06-نوفمبر-2023
تيك توك

يحظى "تيك توك" بشعبية خاصة في البلدان التي يميل سكانها إلى تأييد فلسطين (Getty)

جرى القول عادةً إنه: "عندما تندلع الحرب، يعود الناس إلى التلفزيون التقليدي"، ولا يزال هذا صحيحًا إلى حدٍ ما حتى اليوم، إذ ما زال البث المباشر لقنوات مثل "التلفزيون العربي" و"الجزيرة" هو المصدر الأول لمعرفة ما يجري في غزة. إلا أن السنوات الأخيرة، والحرب في أوكرانيا خير مثال، فرضت تعديلًا على القول السابق ليصبح: "عندما تندلع الحرب، يعود الناس إلى التلفزيون التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي".

لعبت وسائل التواصل دورًا جوهريًا في الحرب الأوكرانية لدى كافة الأطراف لناحية نشر المعلومات والتحديثات وكذلك المساهمة في تحديد مواقع الأرتال العسكرية، حتى نالت الحرب لقب "حرب تيك توك الأولى". وبالمثل، ومع إطلاق الجيش الإسرائيلي حربه الشاملة على قطاع غزة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، وخصوصًا في ظل الإخفاق غير المسبوق الذي شهدته وسائل الإعلام العالمية السائدة، لجأ الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

لا يزال تطبيق "تيك توك" المنصة الأكثر مرونة في التعامل مع المحتوى الداعم لفلسطين وانتشاره مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى

لكن الأخيرة، وخصوصًا المملوكة لـ"ميتا" (فيسبوك وإنستغرام) قدّمت صفعة جديدة تلت صفعة الإعلام السائد، وراحت تحظر وتقيّد وتحذف كل من يكتب وينشر عن فلسطين، إلى أن وصل الحد بها أن توسم حسابات إنستغرام الداعمة لفلسطين بـ"الإرهابي"، قبل أن تعتذر عن ذلك.

في خضم كل ذلك، أعادت الحرب الجارية على غزة تطبيق "تيك توك" مرة أخرى إلى قلب الجدل السياسي، إذ عادت الأصوات الداعية لحظره في أروقة السياسة الأميركية تتعالى بحجة أن التطبيق يرفع من شعبية مقاطع الفيديو المؤيدة للفلسطينيين.

بدأت القصة عندما نشر جيف موريس جونيور، المدير التنفيذي السابق في تطبيق المواعدة "تيندر"، سلسلة تغريدات منذ أيام على شبكة "إكس" (تويتر سابقًا) مرفقة بلقطات شاشة قال إنها تُظهر بوضوح أن: "إسرائيل تخسر حرب المعلومات على تيك توك"، إذ إنّ مقاطع الفيديو التي تحتوي على وسم "#standwithpalestine" حصدت 2.9 مليار مشاهدة، في حين حصلت مقاطع الفيديو الموسومة بـ"#standwithisrael" على نحو 200 مليون مشاهدة فقط.

وأعاد السيناتور الأميركي ماركو روبيو (الجمهوري من فلوريدا)، الذي لطالما كان من أبرز منتقدي "تيك توك" لسنوات، مشاركة تلك البيانات قائلًا إن هذا التأكيد يقدم دليلًا إضافيًا على أن التطبيق، المملوك لشركة التكنولوجيا الصينية "بايت دانس"، هو محرك دعاية سري مصمم للتلاعب بالمراهقين الأميركيين لتحقيق أهداف جيوسياسية صينية. وفي هذه الحالة، قال روبيو: "للتقليل من وقع إرهاب حماس".

ورغم أن "تيك توك" ما زال حتى الآن المنصة الأكثر مرونة في التعامل مع المحتوى الداعم لفلسطين وانتشاره مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، إلا أن ادعاء موريس انطوى على إثارة أكثر من الدقة، إذ استند إلى بيانات تغطي السنوات الثلاث الماضية، بينما تظهر البيانات الأكثر دقة، من الثلاثين يومًا الماضية، أن مقاطع الفيديو الموسومة بـ “#standwithisrael” تمت مشاهدتها 46 مليون مرة في الولايات المتحدة، مقارنة بـ29 مليون مشاهدة لـ"#standwithpalestine ".

كما أن اعتماد هذين الوسمين دونًا عن غيرهما لا يحكي القصة كاملة، إذ تظهر بيانات "تيك توك" أن هناك وسمًا آخر مؤيدًا للفلسطينيين، "#freepalestine"، كان انتشاره أوسع من كلا الوسمين السابقين مع 770 مليون مشاهدة على مدار الثلاثين يومًا الماضية في الولايات المتحدة فقط.

إلى ذلك، كتبت مجموعة من منشئي المحتوى والمشاهير اليهود على "تيك توك"، بما في ذلك الممثلة الكوميدية إيمي شومر والممثلين مايكل رابابورت وديبرا ميسينج، يوم الأربعاء الفائت، رسالة مفتوحة إلى المنصة بعنوان "العزيز تيكتوك"، قالوا فيها إن التطبيق: "يُقصّر بشكلٍ مؤسف في حماية سلامة منشئي المحتوى والمجتمع اليهودي عليه. وذلك من خلال عدم مراقبة وتوجيه الخطاب العام لضمان ألا تصبح المنصة بالوعة دائمة لمعاداة السامية العشوائية والعدوانية".

وزعمت الرسالة أيضًا أن "منشورات المنشئين اليهود البارزين حول إسرائيل" شهدت وصولًا لا يتجاوز الـ1 في المئة من الحسابات التي تتابع المُنشئ، دون أن يقدم مُرسلوها بياناتٍ حقيقيةٍ لدعم هذا الادعاء.

لقد أدت الحرب الجارية على غزة إلى طوفان من المعلومات الكاذبة والمضللة على منصات التواصل الاجتماعي من جميع أطراف النزاع

ردت إدارة "تيك توك" على تلك المزاعم الخميس الفائت، وانتقدت: "التحليل غير السليم لبيانات الوسوم على المنصة"، في إشارة إلى تحليل موريس أعلاه. وقالت الشركة في بيانٍ على موقعها على الإنترنت: "إن الأيديولوجيات البغيضة، مثل معاداة السامية، غير مسموح بها ولم يُسمح بها أبدًا على منصتنا". وأضافت الشركة أنها أزالت الملايين من المقاطع المتعلقة بخطاب الكراهية والسلوك البغيض والمضايقة والتنمر.

تعرضت العديد من شبكات التواصل الاجتماعي لانتقادات بسبب نشرها معلومات مضللة وخطاب كراهية خلال الحرب بين "إسرائيل" وحماس. تتمتع "TikTok" بتدقيق إضافي لكونه مملوك لشركة "ByteDance" الصينية. وفي حين قدمت بكين نفسها كوسيط محايد في النزاع، فإن موجة من معاداة السامية والمشاعر المعادية لإسرائيل تنتشر عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الحكومية الصينية.

لماذا ينتشر المحتوى الداعم لفلسطين على "تيك توك"؟

بين مزاعم موريس والجمهوريين ومنشئي المحتوى اليهود من جهة، وردّ الشركة من جهة أخرى، يلاحظ المستخدم راحةً أكبر لدى مستخدمي تيك توك في تعبيرهم بصراحة عن دعمهم للقضية الفلسطينية، إذ يمكن العثور كل أنواع المحتوى في هذا الصدد بدءًا من التفسيرات التاريخية – بعضها مشوّه والآخر غير دقيق – إلى لقطات من الأرض في غزة، وأحيانًا ادعاءات ومعلومات عامة بشأن الحرب.

وهناك عدة عوامل تفسّر شعبية المشاعر المؤيدة لفلسطين والمعادية لـ"إسرائيل" على تطبيق "تيك توك".

أبرز الأسباب هو أن التركيبة الديمغرافية والعمرية لمستخدمي التطبيق تتوافق مع أولئك الذين من المرجح أن يدعموا فلسطين. إذ يحظى تطبيق "تيك توك" بشعبية خاصة بين الشباب، وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الأجيال الشابة، على الأقل في الولايات المتحدة، أكثر ميلًا من الأميركيين الأكبر سنًا إلى التعاطف مع فلسطين وانتقاد إسرائيل خلال الصراع الأخير.

وجد استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو للأبحاث" في عام 2014، قبل أربع سنوات من إطلاق تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة، أن الشباب الأميركيين كانوا أكثر ميلًا إلى إلقاء اللوم على "إسرائيل" من حماس في العنف الذي دمر قطاع غزة، ووجد استطلاع آخر أجراه "مركز بيو" العام الماضي وشمل 10 آلاف من البالغين الأميركيين، انقسامًا مماثلًا حيث ينظر الأميركيون تحت سن الثلاثين إلى الشعب الفلسطيني بشكلً أكثر إيجابية، والحكومة الإسرائيلية بشكل أقل تفضيلًا، من جميع الفئات العمرية الأخرى.

كما يتجه الجيل زد بشكل متزايد إلى تيك توك للحصول على الأخبار، حسبما وجدت دراسة أجراها معهد رويترز لدراسة الصحافة هذا العام. ويحظى "تيك توك" أيضًا بشعبية خاصة في العديد من البلدان التي يميل سكانها إلى تأييد فلسطين أكثر من الولايات المتحدة، بما في ذلك إندونيسيا وتركيا والإمارات وماليزيا وباكستان.

كما إن خوارزمية "تيك توك" القائمة على المشاركة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، من المحتمل أن تغذي الاستقطاب. إذ تعتمد مقاطع الفيديو المقترحة في التطبيق على سلوك المستخدم بشكلٍ أساسي، لذا فإن إظهار الاهتمام بفيديو واحد متعلق بفلسطين يمكن أن يؤدي إلى تدفق هذا المحتوى على صفحة "من أجلك" (For You)، الأمر الذي يخلق كرة ثلجٍ لا تنتهي. مع بضعة مشاهدات لهذا النوع المحتوى، يبدو كما لو أن كل المحتوى الموجود على المنصة يأتي من هذا المنظور المحدد. وبخلاف ما يحصل من حذف وتقييد على منصات "ميتا"، ذلك يمكن أن يدفع المزيد من المنشئين إلى إبداء رأيهم في الصراع.

يحظى تطبيق "تيك توك" بشعبية خاصة في العديد من البلدان التي يميل سكانها إلى تأييد فلسطين أكثر من الولايات المتحدة

إضافة إلى ذلك، تلجأ العديد الفئات الشابة إلى تطبيق "تيك توك" لأنهم يشعرون بخيبة أمل من المنافذ الإخبارية التقليدية والأصداء العالمية لإخفاقها الحالي – وحتى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى – عندما يتعلق الأمر بالحرب على غزة.

يقول منشئو المحتوى ومتلقّي الأخبار على تيك توك لصحيفة واشنطن بوست إن التطبيق يوفر عدسة مستقلة وغير مفلترة بشأن القضايا المعقدة. بينما يقول أحد منشئي المحتوى المؤيد لفلسطين: "هذا هو بالضبط سبب رغبتهم في حظر التطبيق. تيك توك وسيلة فعالة لنشر المعلومات".

في النهاية، لقد أدت الحرب الجارية على غزة إلى طوفان من المعلومات الكاذبة والمضللة على منصات التواصل الاجتماعي من جميع أطراف النزاع، وإن كان "تيك توك" أقل انحيازًا فيما يتعلق بالمحتوى الداعم لفلسطين، إلا أنه ليس استثناءً.

وفي ظل وجود عشرات المواقع والمبادرات التي تحارب في نقل السردية الفلسطينية الحقيقية بشكلٍ منهجي ومستقل بعيدًا عن سطوة التمويل والخوارزميات، ربما تجدر إعادة توجيه الاهتمام نحوها، وربما بعض الدعم.