30-مارس-2022

السجون المصرية بيئة للموت (أ.ف.ب)

صدر بيان موقّع من ثمانِ منظمات حقوقية  يطالب السلطات المصرية بتغييرات حقيقية في أوضاع السجون بدلًا من التغييرات الشكلية للقانون. وكان مجلس النواب المصري قد وافق في النصف الأول من الشهر الجاري على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون رقم 369 لسنة 1956، وقام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتصديق عليه في 20 مارس/آذار 2022 بهدف تغيير مسمى السجون الوارد في القانون القديم إلى مسمى جديد بعنوان مراكز إصلاح وتأهيل، وكذلك تغيير مسمى السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز تأهيل، وتغيير مسمى وظيفة السجّان إلى مسمى المشرف.

صدر بيان موقّع من ثمانِ منظمات حقوقية  يطالب السلطات المصرية بتغييرات حقيقية في أوضاع السجون بدلًا من التغييرات الشكلية للقانون

وصرّح رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي "أن تعديل القانون يعد نقلة نوعية لإصلاح المؤسسات العقابية بحيث لا يكون تنفيذ العقوبة هدفًا في ذاته إنما تغيير السلوك الإجرامي لنزلاء هذه المؤسسات وتأهيلهم ودعم حقوقهم، ليصبحوا عناصر فاعلة ونافعة للمجتمع". كما أكد على "أن تعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون، يأتي في إطار تحرك الدولة بكامل مؤسساتها نحو تنفيذ ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".

التلفزيون العربي

وأثارت هذه التعديلات جدلًا واسعًا، بخاصة في الأوساط الحقوقية، حيث اعتبر الحقوقيون والمدونون أن التعديلات لن تغيّر شيئًا في طريقة معاملة السجناء، وأن الهدف الوحيد لتعديل القانون هو تلميع الملف الحقوقي في مصر أمام العالم، بحسب تعبيرهم. على سبيل المثال، علّق المحامي الحقوقي جمال عيد ساخرًا من التعديلات التي وصفها بالمظهرية "مفروض نقول نزلاء رأي؟ نزيل تجاوز مدة الحبس الاحتياطي؟ التنكيل بالنزلاء وحرمانهم من حقوقهم الدستورية والقانونية؟ يقول الصينيون: لا يهم لون القط أبيض أو أسود طالما يصطاد الفئران. ونقول: لا يهم اسم المحتجز، سجين أو محبوس أو نزيل، المهم احترام الدستور والقانون".

الأوضاع الكارثية تحتاج أكثر من مجرد تغيير في المسميات

أصدرت منظمات حقوقية هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومبادرة الحرية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومنظمة كوميتي فور جستس، والمبادرة المصرية للحقوق والحريات، بيانًا مشتركًا يقولون فيه إن الأوضاع الكارثية للسجون المصرية تستوجب ما هو أبعد بكثير من مجرد تغيير في المسميات القانونية، في دولة يُنتهك فيها الدستور بشكل يومي، ولا تقترب قوانينها لأدنى القواعد العالمية لاحترام حقوق الإنسان.

وأكدت المنظمات الحقوقية أن هذا التغيير في المسميات يماثل ما سبق طرحه في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والذي لا يتخطى مجرد تعديل شكلي لإعطاء انطباع وهمي بأن ثمة إصلاح يحدث في ملف السجون، بعدما شهد تدهورًا غير مسبوق خلال السنوات الثماني الماضية، لا سيما الممارسات الانتقامية غير القانونية شبه اليومية، والإهمال الطبي المتعمد، والتعذيب، وسوء المعاملة، والحرمان من التريض والزيارة. فعلى مدار السنوات الماضية أصبح التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية نمطًا ممنهجًا وأداة قمعية تستخدمها أجهزة الأمن بحق كل من تقيد حريته، فقد وصل عدد الوفيات في أماكن الاحتجاز، منذ حزيران/يونيو 2013 وحتى الآن، أكثر من 1000 سجين، كما أدى الإهمال الطبي داخل السجون لوفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي على سبيل المثال، الأمر الذي وصفه خبراء حقوقيون بالقتل التعسفي بموافقة الدولة.

ويضيف البيان أن السجناء في مصر يعانون يوميًا من انتهاكات حقوقية بالغة، دون أدنى مساءلة للقائمين على هذه الانتهاكات. كما يتواصل فشل المؤسسات العقابية في إعادة تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في المجتمع، وتتعمد هذه المؤسسات تجاهل شكاوى السجناء حول الحد الأدنى لظروف المعيشة الآدمية؛ من نقص أو انعدام الهواء الطلق أو ممارسة الأنشطة الترفيهية أو التعليمية حتى وإن تكفلت بها أسرهم، بالإضافة إلى سوء الخدمات الطبية إن وجدت، وتقييد حقوق الزيارة والتواصل مع العالم الخارجي.

ويتابع البيان مستشهدًا ببعض النماذج للمعتقلين على سبيل المثال لا الحصر. فيعانى الناشط والمدون علاء عبد الفتاح، منذ بداية احتجازه، من معاملة غير آدمية من جانب إدارة سجن طره؛ إذ تم الاعتداء عليه ومحاميه محمد الباقر منذ وصولهما للسجن، ومنعت عنهما إدارة السجن جميع أشكال التريض أو القراءة. كما يتعرض عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية (71 عامًا) لظروف احتجاز شديدة السوء، في حبس انفرادي، فضلًا عن الإهمال الطبي رغم ما يعانيه من أمراض مزمنة يستلزم بعضها تدخلًا جراحيًا.

 ورغم أن الحقوقية هدى عبد المنعم، التي تُحاكَم أمام محكمة أمن الدولة طوارئ باتهامات ملفقة على خلفية نشاطها الحقوقي، تعاني كذلك من مرض بالقلب يستلزم إجراء عملية قسطرة عاجلة، بالإضافة إلى فشل كلوي، إلا أن إدارة السجن ترفض نقلها لمستشفى خارج السجن. وفي 18 مارس الماضي تم الاعتداء على الناشط أحمد ماهر (ريجو) تحت إشراف إدارة سجن طره على خلفية إضرابه وآخرين عن الطعام اعتراضًا على استمرار حبسهم احتياطيًا منذ سنوات وعدم إحالتهم للمحاكمة.

واستنكرت المنظمات في بيانها، استمرار مساعي الدولة المصرية باستخدام سياسة إنكار تدهور الوضع الحقوقي في مصر، والاعتماد على الأساليب الدعائية والتحسينات الشكلية لتقديم صورة وهمية عن واقع السجون، مؤكدةً أنه كان من الأجدر بالدولة المصرية تعديل قوانين السجون، بما يسمح للمنظمات الحقوقية المستقلة والصليب الأحمر بتفقد أوضاعها، بدلًا من ترك السجون ساحة للأجهزة الأمنية دون أي رقابة سوى من النيابة العامة، والتي ثبت تواطؤها مع العديد من الانتهاكات، وتقاعسها عن فتح تحقيقات جادة في جرائم التعذيب داخل السجون.

كما أوصت المنظمات الموقعة على البيان باتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة لتحسين أحوال السجناء وتقليل أعدادهم، والبدء بنقل تبعية السجون كافة من وزارة الداخلية لوزارة العدل، وضمان توفير قواعد بيانات بأسماء السجناء، وضمان توفير مستلزمات الإعاشة وكافة حقوقهم المنصوص عليها في الدستور والقانون، وإلغاء كافة القرارات الوزارية المنشئة لأماكن لاحتجاز الأشخاص واعتقالهم بعيدًا عن السجون، بالإضافة إلى تعديل مواد قانون تنظيم السجون لضمان الإشراف القضائي الكامل عليها، والنص على عدم السماح لرجال السلطة العامة بالتواصل مع المحبوسين احتياطيًا.

وطالبت المنظمات كذلك بالنص صراحةً على الحد الأدنى من احتياجات المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيًّا من الغذاء والأثاث والملابس، ومنع جهة الإدارة من الانتقاص منها بحجة عدم توافر الإمكانيات، ووجوب النص على آليات إجراء المكالمات التليفونية للاتصال بالعالم الخارجي، من خلال تحديد عدد المكالمات المسموح بها لكل سجين أسبوعيًا، ومدة المكالمة الواحدة وتكلفتها.

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والاحتفاء بأكبر مجمع سجون

أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/أيلول 2021 ما أسماه بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بعد ضغوط من الحكومات الأجنبية وبالأخص النظام الأمريكي الذي انتقد مرارًا حالة حقوق الإنسان في مصر وربط بينها وبين تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وكذلك تقديم المساعدات العسكرية للنظام المصري. بيد أن هذه الاستراتيجية، كما رآها الحقوقيون والفاعلون بالمجتمع المدني، غير معنية بمخاطبة المصريين من الأساس، إنما تنكر الواقع الكارثي لأزمة حقوق الإنسان في مصر، وتهدف إلى إيهام المجتمع الدولي والدول المانحة بأن هناك عملية إصلاح سياسي تجري في مصر، ومن ثم تكريس هذا الواقع المأساوي وتحصينه من الانتقاد الدولي.

وتؤكد الاستراتيجية أن مصدر مشكلة حقوق الإنسان في مصر هو الشعب ذاته، متمثلًا في محدودية وعي المواطنين وتقصير الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وبناءً عليه، لا تتعهد الوثيقة بوضع حد للقمع اليومي الضاري بالمخالفة للدستور والقانون واللوائح الحكومية والتزامات مصر الدولية؛ وإنما تكتفي، بشكل لا يخلو من المفارقة، بالتوصية عشرات المرات بتوعية المواطنين.

استنكرت منظمات حقوقية استمرار مساعي الدولة المصرية باستخدام سياسة إنكار تدهور الوضع الحقوقي والاعتماد على الأساليب الدعائية والتحسينات الشكلية

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، الشهر الثاني لانطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن افتتاح مجمع سجون وادي النطرون الجديد، كأكبر مجمع سجون بمنطقة الشرق الأوسط مبني على النظام الأمريكي تحت مسمى مركز تأهيل وإصلاح، ويراعي الالتزامات الإنسانية من الوزارة تجاه السجناء، وتم الاحتفاء بافتتاح السجن كانتصار وخطوة لتحسين حالة حقوق الإنسان وأوضاع السجناء. لكن هذه الخطوة قوبلت بالسخرية واعتبرها البعض تمثيلًا للتناقض الفج بين ما تعلنه الدولة من استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان والواقع على الأرض، إذ تحتفي بافتتاح أكبر مجمع سجون في الشرق الأوسط. وأشار المدونون إلى طبيعة المشكلة المتمثلة في طريقة إدارة السجون، والعقلية الأمنية التي تُدار بها المنظومة، وليست تغيير المسميات والأماكن.