06-أكتوبر-2023
حرب أكتوبر 1973

التقديرات العسكرية كانت تدور حول حرب تشبه ما حصل في عام 1967 (Getty)

في ذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، تكشف دولة الاحتلال بشكلٍ مستمر عن المزيد من الوثائق، التي تتعرض إلى جوانب جديدة ومختلفة عن الحرب، والتي توصف في إسرائيل بـ"الصدمة التكوينية"، والتي كانت "مفاجأة" كبيرةً في تل أبيب.

وفي ضوء الوثائق الجديدة التي كشفت بمناسبة مرور 50 عامًا على الحرب، يقدم ميخائيل ميلشطاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، قراءة في الوثائق الجديدة التي تكشف عن موقف إدارة دولة الاحتلال وتصورها عن العرب في حينه، من خلال مقال في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

"لم يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لتقرير تم التقاطه قبل يومين من الحرب، ومفاده أنه في خطوة استثنائية للغاية، أمر الجيش المصري الجنود الإفطار في شهر رمضان المبارك"

ويقول ميلشطاين: "إن محاضر مناقشات مجلس الوزراء التي تعود إلى الأيام التي سبقت اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 1973 وخلال مجرياتها -التي رفعت عنها السرية قبل ثلاثة أسابيع- توضح أن المفاجأة الرئيسية التي واجهت القيادة الإسرائيلية لم تكن في اندلاع الحرب، بل في الطريقة التي اندلعت بها الحرب".

ويضيف في المقال الذي نشر بعنوان "اللحظة التي صدمت فيها إسرائيل عندما علمت أن العرب يستطيعون القتال أيضًا": "لقد اندهش كبار القادة في إسرائيل من أن الجيوش العربية، خاصة في مصر وسوريا، كانت تقاتل بجرأة وتصميم، وحققت نجاحات، وأظهرت الحنكة وفك رموز النمط الفكري الإسرائيلي، وكانت هي نفسها تستخدم استراتيجيات معقدة كانت إسرائيل تواجه صعوبة في فهمها".

أمّا عن سبب ذلك، يقول الجنرال السابق في استخبارات جيش الاحتلال: "تكمن جذور المفاجأة في الازدراء العميق للعرب الذي ساد بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل منذ حرب 1967، والذي ترسخ أيضًا بين عامة الناس. كانت تلك هي الخلفية للتقييم بأنه على الرغم من وجود احتمال شن هجوم عربي، إلا أنه سيوجه للعرب ضربة من شأنها أن تجعل ذكرى عام 1967 تبدو ممتعة، كما قال عازر وايزمن، نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي. وأكدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أن المواجهة ستكون خطوة غير منطقية من الرئيس المصري أنور السادات لأن نتائجها واضحة. ووعد آرييل شارون، الذي كان قائدًا للقيادة الجنوبية حتى تموز/ يوليو 1973، أنه في الاشتباك التالي ’سيكون خط الانسحاب هو القاهرة’".

ويشير المقال، إلى أن هذا الموقف كان بشكلٍ أكثر حدة، لدى مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية إيلي زعيرا، الذي تشبث "في الاحتمالية الضعيفة لتنفيذ العرب التهديد بالحرب"، الذي اعترف مع بداية الحرب "بأن مصر مستعدة لها، لكنها تعرف بأنها ستهزم"، كما شهد منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق المحتلة شلومو غازيت على مواقف مشابهة، مشيرًا إلى أن الرتب العليا في جيش الاحتلال كانت وجهة نظرها "سوف نكسر عظامهم. وأن القلق الوحيد كان عدم وجود الوقت لتحطيمهم بالكامل".

وبحسب المحاضر الجديدة التي نشرت للاجتماعات الحكومة في إسرائيل مع بداية الحرب، فإن وزير الدفاع موشيه دايان، ورغم بداية الحرب كان عند موقفه بالقدرة على هزيمة العرب، ولكن في نهاية يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر، اعترف بأنه فوجئ بالقدرة القتالية للعرب وبالاستعداد الخاطئ للجيش الإسرائيلي، ووقع في "حالة ذهنية من الاكتئاب حيث خمن أن العرب كانوا يهدفون إلى التقدم أكثر" تجاه دولة الاحتلال.

وأكد ميلشطاين، على أنه خلال نصف قرن، نشرت مئات الدراسات التي تحاول استخلاص الدروس من الحرب، والتي أجمعت على ضرورة "تجنب الغطرسة والفكر التصنيفي"، التي كانت من بين أسباب "فشل دولة الاحتلال في عام 1973".

يقول ميلشطاين: "إن محاضر مناقشات مجلس الوزراء التي تعود إلى الأيام التي سبقت اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 1973 وخلال مجرياتها -التي رفعت عنها السرية قبل ثلاثة أسابيع- توضح أن المفاجأة الرئيسية التي واجهت القيادة الإسرائيلية لم تكن في اندلاع الحرب، بل في الطريقة التي اندلعت بها الحرب"

وحول ذلك، أشار الكاتب الإسرائيلي، إلى أن قائدة وحدة استخبارات الإشارات 848 (الوحدة 8200 اليوم)، تحدث بشكلٍ كبير عن دور "الازدراء والجهل كجزء من فشل عام 1973"، إذ اشتكى من ندرة من يعرف العربية في أجهزة المخابرات، والقدرة على تحليل المعلومات دون أدنى معرفة بالتاريخ والثقافة واللغة.

ويقدم ميلشطاين مثالًا على ذلك، بالإشارة إلى أنه "لم يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لتقرير تم التقاطه قبل يومين من الحرب، ومفاده أنه في خطوة استثنائية للغاية، أمر الجيش المصري الجنود الإفطار في شهر رمضان المبارك". وفي السياق نفسه وصف الشاعر الإسرائيلي حاييم جوري لقاء عقده في القاهرة عام 1977 مع الكاتب حسين فوزي، حيث قال له: "لو قرأت المخابرات الإسرائيلية الشعر المصري الذي كتب بعد عام 1967، لعرفت أن أكتوبر 1973 كان لا مفر منه. ضابط المخابرات يحتاج إلى قراءة الشعر".