20-ديسمبر-2016

لقطة من فيلم The spirit of the beehive

(1)
منذ شهر لم أكن أعرف أن هناك مخرجًا إسبانيًا يُدعى "فيكتور أريس". منذ شهر لم أكن أعلم بوجود هذه الثنائية. هل غريب أن أكتب عن هذه الثنائية بعد مدة قصيرة من مشاهدتها؟ نعم. هل أريد حقًا أن أكتب عنها؟ طبعًا.

"فيكتور أريس" من أغرب المخرجين الذي شاهدت لهم أفلامًا أو حتى سمعت عنهم. الغرابة ليست في الأفلام بقدر ما هي في شخصه هو، فبالرغم من كونه أحد أهم مخرجي إسبانيا -إن لم يكن الأفضل- فإنه أصدر 3 أفلام فقط على مدار 44 عام! فيلمين روائيين وفيلمًا وثائقيًا. ورغم أن الثلاثة أفلام لاقت نجاحًا باهرًا داخل وخارج إسبانيا إلا أن المخرج منذ عام 1992 لم يخرج أي فيلم آخر.

(2)
الفيلم الأول صدر عام 1973 بعنوان The spirit of the beehive (روح خلية النحل)، وأنا مدين لشخص عزيز عرفني بهذا الفيلم دون أن يدري. يعرض الفيلم قصة "آنا" الطفلة التي تملك خيالًا واسعًا. بعد مشاهدتها لفيلم فرانكنشتاين تتغير نظرتها للحياة، فتتحول بالتدريج على مدار الفيلم إلى نظرة فنتازية شاعرية.

الإخراج والإضاءة في فيلم El sur كانوا على قدر جميل من الجمال حيث تشعر في كل مشهد أنه لوحة مرسومة

نقابل والدها الذي يحب الانعزال والتأليف وتربية النحل. نقابل الأم التي لا تأخذ دورًا كبيرًا في الفيلم بالرغم من كون مشاهدها القليلة مهمة جدًا لشرح التفكك بين الأسرة، نعرف في بداية الفيلم أنها تكتب رسائل لحبيب يعيش بعيد عنها، ولا نعلم عنه أي شيء آخر. ونجد الأخت التي تحب صنع المقالب في "آنا" والتي -دون أن تدرك- تنمي خيال "آنا".

تفاصيل عادية صحيح؟ لكن المخرج -وهو كاتب السيناريو أيضًا- يملك هذه اللمسة السحرية التي تحول هذه التفاصيل العادية إلى سحر.

لكن الفيلم ليس بهذه البساطة، يزعم معظم من شاهد الفيلم من مشاهدين عاديين ونقاد أن للفيلم بعد سياسي كبير. حيث يرمز بالبيت ككل إلى إسبانيا التي أصبحت منعزلة عن العالم ومتفككة بعد الحرب. ويرمز بفرانكنشتاين -الذي يدخل في أحداث الفيلم- إلى الاستبداد الذي يحدث في إسبانيا. ويرمز بالأختين إلى الفرقتين المتنازعتين في الحرب الأهلية، لكن يظل كل هذا مجرد نظريات.

اقرأ/ي أيضًا: الأمل بين فيلم Love Rosie وفيلم 500 days of summer

لكن الفيلم برغم ذلك غير خال من العيوب -بالنسبة لي على الأقل-. حوار الفيلم قليل حيث يعتمد المخرج على الصورة لوصل ما يريد أن يقوله، ويعتمد أيضًا على خيال المشاهد بعد ذلك، لذلك حين كنت أشاهد الفيلم كنت أشعر بالوحدة والملل من الصمت الطويل المتكرر. حاز الفيلم على نجاح كبير، لكن المخرج لم يصدر أي فيلم حتى عام 1983.

(3)
فيلم El Sur (الجنوب) الذي صدر عام 1983 لم يحمل بُعدًا سياسيًا مثل سابقه، لكنه كان يحمل بُعدًا إنسانيًا أعمق. يعتبر المخرج هذا الفيلم غير مكتمل، حيث السيناريو مكون من 400 صفحة، لكن المنتج قرر التوقف عند نقطة معينة حين رأى أن القصة عند هذه النقطة قد اكتملت.

ربما تجد هذه حركة سخيفة من منتج، لكن بشهادة الجميع كان هذا القرار قرارًا صائبًا تمامًا، حيث خرج الفيلم في غاية الروعة والجمال.

El sur وتعني الجنوب يحكي قصة فتاة وعلاقتها الطيبة والمتقلبة في نفس الوقت بوالدها، ويحكي عن شوقها للذهاب إلى "الجنوب" حيث "أرض الأحلام" كما تتخيل. فكرة بسيطة صحيح؟ لكن السيناريو كان في غاية الجمال حيث مزج المخرج بين الفكرتين في تناغم عبقري، ما إن تنشغل بهذه الفكرة، تجد الثانية تأتي على السطح من جديد دون إهمال الأولى، وقرب النهاية يمزج الفكرتين معًا.

"فيكتور أريس" من أغرب المخرجين الذين شاهدت لهم أفلامًا أو حتى سمعت عنهم. الغرابة ليست في الأفلام بقدر ما هي في شخصه هو

الإخراج والإضاءة في هذا الفيلم كانوا على قدر جميل من الجمال حيث تشعر في كل مشهد أنه لوحة مرسومة. الشيء المميز في هذا الفيلم والمختلف عن الفيلم الأول أن هناك راوٍ للأحداث، وكان قرارًا ممتازًا من المخرج أن يضيف راوٍ إلى أفلامه، لا يتدخل كثيرًا وتكون تدخلاته مناسبة جدًا للحبكة والسرد.

(4)
للأسف أصدر المخرج بعد ذلك فيلمًا وثائقيًا عام 1992، ولم يصدر أي فيلم آخر منذ ذلك الحين.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "تخّرج".. أحد ألوان الحياة الباهتة
 فيلم Arrival.. خيال بإيقاع واقعي