07-نوفمبر-2023
غزة

الممثلة الأمريكية الشهيرة سوزان ساراندون خلال وقفة تضامنية مع أهالي غزة

علينا أن نتذكر أن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فقط، ولا حتّى العرب، بل هي قضية شعوب العالم الحرة باعتبارها آخر حالة استعمارية إحتلالية حتى اليوم منذ زمن الاستعمار التقليدي. إنطلاقاً من هذه المسألة وغيرها الكثير من الإعتبارات ينتشر التضامن مع ما يحدث من عدوان على قطاع غزّة ليشمل مختلف الميادين والساحات بحيث لا يقتصر فقط على تغطيات وسائل الإعلام أو المنصّات الداعمة للشعب الفلسطيني من عرب أو مسلمين بل يمتد هذا التضامن بشكل واسع وصولاً إلى الأصوات الفنيّة.

 نشطت الساحة الفنية بالتضامن مع أهل غزة منذ اليوم الأول من العدوان وقد أعرب العديد من النجوم العرب عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، من خلال تصريحات ورسائل مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا زال المزيد من الفنانين يعلنون عن دعمهم للشعب الفلسطيني وتضامنهم مع غزّة.

فقد طالب الفنان محمد هنيدي جمهوره بمواصلة نشر حقيقة ما يحدث في فلسطين واعتداءات الجيش الإسرائيلي الهمجية، حتى لا تُترك الساحة للإعلام الغربي والإسرائيلي لنشر الأكاذيب، كما ردّ على المقلّلين من شأن مَن ينشرون تضامنهم مع الشعب الفلسطيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

بصفتها سفيرة للنوايا الحسنة بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تفاعلت الممثلة المصرية منى زكي بفيديو على إنستغرام، وقالت "نتابع الأحداث المأساوية في غزة بمنتهى القهر والظلم، ولا يمكن تخيل حجم الوضع الصحي والنفسي والجسدي الذي يمر به أطفال فلسطين، وأبسط ما يمكن تقديمه هو التبرع لإنقاذهم".

وعبر حسابه على منصة “إكس” قال الممثل أحمد حلمي “أطفال بالمئات قتلوا وأصيبوا بحروق وجروح وفقدوا أطرافا، أمهات وآباء مكلومون وأطفال مات أهلهم أمامهم، وهدمت منازلهم، لا يوجد أمان ولا غذاء ولا مياه ولا أدوية ولا وقود ولا كهرباء” وتابع بأن لهم حق في الحياة ولابد من مساعدتهم، وختم منشوره بالدعوة للتبرع لأطفال غزة.

وقد دعا الفنان ومغني الراب المصري محمد رمضان في فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تدخل الدول العربية لحماية شعوبها من آلة الحرب الإسرائيلية، في ما تصدّر اسم الفنان المصري محمد سلام منصات التواصل الاجتماعي، بعد نشره مقطع فيديو -عبر حسابه الشخصي على إنستغرام- اعتذر فيه عن  المشاركة في مسرحية "زواج اصطناعي"، المُقرر عرضها في "موسم الرياض" يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومن جانبه تخلّى الفنان التونسي لطفي بوشناق عن لقب سفير النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة احتجاجاً على ما وصفه بالصمت الرهيب لما يحدث في فلسطين وانتهاكات حقوق الإنسان، وعبّر مدوناً على حسابه في موقع فيسبوك "أستقيل من منصب سفير النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، احتجاجاً على صمتها الرهيب تجاه ما يجري في فلسطين، من حروب وصراعات، وانتهاكات لحقوق الإنسان. لقد خابت آمالي في الأمم المتحدة، التي لم تفعل شيئاً لوقف هذه الفظائع".

كما شهدت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجمعًا فنيًا مميزًا حيث انضم 25 مغنيًا وموسيقيًا لإطلاق أغنية وطنية تحمل عنوان "راجعين"، تعتبر نداءً عالميًا من أجل العدالة والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

إلى ذلك أحيت أغنية "تحيا فلسطين" والتي تُشكّل واحدة من أهم الأعمال التي قدمها الشاعر الفلسطيني جورج توتاري والتي أُصدرت ضمن ألبوم بعنوان "أرض وطني" في عام 1978، مشاعر الأمل والتضامن لدى الكثيرين في المسيرات الحاشدة في شوارع لندن، وستوكهولم، ونيويورك، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، علماً أنّ الأغنية تحمل رسالة قوية في الدعوة إلى دعم حقوق الفلسطينيين والتضامن معهم. كلماتها تعبير عن رابطة الشعب الفلسطيني بأرضه وحقه فيها.

لم يقتصر التضامن على الفنانين في العالم العربي، إذ ارتفعت أصوات فنيّة غربية للتضامن مع أهل غزة على الرغم من الدعاية الصهيونية المدعومة من كبرى وسائل الإعلام الغربية والتي سعت لنقل السردية الإسرائيلية وتظهير المقاومة الفلسطينية بالإرهابية. وقد تعرّض العديد من المشاهير الأجانب لانتقادات بسبب مواقفهم، واتهموا بمعاداة السامية.

ومن بين هؤلاء انضمت النجمة البريطانية إيما تومسون إلى عدد من الممثلين البريطانيين الآخرين لمقاطعة مهرجان مسرحي إسرائيلي، واتهموا المهرجان بالارتباط بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وكان الممثل الأمريكي داني جلوفر وقّع على إعلان يدين إسرائيل باعتبارها «نظام فصل عنصري»، ورفض عمل صانعي الأفلام في تل أبيب الذين ظهروا في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي ووصفه بأنه "دعاية إسرائيلية".

الممثلة الأمريكية العالمية أنجلينا جولي بدوها قالت لقد «ظلت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ نحو عقدين من الزمن، والآن تتحول بسرعة إلى مقبرة جماعية. 40 ٪ من القتلى أطفال أبرياء. عائلات بكاملها تقتل»، وفق ما ذكرته على حسابها في منصة "إنستغرام" خلال وقت سابق. واستدلت بقصف مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، وتحدثت عن "القصف المتعمد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرون إليه"، مؤكدة أن "ملايين المدنيين الفلسطينيين يتعرضون للعقاب الجماعي".

كما بعث العشرات من المشاهير في هوليود رسالة إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن يحثونه فيها على الضغط من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإسرائيل، وجاء في الرسالة التي نشرها موقع (أرتيستس فور سيزفاير دوت أورغ): "نحث إدارتكم، وجميع قادة العالم، على احترام جميع الأرواح في الأراضي المقدسة والدعوة إلى وقف إطلاق النار وتسهيله دون تأخير، وإنهاء قصف غزة، والإفراج الآمن عن الرهائن"، وأشاروا إلى أنه يجب السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى سكان غزة.

واختتم المشاهير رسالتهم بأنهم "نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا وأننا وقفنا مكتوفي الأيدي ولم نفعل شيئا، وكما قال منسق الإغاثة في حالات الطوارئ لدى الأمم المتحدة مارتن غريفيث "التاريخ يراقب".

وبعد مشاركتها في مظاهرة حاشدة بالعاصمة الأمريكية واشنطن للتضامن مع قطاع غزة، عبّرت نجمة هوليوود، الممثلة الأمريكية الشهيرة سوزان ساراندون، عن دعمها للشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وعلقت ساراندون الحائزة على جائزة الأوسكار عام 1995، والمترشحة لها في خمس مناسبات سابقة، بأنه ليس من الضروري أن تكون فلسطينيا حتى تهتم لما يجري من مذابح في قطاع غزة. وأضافت في صفحتها عبر منصة إكس: "أنا أقف مع فلسطين. لا أحد حرّا حتى يتحرر الجميع".

وحول أهمية هذا التضمان بالنسبة للأحداث وما تتعرض له غزة من عدوان تقول الصحفية والناشطة سامية عايش لألترا صوت "إن هذا التضامن ساهم بالتأكيد في لفت الأنظار بشكل أكبر إلى ما يجري في فلسطين، ولكن أعتقد أن له تأثيرا معنويا على جماهير هؤلاء الفنانين والرياضيين العرب أكثر من الجمهور الأجنبي، لما فيه من تلبية لتطلعاتهم وآمالهم التي فشل السياسيون في إظهارها".

وأكملت سامية عايش: "نحن بحاجة إلى هذه التراكمية والجماعية في التعبير عن التضامن ونشر السردية الفلسطينية خصوصا في المجتمعات الغربية، والشخصيات العامة بما فيها من فنانين ورياضيين يجب أن يكون لها بالتأكيد دور في ذلك. هي ساهمت بالتأكيد، ولكنهم أيضا لم يسلموا من الاتهامات من الطرف الآخر بمعاداة السامية والتحيز وإنكار ما حدث يوم السابع من أكتوبر. لعل الأهم في مواقف الفنانين بالتحديد هو أنهم المنادون في أفلامهم وأعمالهم بالإنسانية ووقف الظلم ومراعاة حق الجميع في الحياة والتعبير عن الرأي وغيره، وبالتالي يرغب الجمهور دائما بأن يرى هذه المواقف السينمائية تصبح حقيقة وليس فقط كلام أفلام."

الأكيد أن الفن بأشكاله المختلفة لعب دوراً أساسياً في نقل وترسيخ وقائع مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ورسخّت عملية تداعيات طوفان الأقصى هذا الواقع أكثر وأكثر من خلال المواقف والأعمال المتنوعة. وفي هذا السياق يقول الكاتب والصحفي عطا الله السليم لموقع ألترا صوت: "عندما بدأت معركة طوفان الاقصى، انتشرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر حنظلة راكباً مظلة شراعية. نادر أسمر، الفنان الذي رسم هذه الصورة، يبدو واضحاً أنه استلهما من الحدث بذاته اذ دمج شخصية حنظلة (التي تعود إلى أواخر الستينيات) مع الحدث الراهن (٢٠٢٣). وهذا ما يؤكد ثبوت شخصية حنظلة في الخيال الجماعي للشعوب العربية والعالمية.

يكمل عطا الله السليم: "حنظلة هو فكرة راسخة في العقل العربي استطاع الفنّان والمناضل ناجي العلي، من ابقائها حيةً، على الرغم من استشهاد الاخير عام ١٩٨٧. في الحقيقة، لقد تعرفت أجيال بكاملها على القضية الفلسطينية، من خلال حنظلة، فرسومات ناجي العلي، بكل معانيها السياسية الشاملة، عبرت القارات. هنا الفن يلعب دوراً موازياً للمقاومة العسكرية، لا يقلّ أهميةً عنه، لأنه فن مقاوم وملتزم بالدرجة الاولى. وعلى الرغم من أن رسومات ناجي العلي "حنظلة" كانت تُنشر في صحف عربية، الا أنه وبعد استشهاد العلي، نظمت العديد من المعارض في الدول الغربية، تعرض كاريكاتير حنظلة. برأيي، هذه الانشطة ساهمت في تعريف العامة على القضية الفلسطينية، بكافة مراحلها، بدءاً من النكبة وصولاً إلى زمننا الحالي".

ويتابع السليم بالقول إن "هذا الشكل من الفن شكّل سردية مضادة للسردية الاسرائيلية التي طغت على وسائل الاعلام التقليدية في العالم الغربي، فأظهرت الفلسطيني من منظار مختلف عمّا تبثه وسائل الاعلام التقليدية في الغرب عموماً، اذ أن معظم وسائل الاعلام هذه، متأثرة بالسردية الاسرائيلية. وهي سردية للأسف مستمرة منذ النكبة وصولاً إلى معركة " طوفان الأقصى"، على أمل أن يساهم هذا النوع من الفن، أو غيره من الفنون، في تشكيل رأي عام مؤيد لحقوق الفلسطينيين والعرب".

في الخلاصة، تُشكّل القضية الفلسطينية الحالة الإستعمارية الوحيدة في العالم، مما يعكس التضامن الواسع معها وفي مختلف الميادين، في الوقت الذي سعت فيه الدعاية الصهيونية في الهيمنة وإختراق كل الساحات الفنية لغرس سرديتهم في العقول، ولمنع صعود أصوات مؤثّرة في هذا الإطار، إلاّ التفاعلات الأخيرة يضيف إخفاقاً جديداً للإحتلال الإسرائيلي إلى جانب إخفاقاته الميدانية. يبدو أن الإحتلال لم ينجح سوى في مسألة واحدة، هي الوحشية.