06-سبتمبر-2018

كشف التفزيون العربي معلومات تفيد بتورط النظام المصري في مقتل ريجيني (Getty)

بالرغم من مرور 31 شهرًا على حادثة مقتل جوليو ريجيني، الباحث الإيطالي الذي عُذب وقتل في القاهرة، إلا أنها ما زالت حاضرة في الإعلام والنقاشات العامة، ولا تنقضي فترة وجيزة، حتى تُعاد للواجهة مرة أخرى.

عرض التلفزيون العربي يوم الإثنين الماضي، فيلمًا وثائقيًا استقصائيًا، بين فيه جوانب جديدة كانت ملتبسة حول مسار أحداث الأيام الأخيرة من حياة جوليو ريجيني

في هذا السياق، عرض التلفزيون العربي يوم الإثنين الماضي، فيلمًا وثائقيًا استقصائيًا، بين جوانب جديدة كانت ملتبسة حول مسار أحداث الأيام الأخيرة من حياة ريجيني، والفترة الحرجة من التحقيقات، وكذلك نتائج عمليات التشريح الشرعي.

يركز الوثائقي الذي يمتد لخمسين دقيقة من خلال والدي جوليو على جوانب من حياته الشخصية والإنسانية. كما يعرض شهادات لشخصيات إيطالية مهمة في القضية، كالسفير الإيطالي في القاهرة وطبيب التشريح الذي عمل على تشريح جثة الضحية فور وصولها إلى إيطاليا، بالإضافة للمحققين المعنيين بالملف.

ويعرض من الجانب المصري شهادة محمد عبدالله نقيب الباعة الجائلين، والتي يبدو أنه قدمها للجهات الأمنية المصرية، وكذلك يعرض مكالمة بشأن ريجيني بين عبدالله وممثل لإحدى الجهات الرسمية المصرية.

بدأت قصة جوليو ريجيني، طالب الدراسات العليا في جامعة كامبريدج، مع السلطات المصرية في عام 2012، عندما حضر إلى القاهرة وبقي فيها فترة من الزمن كباحث مع منظمة تابعة للأمم المتحدة. إلا أن موجة التحريض التي قادها تلفزيون النظام المصري ضد الأجانب في مصر واتهامهم بالجاسوسية، أجبرت ريجيني على ترك القاهرة والعودة إلى بلده.

اقرأ/ي أيضًا: إيطاليا تتهم السلطات المصرية ضمنيًا بالتورط في مقتل ريجيني

في أيلول/سبتمبر 2015 عاد ريجيني إلى القاهرة كباحث زائر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان ينوي البقاء في مصر حتى شهر آذار/مارس 2016، إلا أن اهتمامه بالوضع الاقتصادي المصري، وحضوره لعدد من الاجتماعات النقابية في أواخر عام 2015 جعله تحت أنظار النظام المصري، الذي أدى في النهاية لمقتله بحسب ما يؤكد الوثائقي.

عبر سلسلة من الأشخاص، بدأت بالدكتورة مها عبد الرحمن المشرفة على أبحاث جوليو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن ثم هدى كامل إحدى ناشطات المنظمات الحقوقية في مصر، التي عرفته بدورها على محمد عبدالله، نقيب الباعة الجائلين والمتحدث باسمهم، وصل ريجيني إلى الشارع المصري، الذي حاول عبر أبحاثه دراسة وضعه الاقتصادي، وحال بائعيه.

كان عبد الله مخبرًا لدى الشرطة المصرية، بالرغم من الدور الذي يلعبه أمام الناس بأنه معارض للحكومة ومطالب بحقوق زملائه الباعة. تصفه باولا والدة ريجيني بأنه "مجرم". عن طريق عبد الله قام ريجيني بعدة جولات ميدانية، من أجل التعرّف على الباعة الجائلين في منطقة عشوائية في القاهرة.

يقول عبدالله في إفادته التي نقلها الفيلم بالكامل: "ريجيني تعرف على بياعين كتير، سمع منهم حكاية السوق، وشاف بعنيه الأوضاع اللي بنشتغل فيها". في مرحلة لاحقة عرض ريجيني على عبد الله احتمال الحصول على قرض بقيمة 10 آلاف جنيه مصري، من أجل تمويل نشاطات الاتحاد النقابية، إلا أن الأخير حاول أن يغيّر اتجاه القرض ليصب في صالحه الشخصي، وعندما عبّر ريجيني عن عدم مقدرته على ذلك، حاول عبد الله أن يوقع بريجيني عن طريق تحديد أهداف سياسية للقرض، من أجل الوشاية به لدى الأجهزة الأمنية المصرية.

أوضح جوليو لعبدالله بأن الاقتراح مرفوض، وأنه لا يمكنه منحه هذا التمويل، ويبدو أن تعويل عبدالله على التمويل جعله يقطع العلاقة مع ريجيني بشيء من القسوة، حيث كتب الأخير في أطروحته: "عبدالله شخص دنيء".

يؤكد الوثائقي أن عبدالله سلم ريجيني للأمن المصري، عارضًا مجموعة من مقاطع الفيديو التي صورها دون علم ريجيني. في الفيديوهات يؤكد ريجيني أنه لا يملك السلطة في منح التمويل الذي يطلبه منه عبدالله، ويطلب منه التعامل معه على أنه أجنبي في مصر فقط، وهذا الأجنبي هو باحث ويعمل على مشروع أكاديمي ليس أكثر.

في مساء 24 من كانون الثاني/يناير 2016 اختفى ريجيني نهائيًا، في ذات الليلة بدأ بعض أصدقائه بالسؤال عنه، وبعد يومين، أخبرت السفارة المصرية أهل ريجيني بعدم حضوره اجتماع السفارة واختفائه. في الثلاثين من الشهر ذاته وصل والدا ريجيني إلى القاهرة. وفي 3 شباط/فبراير، فقد اجتمع مسؤولون إيطاليون مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وهو الاجتماع الثاني الذي جمع بينهما حول قضية ريجيني.

اتضح فيما بعد، أنه خلال التباحث مع السيسي وأثناء جريان الاجتماعات، كانت جثة "جوليو ريجيني" قد ألقيت على جانب إحدى طرق القاهرة.

يظهر الفيلم أن التحقيقات الأولية في روما وصلت لأمر حاسم، وهو تمكنها من استثناء احتمال تورط جوليو في عالم تجارة المخدرات، وهذا ما استبعد قتله على خلفية نزاعات شخصية مع أحدهم. وبالتوازي مع استبعاد الخلافات الشخصيّة، أكدت التحقيقات عدم وجود أي نوع من العلاقة تربط جوليو مع استخبارات أي بلد في العالم، وهذا يزيح احتمال الأسباب الأمنية الخارجية.

ما الذي نتج عن ساعات العمل الطويلة أمام طاولة التشريح؟

"في الأيام التي سبقت الوفاة كان هناك عدد من الإصابات في جسم جوليو". كما يؤكد طبيب التشريح في مستشفى "أمبيرتو"، بالإضافة إلى أن الوفاة كانت بطيئة وطويلة، وشملت فترة من التعذيب.

بينما يوضح السفير الإيطالي في مصر موريزيو ماساري أنه حال مشاهدته لجثة جوليو في معرض الجثث، اكتشف أنها كانت مليئة بالإصابات، من الوجه وصولًا إلى الذراعين، والكتفين والساقين، كما أن الظهر كان مكانًا لإصابات مروعة. ويشير أنه وفقًا للعلامات الموجودة، أظهرت الجثة بأن التعذيب قد تم على يد أشخاص يمكن اعتبارهم محترفين في هذا المجال.

في الأيام التي سبقت الوفاة كان هناك عدة إصابات بسبب التعذيب في جسم جوليو ريجيني

في الليلة التي أعلن فيها عن مقتل جوليو، قرأت أمه في صحيفة "ريبوبليكا" تقريرًا عن الحادثة، عرفت من خلاله أن ابنها تعرض للتعذيب. في اليوم التالي وأمام الجثة التي وضعت في كيس أبيض، طلبت الأم أن ترى قدميه على الأقل، لتتعرّف عليه من خلالهما، إذ إنه ورث أصابع قدميه منها ومن جده، إلا أن السفير رفض ذلك :"لا لا يا باولا، من الأفضل ألا تري ذلك".

يؤكد الأمن الإيطالي أن فترة التعذيب طويلة وقد تجاوزت الأسبوع، وهذا يعني أنه جرى بدون أي إزعاج خارجي، فيما يقول مسؤول التحقيق في حادثة مقتل ريجيني أن من قتل جوليو هو منظمة تديرها الحكومة جزئيًا أو بشكل كامل.

اقرأ/ي أيضًا: "جوليو ريجيني"..كيف ظهرت الحقيبة؟

بعد ذلك، أعلنت الشرطة المصرية عن قتل عصابة مكونة من خمسة أشخاص أثناء تبادل للنيران، يشتبه في أنها كانت مسؤولة عن قتل ريجيني، كما أنهم وجدوا بعض المتعلقات بريجيني في منزل أحدهم، إلا أن الأمن الإيطالي رفض ذلك، وأصر على عدم وجود دليل يؤكد على تورط هذه العصابة في مقتل ريجيني، كما ويشير المحقق المسؤول إلى استحالة احتفاظ مجرم بأدلة واضحة في منزله، كما يصفها بـ"التمثيلية".

ويضيف المحقق أن الغرض من نسج هذه القصة هو حتمًا التستر على المسؤولين عن اختطاف جوليو ومقتله، مؤكدًا أن الشرطة المصرية شاركت أو عرفت معلومات مهمة عن مقتله.

"من خلال معرفتي بجوليو أتخيل بأنه أدرك في مرحلة ما بأنه لن يغادر هذا المكان، ومع الخوف والبرد والإذلال، واثقة بأنهم بصقوا عليه حتى. لا شيء يشير إلى ذلك ولكنني واثقة بأنهم بصقوا عليه، لا بد أنهم قالوا: هل أنت ايطالي من (كامبريدج)؟ لمَ أتيت إلى هنا؟ تناوبوا على استهداف روحه وذكائه على ما أظن.. يبدو لي وكأن العنف الذي تعرض له جوليو ما زال خالدًا، ما زال مستمرًا إلى مالانهاية، كل العنف الذي عاناه جوليو مرة تلو الأخرى، أشعر وأن كل شر العالم أتى إليّ، وما زال مستمرًا" تختم باولا بحرقة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جوليو ريجيني.. قتلوه كما لو كان مصريًّا

الأصول العسكرية في قضية ريجيني