30-سبتمبر-2022

تصعيد مستمر في الضفة الغربية (Getty)

بعد عملية اغتيال نفذتها قوة من جيش الاحتلال في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، يوم الأربعاء، واستدفهت فيها 4 مقاومين فلسطينيين، أفادت مصادر إعلامية إسرائيلية بأن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيف كوخافي وافق على استخدام الطائرات المُسيّرة في عمليات الاغتيال، دون اقتصار استخدامها على توفير غطاء لقوات جيش الاحتلال أو توفير معلومات استخبارية، في تطور جديد على التصعيد الأخير الذي تشهده الضفة الغربية منذ آذار/ مارس من العام الحالي، مع تسارع خلال الأيام الأخيرة التي تترافق مع رأس السنة العبرية والأعياد اليهودية، وفي ظل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.

ينشر جيش الاحتلال 25 كتيبة من قواته في الضفة الغربية، ضمن ما يطلق عليه عملية "كاسر الأمواج"، بالإضافة إلى تعزيز شرطة الاحتلال ورفع حالة التأهب في مدينة القدس

وخلال تقييمه للوضع في الضفة الغربية، اجتمع كوخافي مع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال يهودا فوكس وقائد فرقة الضفة آفي بلوت، مشيرًا إلى أن عملية اقتحام مخيم جنين كانت صعبةً ومعقدةً، وهدفت إلى إخماد نار المقاومة الفلسطينية المشتعلة في الضفة. عقب هذا التصعيد، أعلن عن يوم غضب وإضراب في مدينة جنين، فيما سجلت 4 عمليات إطلاق تجاه المستوطنين وقوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية خلال يوم اليومين الماضيين. وفي ظل نقاشات المؤسسة الأمنية حول احتواء التصعيد، أصدر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) قرارًا يمنع المستوطنين من اقتحام قبر يوسف شرق مدينة نابلس حتى إشعار آخر، بحسب ما جاء في نشرة التلفزة الإسرائيلية الرسمية التي بثت مساء الخميس، كما تقرر تعزيز الحراسات الأمنية في محيط البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.

هذا وينشر جيش الاحتلال 25 كتيبة من قواته في الضفة الغربية، ضمن ما يطلق عليه عملية "كاسر الأمواج"، بالإضافة إلى تعزيز شرطة الاحتلال ورفع حالة التأهب في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى حتى الانتخابات الإسرائيلية القادمة في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

وكانت القناة الإسرائيلية "12" قد أفادت بأن المؤسسة الأمنية غير متحمسة لتوسيع نطاق العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، والسبب بحسب القناة أن "مثل هذا التوسع يتطلب وقف التدريب، وتجنيد الاحتياط، وهي أمور لها تداعيات تشغيلية من شأنها الإضرار بجاهزية وإعداد الجيش للتعامل مع الساحة الشمالية عند الحاجة". فيما يظهر أن كوخافي يعارض هذا الطرح ويميل إلى الذهاب نحو قمع المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية وتحديدًا في مدينتي نابلس وجنين، معتبرًا أن كل الخيارات مطروحة ومتاحة وأن جيش الاحتلال سوف يعمل بحسب الحاجة.

من جانبه، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف، يوم الخميس، إن لا أحد لديه مصلحة في إطلاق عملية واسعة، رغم ذلك أبقى الباب مفتوحًا لذلك، في حال استمرار التصعيد. فيما لا يبدي وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس حماسةً تجاه عملية عسكرية أوسع، مشيرًا إلى أن الوضع في شمال الضفة الغربية يمثل تحديًا لكن العمل مستمر مطالبًا بعدم "الوصول إلى حالة هيستيريا".

ويأتي هذا الحديث في ظل طرح إسرائيلي مستمر لعملية السور الواقي التي نفذها الجيش الإسرائيلي قبل عشرين عامًا بهدف إيقاف الانتفاضة الثانية، فيما تبدو مستبعدةً حتى اللحظة، لاختلاف الظروف الموضوعية ولقناعة إسرائيلية بإمكانية معالجة التصعيد دون التوجه إلى عملية عسكرية شاملة.

وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر في حركة حماس إرسالها رسائل وصفت بـ"شديدة اللهجة" إلى حكومة الاحتلال، حذرت خلالها من المساس بالمسجد الأقصى، من قِبل سلطات الاحتلال أو المستوطنين خلال الاحتفال بالأعياد اليهودية. وأضافت الصحيفة نقلًا عن قيادي في حركة حماس أن مفاد الرسالة جاء بأن صواريخ غزة جاهزة للرد على أي انتهاكات من شأنها "تدنيس الحرم القدسي". وأضاف أن رسائل الحركة تضمنت الرد على رسائل وصلت إلى الفصائل عبر الوسطاء في القاهرة، من حكومة الاحتلال، متعلقة بالربط بين الحفاظ على حالة الهدوء، واستمرار تقديم التسهيلات لقطاع غزة. تأتي هذه التصريحات عقب تهديد رئيس جهاز الشاباك رونين بار، قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار، محذرًا إياه من الاستمرار بما وصفه بالتحريض ومحاولة إشعال الضفة الغربية.

هذا وذكرت هيئة البث الإسرائيلي أن جيش الاحتلال حذر "السلطة الفلسطينية من التراخي في تنفيذ حملات اعتقالات المطلوبين لقوات الاحتلال في مدينة نابلس"، مهددًا بـ"اقتحام مدينة نابلس كل ليلة إذا ما امتنعت أجهزة أمن السلطة عن القيام بذلك". وأضافت هيئة البث أن قوات الاحتلال "تركز على العمليات في مدينة جنين، وتفسح المجال أمام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية للعمل في نابلس"، لكنها أشارت إلى أن "المؤسسة الأمنية ترصد نشاطًا إيجابيًا لقوات أمن السلطة الفلسطينية التي قامت مؤخرًا باعتقال مطلوبين في نابلس"، في إشارة إلى اعتقال مصعب اشتية وعميد طبيلة، ومحاولة اعتقال آخرين. فيما تحدثت نشرة هيئة البث الإسرائيلية عن نية جيش الاحتلال إفساح المجال للسلطة الفلسطينية من العمل في مدينة نابلس، مع ترك الإمكانية للتدخل في أي وقت وتنفيذ الاعتقالات، خاصةً مع تزايد عدد الشهداء من منتسبي الأجهزة الأمنية الذين يشاركون في عمليات إطلاق النار تجاه قوات الاحتلال، مما يكشف عن فقدان السلطة الفلسطينية لجزء من سيطرتها الجغرافية، بالإضافة إلى سيطرتها على عناصرها.

وأجرى مؤخرًا رئيس السلطة الفلسطينية مكالمةً هاتفيةً مع الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ ووزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، من أجل التهنئة برأس السنة العبرية، فيما تحدث مع الأخير عن الوضع الأمني في الضفة الغربية، وشدد غانتس خلال المكالمة على الحاجة إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية والحفاظ على وجودها في الميدان من أجل "كبح التصعيد الحالي".

وسياق التصعيد الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية، يمكن فهمه من تصريحات رئيس الشاباك رونين بار، الذي اعتبر أن ما يحصل في الضفة الغربية هو دائرة مغلقة يزداد فيها المنضمون إلى المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإن التقييم الإسرائيلي هو أنه مع عدم وجود تعامل كافٍ من قبل السلطة الفلسطينية، ينتج دخول إسرائيلي يومي لتنفيذ الاعتقالات في الضفة الغربية، مما يؤدي إلى زيادة في الاحتكاك وزيادة في الإصابات. وترى النخب الأمنية لدى الاحتلال أن الحل هو عودة السلطة الفلسطينية للعمل بشكلٍ ناجع في الضفة الغربية من منطلق أن هذا العمل هو لمصلحة إسرائيل والسلطة الفلسطينية في نفس الوقت.

وعلى الصعيد الدولي، عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها من الوضع الأمني المتدهور بالضفة الغربية المحتلة، وطالبت على لسان المتحدث باسمها نيد برايس خلال إحاطة صحفية "الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بفعل كل ما في وسعهما من أجل خفض التصعيد واستعادة الهدوء"، وأضاف أن "ذلك يصب في مصلحة الطرفين"، على حدّ قوله.

وأكدت الوزارة أن "الولايات المتحدة والشركاء مستعدون للمساعدة"، لكنها أردفت بأن ذلك "ليس بديلًا عن أن يعمل الفلسطينيون والإسرائيليون على استعادة الهدوء بأنفسهم"، داعيةً إلى التحقيق في استشهاد الطفل ريان سليمان الذي قتلته مطاردة قوات الاحتلال له يوم الخميس. وضمن السعي الأمريكي لخفض التصعيد، من المتوقع أن يلتقي وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ يوم غد السبت بوزير الخارجية أنتوني بلينكن مسؤولين في إدارة بايدن.

القلق الإسرائيلي يتمثل حاليًا في أن السياسة الإسرائيلية التي تقوم على الفصل بين المدن، بمعنى أن التصعيد في جنين لن ينعكس على مدن أخرى في الضفة الغربية، لم تظهر فاعليةً

ويبدو أن القلق الإسرائيلي يتمثل حاليًا في أن السياسة الإسرائيلية التي تقوم على الفصل بين المدن، بمعنى أن التصعيد في جنين لن ينعكس على مدن أخرى في الضفة الغربية، لم تظهر فاعليةً، فبعد اغتيالات يوم الأربعاء اندلعت مواجهات في معظم مدن الضفة الغربية بما فيها مدن جنوب الضفة الغربية التي كانت هادئة نسبيًا خلال الأشهر الستة الماضية، رغم الإدراك أن المواجهات حاليًا غير واسعة من ناحية المشاركة الجماهيرية. والخطر الذي يخشى منه الإسرائيليون يتمثل، بحسب معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية آفي يساخاروف، في أن العمليات الإسرائيلية تساهم في دخول المزيد من الفلسطينيين للمشاركة في العمل المقاوم.