25-أغسطس-2016

احتجاجات لنساء مصريات ضد كشوف العذرية(محمد حسام/أ.ف.ب)

"الدخلة البلدي"، أقرب دليل يتكرر يوميًا، على أن جسد المرأة في مصر ليس ملكها وحدها، إنما هو ملكية عامة ولها فيه شركاء، الأب له سهم، والأم سهم، والأخ سهم، وعمها سهم، وخالها سهم. وكلهم يحصلون على أرباح أسهمهم في "الليلة المفترجة" بفضّ غشاء البكارة باليد على منديل أو شال أبيض ينتظره "المعازيم" ليتأكَّدوا أن البنت رفعت رأس العائلة، وآن لها أن تستريح في سرير زوجها، بينما تتردَّد الأغنية الشعبيّة، التي تكرِّس القهر والذل والدونية في قلوب كل البنات:

"الدخلة البلدي"، أقرب دليل، يتكرر يوميًا، على أن جسد المرأة في مصر ليس ملكها وحدها، إنما هو ملكية عامة ولها فيه شركاء

"قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشى
بنتك شريفة وغرقت الفرشة
قولوا لأبوها إن كان تعبان يرتاح
قفل متربس وجاله المفتاح
قولوا لأبوها الزين ابأ عبايه
يدبح وليمة لسترة الولاية
يحيا أبوها وشنبه اللي محدش غلبه
يحيا أبوها وخالها اللي مشى عزالها
يحيا أبوها وعمها اللي شالوا همها"

اقرأ/ي أيضًا: جدل وثيقة "إثبات العذرية" من جديد في الجزائر

هذه الأغنية المهينة صارت تدفع البنات للتمرَّد، ليس فقط على الأهل إنما على الجسد أيضًا، الذي قدّر له أن يكون "ملكية عامة"، الكل له فيه أسهم إلا صاحبته، التي ما إن تدخل فراش زوجها حتى تصبح مملوكة له، لا سلطان لأحد غيره عليه بعد أن كان تابعًا لأبيها، يعبِّر عن شرفه، وتربيته، وحسن أخلاقه.. وبالتالي، ففضّ البكارة قبل الزواج عقاب مناسب للجميع!

كيف؟.. طرحت غدير أحمد، مؤسسة صفحة "ثورة البنات" على فيسبوك السؤال، فكانت الردود حادَّة وفاضحة رغم أنها دون ذكر أسماء، ليست فاضحة للبنات، اللاتي فضَّلن الانتقام من ذويهنّ بفض غشاء البكارة قبل الزواج، سواء عن طريق النوم مع حبيب، أو صديق عابر، في علاقة "friends with benefits"، أو بالأظافر الطويلة التي تغرسها في "المنطقة المحرَّمة" حتى تتخلَّص من "شرفها الوهمي".

لماذا تعتبر غشاء البكارة شرفًا وهميًا؟.. جاء في الإجابات: "لأنه لا يمنع من ممارسة الجنس، هو فقط يمنع الشوائب غير المرغوبة من الدخول إلى الرحم، والأحشاء، لكنه لا يعطِّل الجنس، فالجهل وحده هو الذي يقول إنه لا جنس دون إيلاج" (دخول المرود في المكحل وفقًا للفقه الإسلامي).

وفقًا لـ"غدير"، هناك طرق أخرى: "الجنس عن طريق الفم أو ما يُعرف بالجنس الفموي، وممارسة الجنس عن طريق الكلام كالأحاديث التليفونية والرسائل النصيّة، إلى جانب ممارسة الجنس عن طريق الشرج أو حتى ممارسته خارجيًا دون تلامس للأعضاء الجنسية، جميعها تضمن بقاء الفتاة عذراء حتى مع ممارستها للجنس واستمتاعها به".

اقرأ/ي أيضًا: اليوم العالمي للمرأة.. بنات مصر في المعتقلات

أكثر من 71% من أصل 200 فتاة شاركن في استبيان مؤسسة "ثورة البنات" عن فض العذرية في آب/أغسطس 2016، سبق لهن ممارسة الجنس بأحد الأشكال التي تتطلَّب فضّ البكارة قبل أن تقرر خرق عذريتها بنفسها. لكن لماذا؟

تقول إحداهنّ: "قررت أن أمارس الجنس وكان من الممكن أن أمارسه خارجيًا فقط لكن شعرت أني بذلك أنافق وأن نقطتي الدم ليستا الفارق". وتوضّح أخرى: "بعد فترة لا بأس بها من الجنس الخارجي مع شريكي وعدم ضغطه عليّ بأي شكل، قررت أنه من الضروري أن يكون لي وحدي أي جسدي".

التوقف قليلًا أمام مصطلح "ملكية جسدي" كان شاغلًا لـ"غدير"، التي حلَّلت الموقف بقولها: "هُم يسيطرون علينا منذ كنا أطفال، بينما نُريد نحنُ أن نتحرر من هذه السيطرة، ولكن كيف نستعيد قدرتنا على التحكم في أجسامنا، إن كنا لم نملكها يومًا؟". وتضيف: "هذا الصراع لا يُمكن تجاهله عند رواياتنا لفض عذرياتنا، لأن الإشكالية في الأصل هي السيطرة على الجسد وكلما زاد وعينا بهذه الإشكالية كلما زادت رغبتنا في تحديها، والنيل منها.. ومنهم". وتضع خمس إجابات لسؤال: لماذا قررتِ التخلي عن عذريتك؟

69% من الفتيات اللاتي شاركن في استبيان "ثورة البنات" لم يشعرنّ بالذنب تجاه الأسرة بعد فضّ بكارتهن

1 ـ حقي أن أكتشف جسمي، وخرقت عذريتي بنفسي، أردت أن أشعر بعدم الخوف من نفسي أو من جسمي. أعرف التبعات جيدًا لأني من عائلة صعيدية الأصل، وربما يصل مصيري للقتل".

2 ـ "لأؤكد لنفسي أن جسدي ملكي وحدي وأي قرار أتخذه بخصوصه يخصني وحدي أيضًا".

3 ـ "لكسر الخوف وإحساس أن شرفي ملك لأحد آخر، وعقابًا لأبي".

4 ـ "لأنه جسدي ويحق لي الاحتفاظ بعذريتي أو فضها.. لا دخل لأحد".

5 ـ "ضربتهم في اللي هما خايفين منه وحابسيني وضاربني عشانه".

في كتاب "الصدمة والتعافي" تُعبّر "جوديث هيرمان" عن استعادة السيطرة على الجسم بأنها أداة لمواجهة السيطرة الخارجية كالحبس والأسر والإجبار، وتُفسر لجوء المعتقلين للإضراب عن الطعام، وميل المعنفات والمقهورات أسريًا إلى العمل في تجارة الجنس: هذه وسائل فعّالة لاستعادة إحساس "ملكيّة الجسد". وهو ما يفسِّر إحدى الإجابات: "لم أشعر بالذنب، فرحت جدًا وانبسطت واحتفلت وشعرت بلذة الانتصار، وحاولت انتظار وقت الشعور بالذنب، لكنه لم يأتِ حتى الآن".

وهي حالة 69% من الفتيات اللاتي شاركن في الاستبيان، لم يشعرنّ بالذنب تجاه الأسرة بعد فضّ بكارتهن، وأغلبهنّ في الفئة العمرية (من 15 حتى 25 سنة)، ويشير السن إلى فترة ما قبل الزواج، والمعني أن الفضّ كان تحديًّا لسلطة الأب.

تهاجم "غدير" لفظ "بنت مفتوحة" ليس فقط لأنه يتعامل مع البنت باعتبارها "سلعة معلَّبة" تفقد قيمتها بالفتح، إنما لأنه يعتبرها مفعولًا به، وهناك فاعل "فتحها"، بينما الحقيقة أنها الفاعل الوحيد، وقامت بفض غشاء بكارتها بنفسها. وتفرِّق بين لفظي "فقد" و"فضّ"، "فالأول يستخدم أكثر من الثاني بطريقة ملحوظة، والدلالة اللغوية له تشير إلى خسارة شيء ما، بينما من فضَّلت فض بكارتها تتعامل معه باعتباره مكسبًا، فهي لم تعد ملكًا لأحد، وحصلت على حق تقرير مصيرها.. وآن الأوان لترفع بين ساقيها رايات النصر!"، حسب غدير أحمد.

ملاحظة: جميع الروايات مجهَّلة الأسماء على مسؤولية غدير أحمد، مؤسسة "ثورة البنات".

اقرأ/ي أيضًا:

تصفيح الفتيات في تونس.. العلاقة بين الحائط والخيط

"التقاف".. سلاح المغربيات للحفاظ على العذرية