22-فبراير-2020

وسعت السعودية من دائرة بطشها في اليمن (Getty)

تغيرت المقاصد والأهداف وتحولت السياسة من "التحرير" كما كان زعم تحالف الرياض-أبوظبي، إلى السيطرة والاحتلال، فبعد خمس سنوات من الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، تحت مزاعم قطع المد الإيراني وإنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية، تبدو مطامع إدارتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، في أوضح صورها.

بعد خمس سنوات من الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، تحت مزاعم قطع المد الإيراني وإنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية، تبدو مطامع إدارتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، في أوضح صورها

فبعد أن تمكن الحراك الشعبي من إفشال التحركات السعودية خلال الأشهر الماضية في محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان شرقي اليمن، انتهجت الرياض سياسة العنف لبسط سيطرتها على منفذ شحن الذي يربط البلاد بعمان. وبعد أن تمكنت قبائل المهرة من صد الهجوم الأول للقوات السعودية مساء الإثنين السابع عشر من شباط/فبراير الجاري، عادت بعد ساعات معززة بمدرعات وأسلحة ثقيلة وبمساندة طيران الأباتشي التي قصفت مواقع رجال القبائل، مدعومة بتصريح من الرئيس عبدربه منصور هادي والسلطة المحلية المتمثلة بمحافظ المحافظة راجح باكريت، الذي يعتبره مراقبون أداة سعودية لتشريع وجودها في المحافظة.

اقرأ/ي أيضًا: يوميات الحرب.. غلاء المعيشة يثقل كاهل اليمنيين

تسيطر قوات الحكومة اليمنية على منفذ شحن الممر البري لليمن مع عمان، والذي يسافر عبره المئات من اليمنيين، لكنها تبدو سيطرة شكلية، بعد أن شدد التحالف حصاره على البلاد، وبات المتحكم بكل المنافذ البرية والبحرية والجوية. وعلى الرغم من أن جهاز التفتيش في المنفذ يخضع للقوات السعودية، ولا يدخل أي شيء إلى اليمن إلا بعد تفتيشه من قبلها، لكنها تصر أن تضيق الخناق على اليمنيين، وتجعل أراضيها المكان الوحيد الذي يمكنهم الدخول والخروج عبره.

مسلحون متمردون و"جماعة الجريمة المنظمة"

أطلقت السلطة المحلية بالمهرة وأيضًا ناطق التحالف تركي المالكي التهم على رجال القبائل الرافضين للوجود السعودي في محافظتهم، واصفينهم بأنهم مسلحون متمردون، كما أطلقوا عليهم لقب جماعة الجريمة المنظمة والتهريب، وهي اتهامات كانت بمثابة تبرير للهجوم والسيطرة على منفذ شحن. حيث تدعي السعودية أنها تقوم بمكافحة عمليات التهريب التي تصب في صالح الحوثيين، وهو ما تشكك به المعطيات على الأرض، حيث تسيطر قوات الحوثي على معابر أخرى يمكنها الاستفادة منها بشكل أسهل، كما أن الخطوة السعودية تأتي في سياق نزعة أوسع نحو السيطرة على الممرات الحدودية بريًا وبحريًا في البلاد.

"لم يكن تحرك القوة السعودية إلا في مهمة دورية معتادة للقيام بعملية التفتيش الروتيني اليومي على جهاز التفتيش الإلكتروني في المنفذ إلى جانب استقصاء طبيعة الوضع الأمني هناك، لكن رجال القبائل نصبوا لها كمينًا"؛ هكذا بررت السلطة المحلية هجوم السعودين على المنفذ. لكن الروايات التي يتداولها الناشطون المحليون وسكان المنطقة تشير إلى العكس. حيث بات من يرفض الاحتلال السعودي من قبائل المهرة يوصف بـ"الجماعات الخارجة عن النظام والقانون لإثارة الفوضى في المحافظة والإخلال بالأمن وإقلاق السكينة العامة"، حسب بيان السلطة المحلية. بل وصل الأمر إلى أن هددت أيضًا بالضرب بيد من حديد ضد رجال القبائل في حال استمر رفضهم للوجود السعودي.   

تحويل المنفذ إلى ثكنة عسكرية

على غرار ما تعرضت له المنافذ اليمنية الأخرى والمطارات والموانئ، والتي تحولت إلى ثكنات عسكرية وسجون سرية لدول التحالف، تسعى السعودية من خلال الإجراءات التي تفرضها في منفذ شحن لتقييد تحركات المواطنين وتحويل المنفذ إلى ثكنة عسكرية، بحسب بيان اللجنة المنظمة لما يعرف بـ"اعتصام أبناء المهرة السلمي". وأكد البيان أن ذلك لن يتم السماح به، داعيًا الأطراف المختلفة للوقوف في وجه ما وصفه بـ"الاحتلال" وطرده.

وأدانت منظمة سام للحقوق والحريات من جهتها اعتداء القوات السعودية على المعتصمين السلميين بالمحافظة، مؤكدة أن تواجد القوات السعودية بالمهرة غير شرعي. وفي بيان لها قالت إن ذلك يهدد حق المدنيين في التنقل الآمن، ويتعارض أيضًا مع حق المدنيين في التعبير عن آرائهم في الشأن العام من خلال التجمع السلمي.

خذلان الشرعية

 اتهم وكيل محافظة المهرة السابق الشيخ علي سالم الحريزي قيادات في حكومة هادي بـ"خذلان المعتصمين والوقوف إلى جانب الاحتلال السعودي ضد أبناء المهرة وضد السيادة الوطنية". ويأتي هذا الاتهام بعد توجيهات من الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن للقوات السعودية المحتلة وبعض التشكيلات العسكرية الموالية للسعودية بسحق أبناء المهرة المعتصمين سلميًا ضد انتهاكات القوات السعودية المحتلة في منفذ شحن، بحسب تصريحات الحريزي.

وجاءت أحداث منفذ شحن كنتيجة للسيطرة السعودية الكاملة على المنافذ البرية، كشحن ومنفذ صرفيت وميناء نشطون التي أصبحت كلها تحت الهيمنة السعودية. وأكد الحريزي أن الرياض مصممة على احتلال جميع الأراضي والمرافق الحيوية لمحافظة المهرة والتحكم بها.

تصعيد عسكري محتمل

يخيم قلق على حياة السكان المحليين في المحافظة الحدودية، حيث يتوقعون أن يكون هناك رد عسكري يوسع من التصعيد. و"بعد أن خذلتهم الشرعية وأباحت أراضيهم للجنود السعوديين، لن يقف رجال القبائل مكتوفي الأيدي، بل سيسعون إلى تحرير أراضيهم بالقوة"، حسب حديث نائب رئيس لجنة اعتصام المهرة، الشيخ عبود قمصيت. فالرياض تريد السيطرة على المحافظة ونهب ثرواتها مستخدمة القوة العسكرية، وهو ما يستدعي ردًا، كما يبين قمصيت لقناة الجزيرة.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

ويرى ناشطون أن الرياض تعزز من الفوضى في محافظة المهرة التي بقيت بعيدة عن الصراع مع الحوثيين وتخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، وهو الأمر الذي يتماهى مع التحركات الإماراتية في جزيرة سقطرى، ما يحول مساحات أخرى من اليمن إلى ساحات للصراع بين الحوثيين وحكومة هادي من جهة، والانتقالي والشرعية من جهة أخرى.

يخيم قلق على حياة السكان المحليين في محافظة المهرة الحدودية، حيث يتوقعون أن يكون هناك رد عسكري يوسع من التصعيد

وتأمل الرياض في أن تتمكن من مد خط أنبوب نفط عبر أراضي محافظة المهرة إلى ميناء ناشطون في بحر العرب، وتسعى لبسط سيطرتها بالقوة على المحافظة، فخلال الأشهر الماضية كثفت من وجودها العسكري وتتمركز قواتها بمطار الغيظة وعدة مواقع أخرى. وبين الفينة والأخرى، يتصاعد التوتر بين القوات السعودية التي تسيطر على المحافظة منذ أكثر من عام وبدعم من السلطة المحلية من جهة، وبين مكونات قبلية رافضة للتواجد العسكري السعودي في المحافظة من جهة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التصعيد يعود إلى اليمن.. ما هو دور الإمارات؟

من الموت إلى الموت.. شباب اليمن وتراجيديا الهجرة إلى الشمال