27-يناير-2020

يغامر الشباب اليمنيون بحياتهم للوصول إلى أماكن أكثر أمنًا (رويترز)

باتت الهجرة حلم معظم الشباب في اليمن، فيما يبدو هروبًا من الواقع التعيس الذي يعيشونه بشكل مستمر، وفرصة وحيدة، ليبتعدوا ولو لفترة عن روائح البارود والدماء، في ظل الحرب التي طغت على كل تفاصيلهم اليومية.

باتت الهجرة حلم معظم الشباب في اليمن، فيما يبدو هروبًا من الواقع التعيس الذي يعيشونه بشكل مستمر، وفرصة وحيدة، ليبتعدوا ولو لفترة عن روائح البارود والدماء

آلاف من الشباب اليمنيين اضطروا إلى  المغامرة بحياتهم في رحلة اللجوء إلى خارج البلاد بشكل عام وإلى دول أوروبية بشكل خاص، بسبب الحرب والأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمن منذ نحو خمس سنوات، في رحلة البحث عن الأمان المحفوفة بالمخاطر.

اقرأ/ي أيضًا: "طلبكم مرفوض".. هل انتهى ربيع اللاجئين في أوروبا؟

قاطعين السهول والوديان والبحار، يفقد الكثير منهم حياته قبل أن يصل إلى مبتغاه، فيما يبقى البعض محتجزًا لدى تجار البشر ولدى سلطات البلدان التي فشلوا في اجتياز حدودها، فيما يجد البعض الآخر الطرق مسدودة أمامهم، فيعودون رغمًا عنهم إلى ما هربوا منه، مضطرين لمواجهة المستقبل المجهول.

عبدالكريم العمراني، واحد من الشباب الذين يحلمون بالسفر إلى الخارج، فالبلاد باتت بالنسبة له "سجن كبير"، يطمح أن يدرس خارجًا، أو حتى أن يجد عملًا يعيل به نفسه وعائلته. يرى الشاب اليمني (25 عامًا) أن الأوضاع في البلاد تتجه نحو الأسوأ، مع مرور كل يوم من الحرب والصراع. لكنه يواجه مغامرة ليست أسهل، فحتى "الجواز لا يمكن الوصول إليه إلا بشق الأنفس، والتنقل من مدينة إلى أخرى، أشبه بالانتحار، في ظل المواجهات المستمرة، وانتشار النقاط الأمنية".

 رحلة اللجوء صعبة وخطيرة، ولعل آخرها ما تعرض له لاجئون يمنيون من سجن و تعذيب وإهانات وموت، كما حدث للبطل الأولمبي هلال الحاج الذي كان أحد ضحايا رحلة لجوء غامضة المصير الى أوروبا.

في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، توفي هلال الحاج  بطل الكونغ فو الأولمبي أثناء محاولته الهجرة سرًا على متن قارب صغير من المغرب إلى إسبانيا، بعد رحلة شاقة وطويلة من اليمن إلى مصر إلى الجزائر ثم إلى المغرب، بحثًا عن فرصة جديدة يمارس من خلالها هوايته ويحقق أحلامه وطموحه.

حقق الحاج ميداليات ذهبية في كل من بطولة غرب آسيا وبطولة الوطن العربي، كما شارك في 2017 في أذربيجان بدورة ألعاب التضامن الإسلامي، وحقق فيها ميدالية برونزية، بالإضافة إلى عدة بطولات محلية ودولية.

لا يختلف حال الصحفي الرياضي محمد الأهدل كثيرًا، فبعد أن اندلعت الحرب، قرر الاغتراب في السعودية باحثًا عن عمل يؤمن له المال ويحقق له أحلامه، لكنه اصطدم بقوانين وقيود تربط المغترب اليمني، وتسلبه راتبه تحت مسميات عدة، ناهيك عن منعه من العمل في عدة مجالات واقتصارها على السعوديين. كانت العودة بالنسبة للأهدل إلى اليمن، هي الوجه الآخر للموت، فقرر الهجرة نحو أرووبا، عابرًا عدة دول أفريقية شملت موريتانيا ومالي وصولًا إلى الجزائر، وتنقل بينها مجازفًا بحياته.

على متن قارب صغير غادر الأهدل مع عدد من المهاجرين العرب، مدينة وهران الجزائرية، في الثامن من شباط/فبراير الماضي. بعد دقائق من انطلاقهم، انقلب القارب ومن عليه في البحر. وفي حين تمكنت الشرطة الجزائرية من إنقاذ  12 مهاجرًا، فإن محمد مع مهاجرين آخرين، غرق في البحر، ولم يعثر على جثته إلا بعد نحو عشرة أيام.

يمثل محمد الأهدل وهلال الحاج، نموذجًا لمصير المئات من اللاجئيين اليمنيين، الذين غرقت أحلامهم في مستنقع الحرب في اليمن، وفي البحرين المتوسط والأحمر وعلى الحدود اليمنية السعودية.

أسباب كثيرة تدفع  الشباب اليمنيين الي تلك المغامرة، منها البحث عن عمل وعن حياة كريمة بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة والفقر، وانعدام الإدارات الخدمية وانهيار الدولة، وتصاعد وتيرة الحرب في مختلف مناطق البلاد، وغياب العدالة الاجتماعية والقانون، كما تقول الناشطة الاجتماعية وديعة عبدالرقيب القباطي.

تبين عبدالرقيب، رئيسة منظمة تحديث للتنمية، في حديث لـ" ألترا صوت"، أن الصراعات العسكرية جعلت الشباب يهجرون الوطن ويفكرون بالهجرة، دون التفكير بالمخاطر التي سوف يتعرضون لها في منتصف الطريق، لأن لا خيارات كثيرة أمامهم، وهو ما انتهى في كثير من الأحوال إلى مشهد مأساوي.

اقرأ/ي أيضًا: البكاء الأثيم بين اليمن وسوريا

تؤكد الناشطة اليمنية، أن الدولة هي المسؤولة عما يتعرض له الشباب اليمنيين من مخاطر، "فلو وجد هولاء الشباب العدل والأمان وفرص العمل في بلدهم، لما فكروا بالبحث عنها في دول أخرى، ولما كان الوصول إليها محفوفًا بالمخاطر والذل والمهانه والموت".

في ظل الحصار وصعوبة الحصول حتى على جوزات سفر، وإغلاق السفارات أبوابها، تبقى الهجرة السرية هي خيار اليمنيين الوحيد

في ظل الحصار وصعوبة الحصول حتى على جوزات سفر، وإغلاق السفارات أبوابها، تبقى الهجرة السرية هي خيار اليمنيين الوحيد، فحتى لو توفر لهم المال لطلب وثائق، أو حصلوا على على فرصة عمل أو منحة دراسية، تقف الكثير من المشكلات أمام سفرهم، منها إغلاق مطار صنعاء، وغياب المؤسسات الحكومية، ناهيك عن رفض الكثير من البلدان الأجنبية دخول اليمنيين إلى أراضيها أصلًا.