24-يناير-2024
نقلت إسرائيل معتقلي غزة إلى أماكن احتجاز مجهولة (رويترز)

نقلت إسرائيل معتقلي غزة إلى أماكن احتجاز مجهولة (رويترز)

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" شهادات لمعتقلين فلسطينيين من سكان قطاع غزة حول ظروف اعتقالهم غير الإنسانية، والممارسات التعسفية التي تعرضوا لها في أماكن احتجاز سرية معزولة عن العالم.

وتحدث تقرير الصحيفة عن مشاهد هزت العالم، تم عرضها في كانون الأول/ديسمبر، لمدنيين معتقلين في الشارع يرتدون ملابس داخلية فقط ويصطفون في عدة صفوف محاطين بالقوات الإسرائيلية.

وفي أحد المشاهد، يصرخ جندي إسرائيلي على المعتقلين عبر مكبر صوت، قائلًا: "نحن نحتل كل غزة. هل هذا ما أردتموه؟ هل تريدون حماس معكم؟ لا تخبروني أنكم لستم حماس". ورد المحتجزون، وكان بعضهم حفاة القدمين وأيديهم على رؤوسهم، بنفي ذلك، وقال أحدهم: "أنا عامل يومي"، فصرخ الجندي مرة أخرى: "اخرس".

وقدّم ما يقرب من 12 من المعتقلين أو أقاربهم الذين قابلتهم "نيويورك تايمز"، شهادات مروعة عن المعاملة القاسية التي تعرضوا لها. بينما قدمت منظمات حقوقية تهتم بشؤون السجناء والمحتجزين الفلسطينيين روايات مماثلة في تقرير صادر عنها، اتهمت فيه "إسرائيل" بالاحتجاز العشوائي للمدنيين ومعاملتهم بطريقة مهينة.

تنكيل وأوضاع مهينة

وفي مقطع مرئي تم التقاطه في ملعب في مدينة غزة، يظهر العشرات من الرجال والشبان الصغار وهم يرتدون ملابس داخلية فقط، ويسيرون محاطين بالجنود الإسرائيليين، وكانت هناك أيضًا بعض النساء والفتيات، لكنهن بقين مرتديات لملابسهن.

إحدى المعتقلات، تدعى هديل الدحدوح وتبلغ من العمر 22 عامًا، ظهرت في صورة أخرى نشرت الشهر الماضي، وهي محتجزة في الجزء الخلفي من شاحنة مليئة برجال معتقلين عراة، وكانت عيناها معصوبة بعصبة بيضاء، كما تم إزالة وشاح رأسها.

تحدّث تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" عن أوضاع لاإنسانية يعيشها المعتقلون من غزة خلال اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتعرضون للتعذيب والإهانة ويواجهون انتهاك قوانين الحرب

تم اعتقال هديل وزوجها رشدي الطاطا، البالغ من العمر 31 عامًا، وكلاهما من مدينة غزة، في 5 كانون الأول/ديسمبر، وكشف الطاطا عن تعرضهم للضرب من قبل الجنود الإسرائيليين، قائلًا: "ضربوننا على رؤوسنا بأسلحتهم"، وأضاف: "ضربوا زوجتي كما ضربوني، وكانوا يصرخون: اخرس!".

وبعد عدة أيام من الاعتقال، جاءه حارس السجن إلى مكان احتجازه وسأله: "هل يمكنك الركض؟". وأخبر الطاطا الصحيفة أنه لم يفهم السؤال!

لكن بعد ساعات، حوالي الثانية صباحًا، نُودي على الطاطا باسمه، ووضع في حافلة مع معتقلين وجرى نقلهم إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي، وعندما نزل من الحافلة، حذّرهم جندي إسرائيلي من وجود قناص يراقبهم، وأمرهم بالركض.

قال الطاطا: "ركضنا لمدة 10 دقائق دون أن ندير رؤوسنا".

أُطلق سراح الطاطا بعد 25 يومًا من الاحتجاز، بينما لا تزال هديل الدحدوح مفقودة.

وهناك شهادة أخرى قُدمت لـ"نيويورك تايمز"  من معتقل ذكرت الصحيفة اسمه العائلي فقط. أخبرها السيد لباد أنه كان في منزل والديه مع زوجته التي أنجبت طفلهما الثالث قبل أسابيع، كانوا يسمعون إطلاق نار قريب، ويشاهدون الدبابات في الشوارع.

في 7 كانون الأول/ديسمبر الماضي، صرخ جندي إسرائيلي في مكبر صوت مطالبًا جميع الرجال في الحي بالخروج من منازلهم.

وبمجرد خروجه، رفع لباد ذراعيه وأمره جندي إسرائيلي بالركوع والقيام بخلع ملابسه. تم إبقاؤه راكعًا على ركبتيه في الصف الخلفي من خط من الرجال وبعض الشبان الفلسطينيين، كانوا جميعًا في ملابسهم الداخلية، وبعضهم حفاة القدمين.

قال لباد، وهو عامل حقوقي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن احتجازه استمر لمدة أسبوع، وأضاف: "في اللحظات الأولى، قلت لنفسي سأفعل كل ما يأمرني به الجنود"، وتابع: "لم نكن نعرف ما الذي ينتظرنا، يداي كانتا مقيدتين بحبل، وعلى الفور ظهرت آثار حفر في الجلد".  

وأشار لباد إلى أن المحتجزين أجبروا على الدخول إلى شاحنات بملابسهم الداخلية فقط، وكانوا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، وقام الجنود بضربهم خلال مدة نقلهم إلى داخل "إسرائيل" التي استمرت لعدة ساعات.

وعندما وصلوا إلى سجن في مدينة بئر السبع، جنوب فلسطين المحتلة، تم إعطاؤهم ملابس، وهي بدلات رياضية رمادية، وأُعطي كل معتقل رقمًا على شريط أزرق، وكان حراس السجن ينادونهم بالأرقام وليس بأسمائهم.

تم احتجاز لباد في ثكنة كبيرة لمدة ثلاثة أيام، كان يتم فيها إجبار المعتقلين على الجلوس على ركبهم في وضع وصفه بأنه مؤلم، من الساعة 5 صباحًا حتى منتصف الليل. وكشف لباد أن أي شخص حاول تغيير وضعه تعرّض للعقاب.

وأشار العامل في المركز الحقوقي إلى إنه لم يتم استجوابه إلا بعد أيام من نقله إلى مركز احتجاز آخر في القدس، حيث سأله المحقق عن مكان تواجده يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وما إذا كان لديه أي معلومات عن أعضاء في "حماس" أو "الجهاد الإسلامي"، كما سئل عن الأنفاق ومواقع "حماس".

وحين كرّر إجابته بأنه لا يعرف أي شيء، وأنه قضى الكثير من وقته إما في العمل أو في المنزل، غضب المحقق وضربه تحت عينه، ثم أعاد العصبة لعينيه وربطها بإحكام مؤلم. احتُجز لباد لعدة أيام أخرى، لكن لم يتم استجوابه ثانيةً.

كشف المعتقل الفلسطيني مجدي الداريني ظروف المعاملة القاسية التي تعرض لها خلال اعتقاله من قبل جيش الاحتلال: "لقد عاملونا مثل الحيوانات، كانوا يضربوننا بالعصي ويلقون علينا اللعنات".

وفي وقت مبكر من يوم 14 كانون الأول/ديسمبر، كان لباد على متن إحدى الحافلات المحملة بالمعتقلين الذين تم نقلهم إلى الحدود الجنوبية لغزة، وطُلب منه البدء في المشي.

شهادة أخرى لمعتقل يدعى مجدي الداريني، وهو أب لأربعة أطفال يبلغ من العمر 50 عامًا وموظف حكومي متقاعد، أخبر الصحيفة الأمريكية بأنه احتجز لمدة 40 يومًا، ربطت فيها يداه بقيود طوال الوقت تقريبًا، وتركت القيود جروحًا على معصميه. قال: "طوال الوقت، يداك مقيدتان وعيناك معصوبتان وأنت على ركبتيك، لا يسمح لك بالتحرك يمينًا أو يسارًا."

احتُجز الداريني منتصف تشرين الثاني/نوفمبر بينما كان هو وعائلته يتجهون سيرًا على الأقدام نحو الجنوب، بعد مغادرتهم منزلهم في شمال غزة، استجابةً لأمر الإخلاء.

وكشف الداريني لـ"نيويورك تايمز" عن المعاملة القاسية التي تعرض لها، قائلًا: "لقد عاملونا مثل الحيوانات، كانوا يضربوننا بالعصي ويلقون علينا اللعنات." وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن العديد من المعتقلين الآخرين قدموا شهادات مماثلة.

وأوضحت "نيويورك تايمز"، أن بعض المدنيين تم اعتقالهم بعدما طُلب منهم الخروج من منازلهم، بينما تم اعتقال آخرين في طريق هروبهم من أحيائهم سيرًا على الأقدام مع عائلاتهم، في محاولة للوصول إلى مناطق أكثر أمانًا بعد أن أمرتهم القوات الإسرائيلية بالمغادرة.

وأظهرت الصور التي التقطها صحفيون من غزة المعتقلين المفرج عنهم حديثًا وهم يعالجون في المستشفيات، والجلد حول معاصمهم متآكل من أثر القيود التي ربطهم بها الجنود الإسرائيليون، وأبقوهم على هذه الحالة لأسابيع.

تعذيب المعتقلين

وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ،الأسبوع الماضي إن: "معاملة إسرائيل للمحتجزين في غزة قد ترقى إلى مستوى التعذيب"، وقدر المكتب أن الآلاف قد تم احتجازهم في ظروف "مروعة" قبل إطلاق سراحهم، وأحيانًا بدون ملابس، يرتدون حفاضات فقط".

وردًا على أسئلة "نيويورك تايمز" حول الموضوع، قال الجيش الإسرائيلي إنه: "يحتجز الأشخاص المشتبه في تورطهم في نشاط إرهابي ويطلق سراح من تمت تبرئتهم"، وزعم أن: "السلطات الإسرائيلية تعامل المحتجزين وفقًا للقانون الدولي".

ودافع الجيش الإسرائيلي عن إجبار الرجال والفتيان على التعري قائلًا: إن "هذا الإجراء للتأكد من أنهم لا يخفون سترات متفجرة أو أسلحة أخرى"، مدعيًا: إنه "يتم إعادة الملابس للمحتجزين عندما يكون ذلك ممكنًا".

مصير مجهول

في المقابل، يقول المدافعون عن حقوق الإنسان: "احتجاز إسرائيل ومعاملتها المهينة للفلسطينيين في غزة يمكن أن ينتهك قوانين الحرب الدولية".

وصدر مؤخرًا تقرير للعديد من جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية، بما في ذلك لجنة الأسرى الفلسطينيين ومؤسسة "الضمير"، جاء فيها أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي والغزو البري لغزة، اعتقل الجيش الإسرائيلي مئات الفلسطينيين بطريقة همجية وغير مسبوقة. ونشر التقرير صورًا ومقاطع فيديو تظهر المعاملة اللاإنسانية للمعتقلين، وأضاف التقرير: "حتى الآن، أخفت إسرائيل مصير المعتقلين من غزة، ولم تكشف عن أعدادهم، ومنعت المحامين والصليب الأحمر من زيارة المعتقلين".

من جهته، قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هشام مهنا: "إن اللجنة تلقت تقارير يومية من عائلات في غزة حول أبناءها المعتقلين، وأشار مهنا، إلى أن الصليب الأحمر يعمل على حوالي 4 آلاف حالة لمعتقلين من غزة اختفوا، ويعتقد أن الجيش الإسرائيلي اعتقل ما يقرب من نصفهم".

وتسعى اللجنة للحصول على معلومات حول ظروف ومكان وجود المعتقلين، والضغط من أجل زيارتهم. ولكن في عدد قليل فقط من الحالات، لم تتلق حتى دليلًا على أنهم على قيد الحياة، كما كشف مهنا.

بدوره، قال المحلل في منظمة الأبحاث لمجموعة الأزمات الدولية والمستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، براين فينوكين إن: "القانون الدولي يضع معيارًا عاليًا جدًا لاحتجاز غير المقاتلين، ويتطلب معاملتهم بإنسانية".

وفي الشهر الماضي، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليفي إن: "القوات الإسرائيلية تحتجز رجالًا في سن العسكرية في تلك المناطق".

وخلال الشهر الأول من العدوان، حذرت "إسرائيل" أولئك الذين لم يغادروا المناطق بموجب أوامر الإجلاء، من أنهم: "قد يعتبروا شركاء في منظمة إرهابية". ورأى فينوكان: "الافتراض بأن الذكور في سن العسكرية هم مقاتلون، هو أمر مقلق".

بدورها قالت، مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إن: "تحديد المدنيين الذين لم يتم إجلاؤهم كشركاء للإرهاب لا يشكل تهديدًا للعقاب الجماعي فحسب، بل يمكن أن يشكل تطهيرًا عرقيًا".