16-يونيو-2021

كتاب "مدخل إلى ما بعد الحداثة" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


في أحد أبسط تعريفاته، يقدَّم مفهوم "ما بعد الحداثة" بوصفه عنوانًا عريضًا للمرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث فقد مفهوم "الحداثة" مكانته، وبات عرضةً لنقدٍ مهَّد لظهور مرحلةٍ جديدة في تاريخ الحضارة الغربية، فيما رأى البعض فيه إشارةً إلى مجموعة من الممارسات النقدية والسردية التي توظِّف جملةً من المفاهيم المتباينة في مواجهة أخرى سبقتها.

يضم كتاب "مدخل إلى ما بعد الحداثة" بين دفتيه ست دراساتٍ محورها الحداثة وما بعد الحداثة

وفي المجمل، يشير مفهوم "ما بعد الحداثة" إلى حركة فكرية واسعة تطورت في منتصف وأواخر القرن العشرين، وتوسلت الفلسفة والفنون والهندسة المعمارية والنقد الأدبي وغيره لنقد قيم الحداثة وعصر التنوير والتشكيك بمضمونهما، بموازاة البحث عن أفكارٍ بوسعها أن تحل مكانها.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: فكر غرامشي

"مدخل إلى ما بعد الحداثة"، هو عنوان الكتاب الصادر عام 1994 عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة" في العاصمة المصرية القاهرة، إعداد وترجمة أحمد حسان. وفيه، يقدِّم عددٌ من الكتَّاب والمفكرين مختلفي الجنسيات، أبحاثًا ودراساتٍ تضيء على هذا المفهوم من وجهات نظرٍ سياسية وفكرية مختلفة.

يضم الكتاب بين دفتيه ست دراساتٍ محورها الحداثة، وما بعد الحداثة، ونظرياتهما، ويُجمِعُ المفكرون المشاركون فيه، وفقًا لما جاء في تقديم أحمد حسان للكتاب، على أن ما بعد الحداثة إنما هي في جوهرها: "ظاهرة أمريكية أساسًا، تأتي، بالنسبة لنا، مصاحبة للهيمنة الأمريكية بعد الانتصار في ميادين القتال في الحرب العالمية الثانية".

ويشير المترجم المصري إلى إجماعهم أيضًا، بشكلٍ أو بآخر، على: "كونها التقت في مرحلة لاحقة باتجاهات ما بعد البنيوية الأوروبية، وعلى كونها تعبيرًا عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع الأمريكي ورفعتها الرأسمالية المتعددة القومية إلى مرتبة نموذج مثالي يجري تعميمه على مستوى العالم كله".

ويضيف حسان: "وإذا أردنا سبر مدى التحول الذي شهدته المجتمعات الغربية والذي تحاول المناقشة الحالية الإمساك بخيوطه الرئيسية، فيكفينا أن نقارن بين لحظتين للنظام: اللحظة الراهنة ولحظة حركة الشباب في الستينيات، آخر وأسرع حركة تمرد شملت المجتمع بأسره، واحتجَّت على أسس النظام ذاتها وكرست محاولة كسر أسوار مؤسسة الحداثة وإعادة الارتباط بالثقافات الشعبية والهامشية والاستهلاكية".

يبدأ الكتاب بدراسةٍ للناقد والمفكر البريطاني تيري إيغلتون بعنوان "الرأسمالية والحداثة وما بعد الحداثة"، يَعتبِر فيها أن: "ما بعد الحداثة هي محاكاة ساخرة رهيبة لليوتوبيا الاشتراكية، ألغت كل استلاب بضربة واحدة. إنها، برفعها الاستلاب إلى الأس التربيعي، مستلبةً إيانا حتى عن استلابنا ذاته، تحضُّنا على إقرار تلك اليوتوبيا ليس بوصفها غاية بعيدة معنية، بل، بصورة مدهشة، على أنها ليست أقل من الحاضر نفسه، الطافح كما هي الحال بوضيعته الفظة، والذي لا يخدشه أدنى أثر للنقص".

وتحت عنوان "المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة"، يتناول الناقد الأدبي الأمريكي فريدريك جيمسون ما بعد الحداثة بوصفها: "أسلوبًا بل ثمة ثقافية سائدة؛ أي مفهومًا يسمح بوجود وتعايش مجموعة من السمات البالغة الاختلاف، لكنها تابعة"، وذلك في سياق تقديمه لعددٍ من الأفكار والتأملات حول رسالة الفن السياسي في الفضاء الجديد المربك لعالم رأس المال المتأخر، أو المتعدد القوميات وفق تعبيره، إضافةً إلى دراسته لإحدى لوحات الفنان الهولندي فان غوخ برفقة بعض الأعمال الفنية والأدبية والموسيقية.

ويتضمن الكتاب دراسة أخرى لجيمسون بعنوان "نظريات ما بعد الحديث"، يناقش فيها مشكلة ما بعد الحداثة، التي يحدِّدها في كيف يجب وصف خصائصها الأساسية، وما إذا كانت حتى توجد في المقام الأول، وما إذا كان نفس المفهوم ذا فائدة، أم أنه، على النقيض، مجرد تعمية.

ويتناول المفكر والفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في دراسته "الحداثة ضد ما بعد الحداثة"، عدة مواضيع متصلة بهذه المسألة، ومنها الحداثة الجمالية بما هي: "مواقف تجد بؤرتها المشتركة في وعي متغيِّر بالزمن"، معتبرًا أن الوعي بالزمن الذي تم تطويره في الفن الطليعي: "ليس تاريخيًا ببساطة، بل إنه موجه ضد ما يمكن تسميته بأنه معيارية زائفة في التاريخ"، وأن الحداثة الجمالية ذاتها دخلت أيضًا في طور الشيخوخة.

يضيء الكتاب على مفهوم ما بعد الحداثة من وجهات نظر عددٍ من الكتَّاب والمفكرين مختلفي الجنسيات والتوجهات الفكرية

في دراسته "الوضع ما بعد الحداثي"، يعرِّف عالم الاجتماع الفرنسي جان فرنسوا ليوتار ما بعد الحداثي، بأنه: "التشكك إزاء الميتا – حكايات. هذا التشكك هو بلا شك نتاج التقدُّم في العلوم، لكن هذا التقدم بدوره يفترضه سلفًا". ويضيف في هذا السياق: "أبرز ما يناظر قِدَم جهاز إضفاء المشروعية الميتا – حكائي، هو أزمة الفلسفة الميتافيزيقية".

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: جنة عدن

"رسم خريطة لما بعد الحداثي"، هو عنوان دراسة الناقد الأدبي الألماني أندرياس هويسن التي يُختتم بها الكتاب. وفيها، يميِّز الكاتب: "بين عدة مراحل واتجاهات ضمن مسار ما بعد الحداثي في الولايات المتحدة، وهدفي الأول هو التأكيد على بعض الشروط والضغوط التاريخية التي شكلت السجالات الجمالية والثقافية". ويضيف: "وبينما سأعتمد على التطورات في العمارة، والأدب، والفنون البصرية، سوف يكون تركيزي أساسًا على الخطاب النقدي بصدد ما بعد الحداثي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجم قديمًا: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث

تُرجم قديمًا: تجربتي في الأدب والحياة