27-نوفمبر-2023
الأسيرة إسراء

الأسيرة المحرّرة إسراء جعابيص (Getty)

في وقتٍ متأخر من ليل يوم السبت، وبموجب الاتفاق الذي أسفرت عنه الوساطة القطرية المصرية الأمريكية المشتركة بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"؛ أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن 33 طفلًا فلسطينيًا و6 أسيرات بينهن إسراء جعابيص، التي أمضت في السجون الإسرائيلية 8 سنوات مليئة بالمعاناة بسبب الحروق الشديدة التي طالت أكثر من 60 بالمئة من جسدها في الحادث الذي سبق اعتقالها، إضافةً إلى رفض قوات الاحتلال السماح لها بالعلاج، رغم صعوبة وضعها الصحي وحاجتها الماسة للعلاج.

تحوّلت إسراء، منذ اعتقالها أواخر عام 2015، إلى قضية رأي عام تفاعل معها عدد كبير من النشطاء والصحفيين في مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغاتٍ عدة، بهدف لفت الأنظار إلى معاناتها التي كانت تتفاقم يومًا بعد آخر، والضغط على سلطات الاحتلال لإطلاق سراحها، أو السماح لها بالعلاج.

لطالما استيقظت زميلات إسراء في الأسر على صوت أنينها من شدّة الألم الذي كانت تشعر به نتيجة الحروق التي طالت أكثر من 60% من جسدها

إسراء جعابيص فلسطينية مقدسية من مواليد بلدة جبل المكبر، جنوب القدس المحتلة، عام 1986. متزوّجة وأم لطفل وحيد يُدعى معتصم، ويبلغ من العمر الآن 14 عامًا. وقد فاقمت سلطات الاحتلال من معاناة إسراء بحرمانها من رؤيته من خلال حرمانه من حقه بالحصول على هوية القدس، التي يحتاجها ليتمكّن من زيارتها.

لم تكن حياة إسراء التي درست في الكلية الأهلية ببلدة بيت حنينا شمالي القدس في تخصص التربية الخاصة، وعملت في دار للمسنين؛ طبيعية شأنها شأن جميع الفلسطينيين الذين يعانون في ظل الاحتلال الذي لا يتوانى عن التضييق عليهم عبر وسائل مختلفة تُحيل أكثر الأمور عاديةً إلى أخرى معقّدة بالغة الصعوبة.

لكن معاناة إسراء ستأخذ منحىً مختلفًا يفيض بالألم والمعاناة بدءًا من أواخر عام 2015. ففي الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام، تعرّضت الأسيرة المحرّرة لحادث غيّر حياتها وقضت بفعله 8 سنوات داخل السجون الإسرائيلية تُعاني مما يعانيه الأسرى، إلى جانب الآلام الناتجة عن الحروق التي تعرضت لها.

بدأت مأساة إسراء أثناء عودتها من مدينة أريحا إلى القدس المحتلة حيث منزلها الجديد. وفي الطريق، قرب مستوطنة معاليه أدوميم، على بعد 1500 متر من حاجز الزعيّم شرق القدس المحتلة، تعطّلت سياراتها التي كانت تحمل فيها غاز وتلفاز، ثم اشتعلت نتيجة انفجار بالون الهواء في المقود، فاستنفرت قوات الاحتلال ومنعت الإسعاف من الوصول إليها لمساعدتها.

وبعد مرور ساعات، نُقلت إسراء إلى المستشفى بعد أن تعرّضت لحروق شديدة تراوحت بين الدرجة الأولى والثالثة أتت على أكثر من 60 بالمئة من جسدها، وأدّت إلى تشوّه وجهها بشكل كامل. وعلى الرغم من ذلك، قيّد جنود الاحتلال قدميها ويديها، وبُترت أصابعها بصورة شبه كاملة.

أمضت إسراء جعابيص في المستشفى 3 أشهر و10 أيام اختبرت خلالها مختلف أنواع الألم ولعل من أكثر المواقف المؤلمة التي تعرضت لها، وفق ما روته شقيقتها، هو احضار سلطات الاحتلال مجنّدة بأصابع جميلة سألت إسراء عن رأيها بأصابعها، فأجابت بأنها جميلة، فرّدت المجنّدة عليها: "إنت ما عندك أصابع"، فأنكرت إسراء وقالت إن لديها أصابع، لكنها صُدمت بما رأته حين نظرت إلى أصابعها. حينها، قالت لها المجنّدة: "تستحقين بتر أصابعك".

نُقلت إسراء بعد ذلك إلى مستشفى سجن "الرملة" الذي يُعرف بين الفلسطينيين بـ"المسلخ". ورغم حالتها الصحية الحرجة، عقدت لها سلطات الاحتلال عدة جلسات محاكمة داخل المستشفى، بعد اتهامها بمحاولة تنفيذ عملية دهس لقتل جنود إسرائيليين، وقد اتخذت من منشورات لها على حسابها في "فيسبوك دليلًا لإدانتها.

وأثناء احتجازها داخل المستشفى، تعرّضت إسراء بحسب ما روته عائلتها إلى إهانات مختلفة من قِبل عناصر الأمن وبعض الممرضات، الذين سخروا من شكلها وأجبروها على مشاهدة وجهها المشوِّه في المرآة، ذلك الذي قالوا لها إن ابنها لن يتقّبله بعد الآن.

وبعد عام من النقاشات والمداولات داخل المحاكم الإسرائيلية، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016 تحديدًا، صدر الحكم على إسراء جعابيص بالسجن لمدة أحد عشر عامًا مع غرام مالية مقدارها 50 ألف شيكل. ونُقلت إثر ذلك إلى سجن "هشارون".

المفارقة أن شرطة الاحتلال اعتبرت ما جرى في البداية مجرد حادث سير عادي، كما أكد المحققون أن الانفجار نتج عن الوسادة الهوائية في السيارة، لكن الإعلام العبري صوّر الحادثة بوصفها محاولة قتل جنود إسرائيليين، وهو ما ادّعته أيضًا المخابرات الإسرائيلية.

عانت إسراء كثيرًا داخل سجون الاحتلال الذي رفض إجراء العمليات الجراحية اللازمة للتخفيف من آلامها التي لازمتها طوال 8 سنوات. وقد ذكرت شقيقتها أنها لم تكن تستطيع ارتداء ملابسها وتناول الطعام دون مساعدة زميلاتها في الأسر. فيما قالت الأسيرة السابقة حلوة حمامرة إنهم لطالما استيقظوا على صوت أنينها من شدّة الألم الذي كانت تشعر به.

رغم ذلك، رفض سلطات الاحتلال علاجها أو إطلاق سراحها. كما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الاستئناف على رفض المحكمة المركزية طلبًا للإفراج المبكّر عن إسراء بسبب حالتها الصحية الحرجة، وحاجتها الماسّة لإجراء عمليات جراحية تخفف معاناتها.

وفي تلك الجلسة التي عُقدت في كانون الثاني/ يناير 2018، قالت إسراء ردًّا على سؤال الصحفيين عن أحوالها "في أكثر من هيك وجع؟ وجعي مرئي"، وأضافت: "شغلتي طوّلت، ولا علاج". ثم كشفت عن أصابعها المبتورة.

وعلى مدار 8 سنوات، لم تنجح الحملات التي أطلقتها عائلة إسراء جعابيص من دفع سلطات الاحتلال إلى إطلاق سراحها، أو حتى السماح بها بإدخال ما تحتاجه من مستلزمات داخل السجن. ناهيك عن رفض المحكمة المركزية التماسًا قدّمه "أطباء لحقوق الإنسان"، عام 2022، لإجراء عملية جراحية بحاجة ماسّة لها. فيما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الاستئناف الذي قُدِّم على قرار المحكمة المركزية.

تعرّضت إسراء أثناء احتجازها داخل المستشفى إلى إهانات مختلفة من قِبل عناصر الأمن والممرضات الذين سخروا من شكلها وأجبروها على مشاهدة وجهها المشوِّه في المرآة

وأكّدت إسراء جعابيص في حديثها إلى "التلفزيون العربي" بعد إطلاق سراحها ليل السبت/ الأحد، أنها تعرّضت لإهمال طبي ممنهج من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي قالت إنه حاول إعدامها والتنكيل بها داخل السجون، مشيرةً إلى أن الإهمال الطبي سياسة متبعة لمعقابة الأسير وتعذيبه. مؤكدةً، مرة أخرى، أن وجعها ما زال مرئيًا.

وقالت إسراء في سياق حديثها إنها وثّقت كل ما حدث معها خلال سنوات سجنها في كتابها الثاني الذي اختارت من "كيف أكون أنا من جديد" عنوانًا له.

وكانت الأسيرة المحررة قد أصدرت خلال هذا العام، ومن داخل سجنها، كتابًا بعنوان "موجوعة" أهدته إلى ابنها معتصم، وكتبت فيه: "حين تعجز الخطوات عن الوصول، وتكبر المسافات رغم صغرها، حين يمسي الليل نهارًا والنهار ليلًا؛ حينما تعزلك عن حضن أمك قضبان من حديد، حينما يصبح الضحية متهمًا ثم أسيرًا، هذا الكتاب هو باكورة أعمالي داخل الأسر، لعل صفحاته تنقل معاناة مُنعت من النشر".

صور الأسيرة إسراء 

هنا أبرز الصور من لحظات حضور الأسيرة إسراء محرّرة بين أهلها وذويها. 

الأسيرة إسراء
الأسيرة إسراء

 

الأسيرة إسراء

الأسيرة إسراء