13-يناير-2024
ينتظر معتقلون فلسطينيون دورهم في العلاج بعد أن أطلق سراحهم (GETTY)

ينتظر معتقلون فلسطينيون دورهم في العلاج بعد أن أطلق سراحهم (GETTY)

قدمت العديد من الجهات الإعلامية والحقوقية، شهادات لمئات من المعتقلين المدنيين من قطاع غزة، تعرضوا لمعاملة صعبة من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملية اعتقالهم، ونقلهم إلى مراكز اعتقال خارج القطاع.

وفي هذا السياق، قدم معتقلون سابقون أفرج عنهم مؤخرًا شهادات صادمة لصحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، بما حدث لهم داخل المعتقلات الإسرائيلية، والظروف الصعبة التي رافقتهم طوال مدة احتجازهم. 

تنكيل بالمعتقلين

يتحدث جهاد حمودة للصحيفة الأمريكية، أنه قضى 17 يومًا معصوب العينين ومكبل اليدين في مرفق احتجاز إسرائيلي، وأجبر على الركوع على الأرض لساعات، ولم يكن يعرف أين هو أو متى سيتم إطلاق سراحه.

وأخبر الشاب البالغ من العمر 20 عامًا "واشنطن بوست"، أن جنود الاحتلال الإسرائيلي، اقتحموا منزل عائلته في مدينة غزة يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، وقتلوا بالرصاص جده البالغ من العمر 78 عامًا، الذي كان يعاني من الخرف، واعتقلوا أخته وأبناء عمومته وأعمامه وجدته.

قضى  حمودة 17 يومًا معصوب العينين ومكبل اليدين في مرفق احتجاز إسرائيلي، وأجبر على الركوع على الأرض لساعات في كل مرة. ولم يكن يعرف أين هو أو متى سيتم إطلاق سراحه

قضى حمودة في البداية أكثر من يوم محتجزًا في منزل أحد الجيران في غزة، حيث قال إن جنود الاحتلال قاموا بتجريده من ملابسه الداخلية. وضربه المحققون عندما نفى ارتباطه مع حركة حماس، وروى أن أحد الجنود حمل سكينة في يده، مهددًا بقطع إصبعه ما لم يعترف بحيازته أسلحة. وقال حمودة: "لقد أكدت لهم أنني كنت طالبًا جامعيًا، وليس لدي أي صلة بأي منظمات عسكرية".

وبعد ظهر يوم 9 كانون الأول/ديسمبر، قاده جنود الاحتلال عبر الحدود إلى ما افترض أنه موقع عسكري إسرائيلي. ومن تحت عصبة عينيه، لمح حمودة ثكنات كبيرة محاطة بالأسلاك الشائكة.

وعند وصوله ألقى الجنود نداءً بالأسماء كل يوم لحوالي 120 محتجزًا يرتدون بدلات رمادية. وكان الحراس مسلحون في دوريات. كما سمع طائرة تدور في الأعلى. وكان لكل سجين سوار معصم برقم، ورقم حمودة كان: 057906.

في بعض الأحيان، تذكر حمودة، أن المحتجز "لا يعود إلا مغطى بالدم، أو عليه آثار التعذيب، وهو يصرخ ويبكي من شدة الألم". وأضاف: أنه "في أوقات أخرى، يتم إرسال الغزيين المتهمين بالعلاقة مع حماس إلى منشأة أخرى".

وخشي حمودة من أن يكون هذا مصيره. لكن بدلًا من ذلك، في 26 كانون الأول/ ديسمبر، سلم الجنود لحمودة بطاقة هويته، وحملوه إلى حافلة التي أخذته إلى جنوب قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم. وقال إنه عندما تمت إزالة العصابة، كادت شدة الضوء أن تحرقه. فيما طلب منه جنود الاحتلال الذهاب مشيًا نحو رفح، وعدم الالتفات إلى الوراء.

لم يعرف حمودة مكان سجنه، وقال إنه سمح له بالنوم بضع ساعات في كل مرة على مرتبة رقيقة. وكان يتناول ثلاث وجبات في اليوم، الخبز مع الجبن أو التونة أو التفاح أو الطماطم، ويمكنه استخدام الحمام وشرب الماء مرة واحدة كل يوم تقريبًا. وأضاف حمودة، أن طبيبًا كان يأتي يوميًا، لكنه لا يفحص إلا المحتجزين الذين يعانون من إصابات خطيرة، أو المرضى.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن رواية حمودة تتطابق مع روايات 6 محتجزين آخرين تم إطلاق سراحهم مؤخرًا، بالإضافة إلى الشهادات التي جمعتها جماعات حقوق الإنسان وتقارير إعلامية أخرى.

واعتقلت القوات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين في غزة، وسجنوا دون تهمة، بموجب إطار قانوني، يعرف باسم "المقاتل غير الشرعي"، وأشارت تقديرات حقوقية إلى أن "النظام مبهم عن قصد، ومفتوح للإساءة"، مما يسمح للمحتجزين بالاختفاء فعليًا في منطقة رمادية قانونية.

تقول "الواشنطن بوست": "ليس لدى حمودة سجل رسمي لاحتجازه. كل ما لديه هو قسيمة إيداع، مكتوبة باللغة العبرية، والتي قال إن سجانيه أعطوه إياها عندما أعادوا بطاقة هويته الفلسطينية".

وتتضمن الوثيقة غير المؤرخة، التي تمت مشاركتها مع الصحيفة الأمريكية، اسمه ورقم هويته وتاريخ ميلاده. ولا يذكر أين تم إصدارها، أو الجهة التي أصدرتها.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة محددة من "الواشنطن بوست" حول اعتقال أو احتجاز سكان غزة الذين تمت مقابلتهم من أجل هذه الرواية، ولكنه قدم بيانًا عامًا، جاء فيه: "خلال القتال في قطاع غزة، تم القبض على المشتبه في ارتكابهم أنشطة إرهابية. يتم إحضار المشتبه بهم المعنيين إلى الأراضي الإسرائيلية لمزيد من التحقيق"، وتابع الجيش: إن "المشتبه بهم غير المتورطين في نشاط إرهابي يتم إعادتهم إلى غزة، ويعامل أولئك الذين لا يزالون رهن الاحتجاز وفقًا للقانون الإسرائيلي".

وردًا على سؤال حول إطلاق النار على جد حمودة، قال الجيش الإسرائيلي للصحيفة الأمريكية، إنه "سيتم النظر في أسئلة من هذا النوع في مرحلة لاحقة".

شهادات أخرى

بدورهم، تحدث معتقلون سابقون لصحيفة "الواشنطن بوست"، عن أنه تم استجوابهم، وكانت الأسئلة مثل: "أين كنت في 7 تشرين الثاني/ أكتوبر؟ هل تعمل مع حماس؟ هل تساعد حماس؟ أين الأنفاق؟ أين المقاتلون؟".

معتقل سابق في مركز محمد يوسف النجار برفح

وأخبر محمد أبو زور البالغ من العمر 24 عامًا، الصحيفة الأمريكية، أنه احتجز لمدة 20 يومًا، حيث حجب الجنود الطعام عنه كعقاب. وقال: "إنهم يصرون دائمًا على اتهامنا بالانتماء إلى حماس". وعندما ينفي ذلك، يركله الجنود ويضربوه. وكشف أبو زور، أن محققيه جعلوه يوقع على وثيقة عبرية لم يفهمها، كما عرضوا عليه المال إذا تجسس لحساب إسرائيل، لكنه رفض.

وبعد ساعات من إطلاق سراح أبو زور في 26 كانون الأول/ديسمبر، تحدث عبر الهاتف من مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح، بجنوب غزة،  إلى الصحيفة، وقال إنه يعالج كدمات شديدة.

من جهته، كشف مدير المستشفى مروان الحمص، أن محتجزين آخرين وصلوا مصابين بجروح مماثلة، بالإضافة إلى أشخاص مصابين بجروح منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر، كما استقبل المستشفى جثة رجل مجهول الهوية، تركته القوات الإسرائيلية عند معبر كرم أبو سالم.

وردًا على سؤال حول الرجل الميت، قال الجيش الإسرائيلي لصحيفة "الواشنطن بوست": "يتم إجراء تحقيق لكل حالة وفاة لمحتجز. لا تزال المراجعات مستمرة، لذلك لا يمكن التعليق على نتائج هذه المراجعات".

بدوره، ذهب صقر الجمال، البالغ من العمر 59 عامًا، إلى مستشفى النجار لتلقي العلاج في 22 كانون الأول/ديسمبر، بعد إطلاق سراحه من مكان الاحتجاز الإسرائيلي، بعدما تم اعتقاله من قبل الجنود في تشرين الثاني/نوفمبر أثناء وجوده في مدرسة تحولت إلى مركز لجوء، في بيت لاهيا شمال غزة.

وفي مكان الاحتجاز، قال الجمال إن الطقس كان باردًا، وغالبًا ما كان يتبول على نفسه. وأخبر الصحيفة، أن الجنود ربطوا يديه فوق رأسه بسلك، كعقاب.

منطقة رمادية

ويقول المدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل تال شتاينر: "هل هناك أي سجل بمن تم القبض عليه، ومن تم إطلاق سراحه، ومن توفي، لا أستطيع أن أخبرك"، وأضاف: "لا أحد يرى أين يتم احتجازهم، وتحت أي ظروف"، متسائلًا: "ما هي شرعية احتجازهم؟".

ويشير شتاينر، إلى أنه تم القبض على بعض الأشخاص في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وشمل ذلك بعض مقاتلي حماس المشاركين في الهجوم، لكن تم القبض على العديد والعديد من الاشخاص في غزة أثناء العملية البرية، يمكن أن يكونوا مشاركين مع حماس أو يشتبه في تورطهم معها، ويمكن أن يكونوا أيضًا مجرد مواطنين عاديين أو مارة أبرياء.

وخلال عملية الاجتياح البري، قامت القوات الإسرائيلية باعتقال مئات من سكان غزة، في المستشفيات أو المنازل أو أثناء الفرار على طول طرق الإخلاء التي حددتها إسرائيل. وأدت الصور المسربة في كانون الأول/ديسمبر، التي تظهر مواطنين محتجزين، تم تجريدهم من ملابسهم الداخلية، إلى ردة فعل وغضب دولي من هذه الممارسات.

رفض الكشف عن عدد الحقيقي

 هذا، وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن إسرائيل منعت ممثليها من زيارة السجناء الفلسطينيين المحتجزين، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

فيما قال الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي إنه "تم أخذ أكثر من 700 ناشط من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة لمزيد من الاستجواب داخل إسرائيل".

وفي بيان مرسل إلى صحيفة "الواشنطن بوست"، أوضح الجيش الإسرائيلي أنه: "يتم إطلاق سراح المحتجزين الذين تبين أنهم غير متورطين في نشاط إرهابي، بعد فحصهم واستجوابهم الأولي على الفور إلى قطاع غزة، بشكل عام من خلال معبر كرم أبو سالم"، وأضاف البيان: "يتم تقديم أولئك الذين يجب أن يستمر احتجازهم أمام مراجعة قضائية من قبل قاضٍ، وفقًا للقانون الإسرائيلي".

ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على عدد المحتجزين أو من تم إطلاق سراحهم، مبررًا ذلك بـ"أسباب أمنية". وأحال الجيش الأسئلة حول الانتهاكات أثناء الاستجوابات إلى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت"، الذي لم يستجب لطلبات متعددة للتعليق. بدورها، أحالت دائرة السجون الإسرائيلية الأسئلة إلى الجيش الإسرائيلي، وجهاز "الشين بيت".

ووفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، استشهد ما لا يقل عن ستة فلسطينيين في السجون الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. في حين أخبر الجيش الإسرائيلي صحيفة "الواشنطن بوست" أنه "على علم بحالات وفاة المحتجزين، ولكنه لن يتمكن من التفصيل بسبب التحقيقات الجارية".

في حين أخبرت دائرة السجون الإسرائيلية، مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد"، أن 661 من سكان غزة احتجزوا بموجب القانون اعتبارًا من 1 كانون الثاني/يناير، بعد أن كانوا 260 في كانون الأول/ديسمبر، لكنها لم تكشف عن مكان احتجازهم.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن موقع الاحتجاز الوحيد الذي حددته السلطات الإسرائيلية علنًا هو سديه تيمان، في النقب جنوب القطاع، وهو الموقع الذي قال الجيش الإسرائيلي إنه أسسه كمرفق "فحص" بعد بدء الحرب. مدعيًا في بيان: أن "ظروف المكان تعكس متطلبات القانون الإسرائيلي والقانون الدولي".

وبحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن المحتجزين "يتلقون ثلاث وجبات في اليوم، وبالإضافة للوصول إلى المياه، والملابس والمراتب والبطانيات، والمرحاض، ويعرض عليهم فحص طبي يومي".

أدت الصور المسربة في كانون الأول/ديسمبر، التي تظهر مواطنين المحتجزين معصوبي العينين، تم تجريدهم من ملابسهم الداخلية، إلى ردة فعل وغضب دولي من هذه الممارسات

في يوم الخميس الماضي، كشف نادي الأسير الفلسطيني، عن أسماء 51 امرأة من غزة التي قال إنهن محتجزات في سجن دامون في شمال فلسطين المحتلة، وهو العدد الذي تضاعف ثلاث مرات عن شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وأشارت "الواشنطن بوست"، إلى أن أخت حمودة وجدته البالغة من العمر 69 عامًا و3 بنات عمومة على القائمة.