14-يوليو-2021

"مطبخ" و"خيالات ضوء القمر" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


أواسط سبعينيات القرن الفائت، وحتى بداية ثمانينياته، شهدت اليابان صعود جيلٍ روائيٍ جديد، حمل على عاتقه نقل الرواية اليابانية خارج حدود الدائرة التقليدية الضيقة التي هيمنت على شكلها ومضمونها، في عهد ياسوناري كواباتا ويوكيو ميشيما.

يوجد في روايات بانانا يوشيموتو ذلك الإحساس المستمر بالفقد، فقد أشخاص أعزاء لا تعود الحياة ممكنة من بعدهم

وتأسست محاولات هذا الجيل في تجديد الرواية اليابانية، لغةً وشكلًا ومضمونًا، على الابتعاد عن القضايا الكبيرة التي شغلت أسلافه، والانصراف إلى مسائل الفرد الصغيرة، والإضاءة على همومه اليومية وطبيعة علاقته بمحيطه وذاته أيضًا، إلى جانب العناية بالتفاصيل الهامشية غير المرئية.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: نهاية اليوتوبيا

ومن بين روائيي هذا الجيل، جيل الثمانينيات تحديدًا، برزت تجربة بنانا يوشيموتو (1964) القائمة على تقديم نصوصٍ سردية ضئيلة ومقتضبة، تُعنى بشؤون الفرد اليومية وتجاربه الشخصية مع مشاعر الحب والخوف والفقد، وطريقة تعاطيه معها أيضًا.

ضمن هذه الأجواء، تدور أحداث روايتي بنانا يوشيموتو "مطبخ" و"خيالات ضوء القمر"، اللتين نقلهما الشاعر اللبناني الراحل بسام حجار إلى اللغة العربية نهاية تسعينيات القرن الفائت، وصدرتا في كتابٍ واحد عن سلسلة "إبداعات عالمية" في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت، منتصف عام 2001.

يقول حجار في تقديمه للروايتين: "إن اختيارنا روايتي "مطبخ" و"خيالات ضوء القمر" للكاتبة بنانا يوشيموتو ليس مصادفة بالتأكيد. فقد تكون هذه الكاتبة، إلى جانب أوغاوا، خير ما يمثِّل جيل "الخلافة"، إذا جاز التعبير، في الرواية اليابانية. وهي تعبِّر عن الحساسية الجديدة بكل تجلياتها، وتستأنف، برواياتها المقتضبة، المفاجئة لشدة بساطتها، صلة بالقارئ الشغوف بقراءة الرواية لمتعة الحكاية أولًا، وثانيًا لجدة الشكل".

سبق ذلك إشارة حجار إلى أنه: "إذا كانت يوكو أوغاوا تميل (...) إلى اختبار عنف المواقف الحدية، وتعرية الذات الإنسانية من كل أقنعة التظاهر، وإبراز جوانب القسوة المجانية في اللاوعي الكامن في أعماق كل فرد.. بنانا يوشيموتو تغوص في الأعماق ذاتها، لكنها تكتشف، في ظلمات هذه الأعماق، قوة هائلة تعين شخصياتها على الإقبال، على الرغم من كل شيء، على الحياة".

ويضيف: "أما سبيلها إلى ذلك، فيكمن في استسلامها لما يمكن أن نسميه بحق: الواقعية السحرية. وهي واقعية سحرية لا تتصل، من قريب أو بعيد، بتلك التي عرفها القارئ العربي مع كتَّاب أمريكا اللاتينية، أمثال غابرييل غارسيا ماركيز، وماريو فارغاس يوسا".

تضيء بنانا يوشيموتو في روايتيها، على تجربة الفرد مع الفقد، وقدرته على التعامل مع ما يترتب عليه، في محاولةٍ منها على ما يبدو لاستقصاء آثار الموت في حيوات من يختبرون تداعياته، حيث تقص في روايتها الأولى "مطبخ" (1988)، حكاية فتاة فقدت والديها في صغرها، ثم جدها، وبعد ذلك جدتها أيضًا.

وفي محاولةٍ منها لتجنب الشعور بالوحدة، تَقبَل الفتاة عرض صديقها الذي دعاها للعيش في منزله، حيث ستنشأ سريعًا علاقة صداقة قوية بينها وبين والداته، ولكنها لن تدوم طويلًا بسبب وفاة الأخيرة، لتعود البطلة من جديد إلى دائرة الفقد التي اتسعت هذه المرة، بحيث بات من الصعب عليها تجاوزها والعيش خارج حدودها. وبين فقدٍ وآخر، نراقب تحولات بطلة العمل ومحاولاتها المختلفة لتجاوز آثار الفقد، والتخلص من رغبتها في الكف عن الحياة.

تضيء بنانا يوشيموتو في "مطبخ" و"خيالات ضوء القمر"، على تجربة الفرد مع الفقد، وقدرته على التعامل مع ما يترتب عليه

في روايتها الثانية "خيالات ضوء القمر"، تقدِّم الكاتبة اليابانية حكاية أخرى موضوعها الفقد، حيث تروي قصة فتاةٍ تفقد حبيبها في حادث سير، وشاب يفقد في الحادثة نفسها حبيبته وشقيقه أيضًا، الأمر الذي يجعل من حياتهما استعادة مستمرة لما حدث في الماضي، دون القدرة على تجاوزه والالتفات إلى الواقع، رغم تقبلهما لفكرة غياب أحبائهما إلى الأبد.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: دفتر سراييفو

يقول بسام حجار في وصف كتابات يوشيموتو: "هناك دائمًا ذلك الإحساس بالفقد. فقد أشخاص أعزاء لا تعود الحياة ممكنة، كما كانت، من بعدهم، وإذا كانت ممكنة، أقفرت وانغلقت على أصداء حضورهم المترددة". ويضيف: "صور الرقة وتجلياتها تنبعث، كرائحة أليفة ولكن غامضة، من الماضي القريب، غير أنه ماض منقطع لم يبقى منه سوى أطياف ناسه وأشيائه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجم قديمًا: قلوب الناس المُعذَّبة

تُرجم قديمًا: مدخل إلى ما بعد الحداثة