجسادهم وأرواحهم وكرامتهم، فحتى الكرامة لها حرمتها التي يجب تُصان.

نعم، كانت نظرتي إلى لفظة "الحرم الجامعي" كما لو كانت لفظة جليلة في مضامينها كافة، حتى جاءت تلك الفيديوهات التي تمّ بثّها البارحة عن الاعتداء الوحشي والقمعي الذي قام به أمن النجاح على طلابها وبعض أساتذتها (في مقدمتهم الدكتور في كلية الشريعة ناصر الدين الشاعر)، وكانت بمثابة الصدمة التي استفقتُ على إثرها على الحقيقة المرة.

الحقيقة التي استفقتُ عليها هنا هي تلك الحقيقة التي تأتي لتنبئ بأنّه لا حرمة لأيّ شيء في حرم جامعة النجاح، حيثُ إنّ هذا الحرم تمّ تحويله منذ سنوات عديدة إلى ما يُشبه ثكنة عسكرية، لا مكان فيها إلا للعناصر الأمنية والتابعين لهم.

إنّ تصاعد سطوة الأمن الجامعي في الجامعة ووصوله إلى تلك المرحلة التي يظهر فيها بمظهر المتسيّد لكلّ شاردة وواردة فيها، إلى حدّ قيامه بالاعتداء العلني والوحشي على وقفة طلابية سلمية جاءت من أجل المطالبة بتقييد حركته في الجامعة والحدّ من اعتداءاته السافرة على طلابها؛ إنّ هذا كلّه يدلّل على أنّ هذا الأمن – والعناصر الذين يعملون ضمنه – يتعاطى مع جمهرة الطلاب الذين يطالبون بتقييد حركته، كما لو كانوا ثلة من الفاعلين غير المرئيين الذين تشكل وقفاتهم الاحتجاجية أو حراكهم ضده، مصدر تهديد له بخلخلة وزعزعة موقعه كمتصدر ومتسيّد في الجامعة.

إنّ أمن الجامعة الذي راقب الهتافات التي رفعها الطلاب المشاركين في الوقفة الاحتجاجية التي طالبوا ضمنها بحياة جامعية آمنة، ومن بينها "عالمكشوف وعالمكشوف.. اعتداء ما بدنا انشوف"، تعاطى معها بالمنطق نفسه الذي تعاطت معه الأنظمة القمعية التي تكفلت بقمع الحركات الاحتجاجية في بلدان الربيع العربي. شاهد الأمن هذه الهتافات فرأى فيها تهديدًا لحضوره ولشكل تمركزه في الجامعة، فما كان منه إلا أن تصدى لهاتفي الشعارات ومطلقيها، معترضًا إياهم بأبشع صور القمع والضرب والتنكيل.

يذكّرني مشهد قيام عناصر الأمن في "جامعة النجاح" بضرب الطلاب وسحلهم بمشهد القمع الذي تعرّضت له الحركات الاحتجاجية في بلدان الربيع العربي

أما البيان الصحافي الذي أصدرته إدارة الجامعة في صدّد هذا الاعتداء، والذي يَظهر منحازًا لرواية الأمن الجامعي الذي ادعى أنّه كان يقمع بعض الطلاب الخارجين عن دوائر الجامعة وممن تمّ فصلهم – سابقًا – والذين حاولوا الدخول إليها؛ فقد جاء ليوفّر السند القانوني لبقاء حضور هذا الأمن وتسيّده فيها.

ويُمكن القول – أخيرًا – بأن بيان الإدارة المنحاز هذا يُلقى أمامنا نحن طلبتها الذين درسنا فيها وأمضينا جزءًا لا بأس به من أعمارنا فيها وبين أروقتها، فيجعلنا نتمنى بأنْ كنا درسنا وتعلّمنا في أروقة جامعية اخرى، تُحافظ على حرمة أجساد طلابها وكرامتهم، وتكون لهم بمثابة الضامنة الأولى لحريتهم في التعبير والاحتجاج، بعيدًا عن هذا العار الذي نشعر به كلّما تذكّرنا أننا انتمينا يومًا إلى أروقة النجاح، وكنا جزءًا منها، هذا العار الذي يُمكن وصفه بالعار الذي يُلاحقنا!