31-مايو-2024
تراجع في الحقوق في تونس

(Getty) دَعا البيان السلُطات التونسيَّة للإفراج عن المعتقلين كلِّهِم على خلفيَّة التعبير

قالت "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" إن السلطات التونسية صعّدت قمعها ضد الإعلام وحرية التعبير في الأسابيع الأخيرة، إذ حكمت على صحفيَّيْن وصاحب مؤسسة إعلامية بالسَّجن، واحتجزت شخصية إعلامية أخرى، وعمدت إلى ترهيب وسائل إعلامية خاصة.

وفي بيان مشترك، جاء: "على السلطات التونسية أن تفرج فورًا عن المحتجزين، وتوقف جميع الملاحقات المتعلقة بالتعبير المحمي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".

وأشار البيان الحقوقي، إلى أنه قبل الانتخابات الرئاسية التونسية الأولى منذ استحواذ الرئيس التونسي قيس سعيّد على السلطة في تموز/يوليو 2021، المتوقَّع إجراؤها في الخريف المقبل، تصعّد السلطات قمع حرية التعبير بموجب "المرسوم عدد 54 لسنة 2022"، بالإضافة إلى "قوانين أخرى بالية".

قالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "بمهاجمة الصحفيين وشخصيات إعلامية أخرى، تتجه حكومة سعيّد إلى دقّ المسمار الأخير في نعش الفضاء المدني التونسي"

كما لفت البيان النظر إلى تشديد "القيود على منظمات المجتمع المدني، لا سيما المدافعون عن حقوق المهاجرين واللاجئين، على خلفية اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تقلُّص غير مسبوق للفضاء المدني منذ ثورة 2011".

بدورها، قالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" لما فقيه: "بمهاجمة الصحفيين وشخصيات إعلامية أخرى، تتجه حكومة سعيّد إلى دقّ المسمار الأخير في نعش الفضاء المدني التونسي. فبعد تقويض القضاء، وسجن عشرات المنافسين والمنتقدين، ومهاجمة منظمات المجتمع المدني، ها هو سعيّد يستهدف الإعلام".

من جانبها، قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية هبة مرايف: "تقضي السلطات التونسية منهجيًا على آخر مكتسبات ثورة 2011: حرية التعبير والصحافة. قبل الانتخابات، على الحكومة ضمان أن يتمكن جميع التونسيين من التعبير عن آرائهم بدون خوف من الانتقام، وأن يتمكن الإعلام المستقل من التغطية بعيدًا عن الاعتداءات والتخويف، ومن بثّ نقاشات مفتوحة".

وبحسب إحصاء "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية (أمنستي)، تعرض أكثر من 70 شخصًا، بينهم منافسون سياسيون، ومحامون، وصحفيون، ونشطاء، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي لملاحقات تعسفية منذ نهاية 2022، 40 منهم على الأقل ما يزالون خلف القضبان حتى أيار/مايو 2024، علمًا أن معظمهم محتجزون على خلفية ممارسة حقوقهم المحمية دوليًا.

وفي 22 أيار/مايو، حكمت المحكمة الابتدائية بتونس على الصحفيين البارزين برهان بسيس ومراد الزغيدي بالسَّجن سنة بموجب الفصل 24 من المرسوم عدد 54، في قضايا منفصلة. وفي اليوم التالي، أصدرت المحكمة نفسها على صاحب مؤسسة إعلامية وناشط تكنولوجي، حكمًا معلقًا بالسَّجن تسعة أشهر على خلفية تعبيره على الإنترنت بعد احتجازه 11 يومًا.

وأوقفت قوى الأمن التونسية بسيس والزغيدي، كُلّ على انفراد، مساء 11 أيار/مايو. استنادًا إلى محضر الشرطة، الذي اطّلعت عليه "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، وتم استجواب بسيس، الذي يقدم برنامجين حواريين يُبثان في وقت الذروة على محطات تلفزيونية وإذاعية خاصة، بشأن تصريحات أدلى بها على الراديو والتلفزيون بين 2020 و2023، منها تعليقات بشأن حلّ "المجلس الأعلى للقضاء" من قبل سعيّد، وغيرها من المواضيع.

كما استجوب حول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرتها الشرطة منتقدة للرئيس التونسي سعيّد.

وقال محامي الزغيدي، غازي مرابط، إن الشرطة واجهت الزغيدي بتسعة فيديوهات لتصريحات بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2024.

كما استجوبته حول منشور "فيسبوك" يعبّر فيه عن تأييد الصحفي الاستقصائي محمد بو غلاب، الذي يقضي حكمًا بالسَّجن ستة أشهر، بعد التشكيك علنًا في الإنفاق العام لإحدى وزارات الحكومة.

في 11 أيار/مايو، اعتُقلت أيضًا بموجب المرسوم عدد 54 المحامية والمعلّقة الإعلامية سونيا الدهماني، وهي زميلة بسيس والزغيدي في البرنامج اليومي الشهير "Emission Impossible" على محطة الراديو الخاصة IFM. إذ داهم عشرات أعوان الأمن الملثمين، والذين يرتدون ملابس مدنية مركز "الهيئة الوطنية للمحامين" بتونس، واعتقلوها بتهمة الإدلاء بتعليقات ساخرة على محطة التلفزيون الخاصة Carthage+، في 7 أيار/مايو، حين شككت في المزاعم القائلة إن الأفارقة السود يحاولون البقاء في تونس.

في 13 أيار/مايو، أمر قاضي تحقيق في المحكمة الابتدائية باحتجازها على ذمة المحاكمة، وفي 20 أيار/مايو، رفض القاضي نفسه طلب إطلاق سراح قدمه محامي الدهماني. وتخضع الدهماني للتحقيق في قضيتين منفصلتين بموجب المرسوم عدد 54 على خلفية تعليقاتها العلنية، استنادًا إلى شكاوى من "الهيئة العامة للسجون" ووزيرة العدل.

كما هاجم عناصر ملثمون مراسلَيْ "فرانس 24" ماريلين دوما وحمدي تليلي بينما كانا ينقلان اعتقال الدهماني مباشرة، وكسروا الكاميرا. اعتُقل تليلي لوقت وجيز وضُرب.

وأوضح البيان المشترك: "المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال"، الذي أصدره سعيّد في أيلول/سبتمبر 2022، ينتهك الحق في الخصوصية، ويفرض أحكامًا قاسية لجرائم متعلقة بالتعبير معرّفة بشكل فضفاض ومبهم. واستخدمت السلطات التونسية الفصل 24 من هذا المرسوم بكثرة، وهو ينص على عقوبة السَّجن خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف دينار تونسي (16 ألف دولار أمريكي تقريبًا)، لاستعمال شبكات معلومات لإنتاج، أو إرسال، أو نشر "أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة" بهدف الإضرار أو التشهير بالغير، أو الدعوة إلى العنف ضدهم؛ أو "بث الرعب بين السكان" أو "الحث على خطاب الكراهية". وتُضاعَف العقوبة إذا كان الشخص المستهدف "موظفًا عموميًا أو شبهه".

وقالت "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية إن على السلطات التونسية إلغاء المرسوم عدد 54، بالإضافة إلى النصوص المبهمة أو الفضفاضة في القوانين الأخرى التي تُستخدم لتجريم حرية التعبير.

وفي إشارة غير مباشرة إلى الاعتقالات الأخيرة، قال سعيّد في 15 أيار/مايو خلال اجتماع مع وزيرة العدل في حكومته إن "مَن يحقّر وطنه (...) لا يمكن أن يبقى خارج دائرة المساءلة والجزاء".