14-يونيو-2022
الكاتبة المصرية عنايات الزيات (1936 - 1963)

الكاتبة المصرية عنايات الزيات (1936 - 1963)

في عام 1993، حينما وقعت يد الكاتبة المصرية إيمان مرسال على رواية عنايات الزيات "الحب والصمت"، ولدت أنا. تُولد امرأة تعاني في مقابل أخرى حزينة، ثم تتجدد المعاناة من روح إلى روح. هكذا يرثن الكاتبات الوحيدات الحزن عن بعضهن.. هذه لغة الكون.

كلنا نحتاج إلى الجماعة، نحتاج ألا نشعر بالغربة داخل وطننا، أن ننتمي إلى هذه الحياة. وحينما لا نجد من يشاركنا كل هذه المأساة، أين نذهب؟

أصبح اسم سيلفيا بلاث ملتصقًا بالعديد من النساء اللواتي بلا حظ. تقول امرأة: "أنا نسخة سيلفيا بلاث". وتقول أخرى: "أنا امتدادٌ لسيلفيا بلاث". وهكذا تستمر المرأة في عملية المقارنة بين حياتها وحياة تلك المهمشة أو الحزينة. وما أن تجد وجه الشبه، حتى تشعر بمشاعر مختلفة، مثل الشفقة على حالها، أو الشعور بالراحة لفكرة أن هناك من يتألم مثلها، ليس حبًا بألم الآخر، بل لأن ذلك يعني أن هناك يد خفية تشاركها هذه المأساة.

وأنا أيضًا، أعيش منعزلة. لا أعرف إن كانت السماء فوقي تشبه السماء التي في الشارع الآخر من مدينتي، هل لونها يميل إلى الأزرق أم الأخضر؟ لست أعرف.

الموت نزهة. حينما تعيشُ وحيدًا، دون أصدقاء ولا حبيب، وتكون كلماتك بذيئة ورخيصة ومبتذلة لا يقبل بها المجتمع، ويرفضها الناشر بدافع التديّن، ألا تستحق النزهة؟

كلنا نحتاج إلى الجماعة، نحتاج ألا نشعر بالغربة داخل وطننا، أن ننتمي إلى هذه الحياة. وحينما لا نجد من يشاركنا كل هذه المأساة، أين نذهب؟! لم تكن تثق بكلماتها، ولم يثق المجتمع بأنها موهوبة. هذا ما قاله أنيس منصور ليوسف السباعي حينما سأله عنها. إنها كاتبة موهوبة لكنها غير محظوظة. هذا ما أنوي قوله.

تقول عنايات الزيات: "أنا لا أعني شيئًا عند أحد.. إذا ضعتُ أو وجدت سيّان. وجودي كعدمي، أنا إن وجدتُ أو لم أوجد لن تهتز الدنيا. خُطاي لا تترك أثرًا وكأني أمشي على الماء، ووجودي لا يراه أحد كأنني كائن غير مرئي".

وأنا مثلك يا عنايات، امرأة وربما كاتبة مجهولة، لا أعرف. لكنني عاطلة عن العمل، ولست من أسرة ذات شأن رفيع، بل أخدم والدي المريض المسكين الذي لا يعرف كيفية تحريك ساقيه. لكنني مثلك صامتة، أعيش في صمت ووحدة، داخل غرفة بلا نوافذ ولا أبواب. كل ما أفعله: أحترق على البؤس الذي أصاب أحبائي. أريد الكتابة والصراخ، أريد النجدة، ولكن من سيقبل أن يسمع امرأة منبوذة من كل مكان؟

يقول جان أميري: "أنا أموت، إذًا أنا موجود". الموت، ذلك الذي حلمت به آن ساكستون: "سوف أرحل الآن دون شيخوخة أو مرض، بعنف ولكن بطريقة صحيحة تمامًا وأنا أعلم أفضل طريق سأسلك".

الموت نزهة، مرة أخرى. إنه استراحة البؤساء، ذلك الشقي الذي نركض إليه ولا يركض إلينا. ألم تكن إيميلي ديكنسون تنتظر عربة الموت بكل إيمان؟

تُولد امرأة تعاني في مقابل أخرى حزينة، ثم تتجدد المعاناة من روح إلى روح.. هكذا يرثن الكاتبات الوحيدات الحزن عن بعضهن

ما علاقة قصة الشَعر بالمرأة المكتئبة؟

من المضحك أن قص الشعر يرتبط، عادةً، بالتجميل. لكن ماذا لو كان للتخلص من الشعور، بل من الذات؟ ها هي عنايات الزيات تجز شعرها، ثم تذهب إلى بين صديقتها مسيار – حتى ونحن نموت نرغب بإيجاد شخص نخبره بذلك – وما أن فتحت لها الباب.. ربما توسلت لها بصمت أن تنقذها، أو كانت نظرة الوداع. غالبًا ما يترك المقدم على الموت رسالة لمن يحبه، فماذا لو تركت نظرة؟ غادرت المكان بحجة أن لديها موعد. موعد مع من؟ مع الراحة الأبدية بالتأكيد.

العيون تلتقي، ثم تحين لحظة الفراق، وتغطي جسدها باللحاف. أهي تجهز نفسها للدخول في القبر؟ إنها الحرية، أن تعيش بمفردك منعزلًا عن العالم في بيت لا أثاث فيه، ثم تقرر كيفية موتك، وتستقبل الحياة الجديدة التي ترغب بها.