25-ديسمبر-2022
الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي

الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي

اجتمعت في الرباط لجنة تحكيم "جائزة الأركانة العالمية للشعر"، التي يمنحها سنويًا بيت الشعر في المغرب بالشراكة مع "مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير"، و"وزارة الشباب والثقافة والتواصل". وقد تكونت اللجنة، هذه السنة، من الأكاديمي والمترجم الإيطالي سيموني سيبيليو رئيسًا، ومن الأعضاء: الكاتبة والناشرة لينة كريدية، والشاعر أحمد الشهاوي، والشاعر نجيب خداري، والناقد خالد بلقاسم، والشاعر حسن نجمي الأمين العام للجائزة.

آلت الجائزة في دورتها الـ 16 إلى الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي، تقديرًا للحوار الثقافي واللغوي الذي تصوغه قصيدته

وقد آلت الجائزة في دورتها الـ 16 لهذا العام، إلى الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي، تقديرًا للحوار الثقافي واللغوي الذي تصوغه قصيدته شعريًا في بناء تركيبها ودلالاتها، ولما يكشف عنه هذا الحوار من بُعدٍ إنساني مُضيء.

لم تكف قصيدة جوزيبي كونتي، منذ سبعينيات القرن الماضي، عن توسيع أخيلته وآفاقه بحس جمالي يرفد من معين هذه الأخيلة، ومن المدى المفتوح لهذه الآفاق.

قصيدة الشاعر كتابة حوارية بتجليات متجددة يتحقق فيها الحوار بوصفه لقاء لغات وتفاعل رُؤى. حمولات هذا اللقاء، الذي تُقيمه القصيدة بين رؤى تتداخل فيها ثقافات الغرب والشرق، يستضيفها التركيب الشعري الذي ينبع من منطقة التفاعل، ويحمل أثر هذا التفاعل في الصوغ الشعري وفي بناء الدلالة.

تنطوي قصيدة الشاعر جوزيبي كونتي على توتر صامت مصدره التوتر المشدود إلى انشغال معرفي بالاختلاف بين الغرب والشرق، بعد أن تشرّب الشاعر من ثقافتيهما، وأساطيرهما، ومن المفارقات التي يُضمرها هذا الاختلاف. لكن التوتر الساري في قصيدة جوزيبي كونتي، بتجلياته المتعددة، لا يُفضي إلى أي تصادم، بل يكشف عن انسجام حيوي خفي ذي مُمكنات إنسانية واعدة. ذلك أن نسغ المعنى، الذي تبنيه قصيدة الشاعر، ينتصر، وفق الممكن الشعري، للمحبة الكبرى التي تسري في كينونة كل شيء، بما يدعو إلى تعلّم استثمار هذه المحبة في العلاقات الإنسانية.

المحبة، التي لا تكف عن الانبجاس من ثنايا تولّد المعنى في قصيدة جوزيبي كونتي، أكبر من التوتر ومن كل مسببات التوتر. في هذا الانبجاس، الذي يعمل التركيب الشعري على التقاطه وتوليده، يتحدّد جانب رئيس من شعرية قصيدة جوزيبي كونتي، لأن المحبة المستوعبة لكل توتر، أيًا كانت دوافع هذا التوتر، لا ترى بالعين العامة، بل تُستجلى بنور القصيدة. وهي فكرة مكينة في قصيدة جوزيبي كونتي وفي تصوره الشعري. لذلك، نصّت تأملاته عن مهام الشعر في زمننا على ضرورة اضطلاع القصيدة بمسؤولية جعل اللامرئي، في كل ما يظهر في الكون، مرئيًا.

بهذا المعنى، تتضح موجّهات انشغال قصيدة جوزيبي كونتي بالمحبة الخبيئة في الكون، ويتبدى حرصها على الاقتفاء الشعري للمحبة الصامتة في كينونة الحجر والشجر، وفي كينونة الشمس والبحر، وفي غيرها من الكائنات.

قصيدة جوسيبي كونتي كتابة حوارية بتجليات متجددة يتحقق فيها الحوار بوصفه لقاء لغاتٍ وتفاعل

يذكر أن جوسيبي كونتي واحد من الشعراء الأساسيين في الشعر الإيطالي المعاصر. ولد في إمبيريا بإيطاليا عام 1945. انجذب منذ قصائده الأولى، في سبعينيات القرن الماضي، إلى أراضي الأساطير السحيقة، بوصفها رافدًا لإغناء الشعري ولاستجلاء اللامرئي. وهو الانجذاب الذي قاده عام 1995، بعد أن تقوى في نصوصه وفي تصوره النظري للشعر، إلى تأسيس حركة سماها "الميثو–حداثة".

صدرت للشاعر جوزيبي كونتي مجموعات شعرية عدة، منها: "المواسم" (1988)، و"أغاني الشرق والغرب" (1997)، و"حوار بين الشاعر والرسول" (1992)، و"المحيط والفتى" (2002)، و"جروح وإزهارات" (2006)، وأعمال أخرى.


قصائد

جوزيبي هو عادة اسم مسيحي

والآن لا اسم لي: أنا نحل

وسحالي، حجارة، شجر ميموزا، والبحر:

ستعجز هي أن تتعرّف إلي.

لن تستطيع أبدًا أن تقل: حبيبي

قريبٌ لكني مجهول، سنحلّق معًا

إلى قفير الشمس، ونهوي

كانزلاق تراب من على ممرات ضيقة

بساحل صخري، لنكون أخيرًا صدفتين في صمت

بحر عميق.

*

 

وداعًا يا صديقي، الحياة قاسية

أنت تعرف ذلك، أنت الذي لم يعد

بهذا البحر أو ذاك.

إنك تخطو الآن

على الحدود الغامضة

حيث لا شيء يختلف عن أي شيء آخر.

*

 

ربما كان ذلك بين الساعة الثانية والثالثة

فجرًا

حين اقتربت من السرير

وكلمتك.

كنت نائمة فأرخيت

أجفاني فوق أجفانك الدافئة.

كنتُ أريد

أن أقول لك كلمات غريبة عنا

كلمات الحب السرمدية.

لكنّ تراجعي

كان تراجيديًا: كقواعد لعبة مهملة

لم يكن وراء أجفاننا سوى محاجر بلا حدقات.

كانت أصابع أقدامنا من حجر والخصران من مياه عميقة

وبحيرات وأرجلنا من نايات، وها هي الآن أعواد

وأعشاش لطائر البوم.

لن نبقى

معًا بعد الآن.

ولن نذكر ذلك ثانية

 

فالرياح القادمة من بحار قصيّة

ستعصف بنوافذنا وسنصير كفئران أو قنديل البحر

سنصير زهرات.


ترجم هذه الشّذرات الشاعر الجزائري الخضر شودار