22-سبتمبر-2021

رواية "الجلد" (ألترا صوت)

ألترا صوت - فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة اﻷسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات النارين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


يُعتبر كورزيو مالابارته (1989 – 1957)، واحدًا من أكثر الأسماء الأدبية إثارةً للجدل في إيطاليا، والسبب هو مواقفه السياسية المتقلبة. فالكاتب والروائي الإيطالي الذي ولد لأبٍ ألماني وأم بولندية، انتسب إلى الحزب الفاشي الإيطالي في العشرينيات من عمره، وتولى لاحقًا رئاسة تحرير جريدته الرسمية "لاستامبا". غير أنه سرعان ما اتخذ موقفًا معاديًا من الحزب، ليأمر موسوليني في حينها بطرده من إيطاليا لفترة قصيرة انتهت بالعفو عنه.

يقدّم كورزيو مالابارته مدينة نابولي، بعد دخول جيوش الحلفاء، على أنها مدينة بائسة تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة

وفي عام 1938، أصدر مالابارته كتابه الجدلي "تكنيك الثورة"، الذي أثار غضب أدولف هتلر إلى درجة الأمر بإعدامه. ومع بدايات الحرب العالمية الثانية، عمل الكاتب الإيطالي مراسلًا صحفيًا من جبهات القتال، حيث أعد تقارير اعتبرها موسوليني خيانة عظمى، فأمر بنفيه من جديد، ولم يعد إلى بلاده إلى بعد وفاة الأخير.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: تاريخ الرواية الحديثة

تطغى هذه السيرة الجدلية، على ما تتضمنه من تقلباتٍ سياسية مختلفة، على أدب كورزيو مالابارته. وتُعتبر السبب الرئيسي وراء الهجوم العنيف الذي تعرضت له أعماله الأدبية، من مختلف التيارات السياسية والفكرية، داخل إيطاليا وخارجها. يقول هنا: "إنهم يكرهون كلماتي لأنها لا تصف الانهيار التام الكامل الذي أصاب أوروبا فحسب، بل الذي أصاب النفس البشرية ذاتها والقيم الإنسانية في العالمة كله".

في المقابل، ثمة من يعيد أسباب هذا الهجوم إلى موقف مالابارته نفسه من الوجود الأمريكي في بلاده خلال، وبعد، الحرب العالمية الثانية من جهة، والسياسات الخارجية الأمريكية من جهةٍ أخرى. فهو يرى أن الدول الأوروبية التي تحررت من النازية، وقعت بعد الحرب تحت الاستعمار الأمريكي الذي أضاء على بعض ممارساته، داخل إيطاليا تحديدًا، في روايته "الجلد" التي صدرت للمرة عام 1949، بينما صدرت طبعتها العربية عام 2001 عن "المشروع القومي للترجمة"، في العاصمة المصرية القاهرة، بترجمة الراحل صلاح عبد الصبور.

تتعدد المواضيع والثيمات التي يشتغل عليها كورزيو مالابارته في هذه الرواية، حيث يسعى، من جهة، إلى الإضاءة من خلالها على الصراع الخفي والخافت بين أوروبا وأمريكا عمومًا، وإيطاليا أمريكًا خصوصًا، أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، بما هو صراع حضارات بالدرجة الأولى. ويحاول، من جهةٍ أخرى، القول بأن ما تبع نهاية الحرب في مدينة نابولي، مسرح أحداث الرواية وأولى المدن الإيطالية التي دخلتها جيوش الحلفاء، لم يكن السلام، وإنما مجموعة من الحروب الصغيرة التي أغرقت المدينة بالبؤس.

يقدّم مؤلف "الانهيار التام" مدينة نابولي، بعد دخول جيوش الحلفاء إليها، على أنها مدينة بائسة تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، وتنتشر في مختلف أنحائها الجريمة والدعارة، التي لم تقتصر على النساء اللواتي كن يبعن أجسادهن علنًا، بل شملت أيضًا الأطفال الذين كانوا يُعرضون على جنود الحلفاء من قبل ابائهم أو أمهاتهم.

هذه الرواية يوميات مدينة أفسدت الحرب حياتها، مدينة كانت تقاتل في بسالة، فلما دخلها المنتصرون أذلو شعبها بالجوع والمرض والحطة

تحتشد رواية مالابارته بعددٍ هائلٍ من المشاهد البشعة، منها مشهد يصوِّر فيه تحرش جنود الحلفاء بمجموعة من الأطفال بطريقة بشعة على مرأى أهاليهم، وآخر صوَّر فيه قيام أب بعرض ابنته العذراء، أو العذراء الوحيدة في نابولي بحسب تعبير المؤلف، في مزاد علني حضره عدد كبير من أهالي المدينة وجنود الحلفاء الراغبين في فض بكارة الفتاة.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: يوميات المقاومة في اليونان

يقول الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور، في تقديمه للرواية: "هذه الرواية يوميات مدينة أفسدت الحرب حياتها، مدينة كانت تقاتل في بسالة، فلما دخلها المنتصرون أذلو شعبها بالجوع والمرض والحطة، فتردت المدينة في هاوية الدعارة والتسول". ويضيف: "والمدينة هي نابولي، أول مدينة إيطاليا دخلتها جيوش الحلفاء في سبتمبر عام 1943، جيوش جائعة للشهوة والمتعة، وهي تبحث عن متعتها في كل مكان، وتجعل من كل شبر تنزل فيه ماخورة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجم قديمًا: الحفرة

تُرجم قديمًا: الصبي الخادم