16-أبريل-2016

جدل في الجزائر حول وثيقة إثبات العذرية قبل الزواج (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

"الفضيحة، العار، صراخ ثم بكاء"، هكذا كانت حال أسرة العروس سهام (اسم مستعار) بمنطقة "قصر الشلالة" بمحافظة "تيارت"، غرب الجزائر، عندما فاجأها ضابط الحالة المدنية يوم توقيع عقد قرانها بمطالبتها بشهادة إثبات العذرية أمام جموع الحضور من كلا الأسرتين، حيث وقعت سهام أرضًا وهي تصرخ في حالة هستيرية قائلة: "ألم تلغها الحكومة؟".

إثر تعديل قانون الأسرة الجزائري، أصبح لا يشترط الاستظهار بوثيقة إثبات العذرية لعقد القران، إلا أن بعض المسؤولين وحتى الأسر لا تزال تطالب بها

وكانت سهام في الحقيقة تتحدث عن تغيير عرفه المشرع الجزائري في قانون الأسرة المعدل مؤخرًا، والقاضي بعدم إلزامية إحضار شهادة إثبات العذرية للمرأة في ملف عقد القران. لكن هذا التغيير القانوني لم يغير من الواقع ولم يفعّلن لذلك بغياب وثيقة إثبات العذرية، شكك الجمع في شرف سهام، ثم انتفضوا قبل توقيع العقد المدني وإعلان الزواج، وتحولت الفرحة إلى مأتم بعدما أدخلت الشكوك في عفة الفتاة.

اقرأ/ي أيضًا: العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات

قبل أسابيع، كانت المادة 7 مكرر من قانون الأسرة الجزائري التي تنص على "اشتراط المشرع على الزوجين المقبلين على عقد القران ضرورة تقديم شهادة طبية لكليهما تثبت أنهما خاليان من كل مرض يعيق بناء الزواج" مفعلًا عبر مختلف مكاتب الحالات المدنية أثناء توقيع عقود الزواج، وهي المادة التي تم إلغاؤها لتحدث جدلًا وسط المعنيين والمهتمين بحقوق المرأة وأيضًا عند أهل القانون واختلفت وجهات النظر فيما بينهم.

عقب التعديلات التي مست قانون الأسرة الجزائري، أصبح لا يعتد بالوثيقة المطلوبة (إثبات العذرية) في مكاتب الحالة المدنية في عقود الزواج ولم تعد شرطًا لعقد القران، إلا أن بعض المسؤولين وحتى الأسر لاتزال تطالب بها، لإثبات صدقية الفتاة بأنها عذراء. تقول الأخصائية الاجتماعية سلمية حيوني لـ"الترا صوت": "المجتمع الجزائري لا يزال يرى في وثيقة إثبات العذرية نقاوة وسلامة الفتاة المقبلة على الزواج، وعامل اطمئنان لأهل الزوجة بالدرجة الأولى، خاصة وأن هناك عادات لا تزال متجذرة في بعض الأسر الجزائرية وهي تتمثل في أن ليلة الدخلة هي صورة ومشهد يجب على الزوجين إتمامه على أكمل وجه من خلال إثبات قدرة الرجل ومن خلال تأكيد عفة الزوجة باعتبارها عذراء".

"كثيرات هن الفتيات اللواتي تورطن في قضية إثبات العذرية"، تضيف المتحدثة، التي ترى أن الوثيقة في نظر الكثيرات هي انتقاص من قيمة المرأة بل وتشويه لها، إلا أنها في نظر الكثيرين أكثر من ضرورية لكلا الأسرتين، ويرى آخرون أن الشهادة الطبية التي يمنحها طبيب محلف لا تتعلق فقط بقضية العذرية، بل هي متعلقة بصحة الطرفين وخلوهما من أمراض قد تصدم الزوجين بعد عقد القران.

من جانبها، تقول المحامية حليمة صايفي لـ"الترا صوت" إن "القانون الجزائري كان واضحًا في قضية الوثيقة الطبية المحددة لسلامة الزوجين معًا في الحقيقة وليس وثيقة للعذرية"، وهو ما عللته بغموض لدى ضباط الحالة المدنية والمجتمع الجزائري أيضًا حيث ارتبطت الوثيقة في أذهانهم بـ"إثبات العذرية للمرأة مع استثناء أمراض أخرى وخصوصًا لدى الزوج"، معتبرة الأمر إجحافًا في حق شرعته القوانين الجزائرية.

ترى بعض النساء الجزائريات أن إلغاء شرط وثيقة العذرية يحافظ على حرية وخصوصية المرأة

اقرأ/ي أيضًا: جامعات السودان.. دفيئة الزواج العرفي

وترى المحامية صايفي أن "إلغاء طلب الوثيقة قد يغير الأمور، خصوصًا بالنسبة للفتاة لكنه برأيها يضر أكثر بالعلاقة الزوجية إذ إنها سبق لها وأن تعرضت لقضية في المحكمة تتعلق بزوج لم يكشف عن مرضه لزوجته قبل عقد القران وهو ما أدخل الجانبان في متاهة المحاكم وطلب الطلاق بعد اكتشاف المرض". وشددت المتحدثة أنه "من الأجدر الإبقاء على شرط وثيقة الصحة الجسدية والعقلية دون حصر الوثيقة فقط في سلامة الفتاة وعذريتها".

وعكس ذلك، ذهب المحامي سمير لعقاب فهو يرى أن "طلب وثيقة العذرية بالنسبة للفتاة المقبلة على الزواج يظل قائمًا حتى لو تمت التعديلات"، مضيفًا أنه أمر يكفله القانون للزوج بناء على نص المادة 19 من قانون الأسرة الجزائري التي تنص على أنه "من حق كل طرف من طرفي عقد الزواج باشتراط ما يراه على الطرف الآخر"، ويوضح لـ"الترا صوت": أنه "إن كان من شروط الزوج أن تظهر الفتاة وثيقة إثبات العذرية فضابط الحالة المدنية سيطالبها بها قبل توقيع عقد القران وهو حق من حقوق الزوج وليس مخالفًا للمشرع إطلاقًا".

"ولا يشترط طلب هذه الوثيقة في الشريعة الإسلامية"، يقول المختص في قانون الشريعة محمد بدوي لـ"الترا صوت"، موضحًا أن "هناك من تفقد عذريتها بعد سقوطها أو تعرضها لحادث والتشكيك في شرفها حينها يدخل في إطار قذف المحصنات".

وثيقة العذرية صك الغفران

من جهتها، تعتقد الإعلامية سامية بولالوة في تصريح لـ"ألترا صوت" أن "إيقاف منح شهادات العذرية، وذلك تنفيذًا لتعديلات جرى إدخالها مؤخرًا على قانون الأسرة الجزائري لا يفيد المرأة في شيء، لأن المجتمع الجزائري المحافظ بطبيعته قد يلجأ إلى طرق أخرى تقليدية للتأكد من شرف الفتيات". وأكدت المتحدثة أن "مثل هذه المسائل عاشتها العشرات من الفتيات قبل إلغاء طلب الوثيقة، كما أن انتشار الزواج التقليدي أو زواج الصالونات لا يسمح بوجود ثقة مطلقة بين الزوجين، مشددة على أن شهادة العذرية أحسن ضمان لبعض الفتيات أحيانًا".

في سياق متصل، ترى ليلى سعداوي، الناشطة الحقوقية في جمعية حقوق المرأة والطفل في الجزائر، أن "إلغاء الوثيقة يحافظ على حرية وخصوصية المرأة". لكنها ترى أن الوضع لم يتغير على أرض الواقع وذلك بالنظر إلى القصص التي تطرح في الأسرة الجزائرية مع اقتراب العرس، معتبرة أن الأهم هو تغيير العقليات، وهذا من الصعب بمكان في مجتمع ذكوري بالدرجة الأولى، أصبحت فيه هذه الوثيقة صك غفران تمنحه جهة ما لبدء الحياة الزوجية ضاربة كل الحقوق الإنسانية جانبًا.

اقرأ/ي أيضًا:

هل المرأة إنسان؟

المغرب.. جدل المثليين والحريات الجنسية مجددًا