09-أبريل-2016

وقفة في روما (Getty)

الأصولية العسكرية التي تقع تحتها الدولة المصرية، ما زالت تحاول تصدير أخلاقيات تلك المؤسسة إلى الخارج، بعدما نجحت في فرضها في الداخل المصري. الدين يعد من الكليشيهات التي تستخدمها الأصولية العسكرية كأداة في تمرير البطش، واحدة من التبريرات التي ساقها أحد المحللين الاستراتيجيين العسكريين الدائمين على التلفزيون الرسمي هي ضرورة الانتصار للدولة المصرية لأسباب وطنية تتعلق بتماسك الدولة القومية، تحت شعار "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا".

الدين يعد من الكليشيهات التي تستخدمها الأصولية العسكرية كأداة في تمرير البطش

البؤس القومي يتجلى ببساطة بشعاره الأمني العسكري الأصولي من ناحية، وبشعاره الديني المعلب من جهة أخرى، بحيث لا يحتاج دفاعًا من الداخل عن سوء بينته المنطقية، ولا قبولًا من الخارج بخواء منتجه القومي الذي يقدمه خارج حدوده.

اقرأ/ي أيضًا: جوليو ريجيني.. قتلوه كما لو كان مصريًّا

العلاقة البطريركية بين السلطة الفاشية والشعب الفاشي المتقبل، بل والمتسامح مع سلطته، آخذة في التقلص وتتحول تدريجيًا إلى سلطة قمعية باطشة، بلا تمييز بين ما قد يضر مصالحها وسمعتها الدولية، كما هو الحال في قضية ريجيني، وبين ما قد يضر بقاءها على المدى الطويل في حال سماحها لبطشها ببلوغ حلفائها من الداخل من رجال الأعمال الذين طالهم سوء إدارتها وفسادها.

حتى الأسطورة التي تدعي وجود تنسيق ما بين الأجهزة الداخلية للهيكل الدولتي البائس، راحت أدراج الرياح، لأنه لو وجد أدنى تنسيق بين الأجهزة الأمنية كان سيتلافى فضيحة كتلك التي ظهرت، ليست فقط بسبب مقتل الطالب الإيطالي ريجيني، بل أيضًا في السبع سيناريوهات التي ادعت الأجهزة الأمنية وقوفها خلف مقتل الفتى.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الخيارات التي يملكها النظام في مآزق كهذه؟ وهل يمكن لأزمة من هذا النوع أن تُحل في الكواليس بين الطرفين الإيطالي والمصري؟
 
براجماتية الحلول السياسية قد تمنح الكواليس الفرصة لإنهاء القصة، لكن ظهور عوامل اجتماعية كوالدة ريجيني وخطابها للبرلمان، ودخول الصحف والمؤسسات الإيطالية المدنية على الخط يجعل من خيار الكواليس غير مرجحًا على عدة أصعدة.

النظام الشمولي في مصر لا يجيد فن التعامل مع مؤسسات مدنية نشيطة ورأي عام قوي، لأنه اعتاد أقرب الحلول لعقيدته العسكرية ألا وهي الحلول الأمنية، بينما يقف عاجزًا كطفل أمام الحوار والمناظرات، والحجاج المنطقي ولا يملك أدوات السيطرة على ساديته ووحشتيه واستهتاره بأرواح الناس.

اقرأ/ي أيضًا: خمسة أخطاء دمغت عهد السيسي

العناد أمام تقديم قرابين للعدالة لتجاوز الموقف يقربنا من سيناريو لوكيربي حين أزعجت المطالبة بمدبري حادث الطائرة الشهيرة السلطات الليبيبة، وأصرت على أن يتم محاكمة موظفيها بعيدًا عن الولايات المتحدة وبريطانيا. 

النظام المصري يلج في الوحل حتى أذنيه، ناهيك عن سمعته التي باتت معروفة في أوساط العقلاء في الداخل والخارج

الموقف هنا مختلف، المتورط في تعذيب ريجيني لا يمكن أن يكون فردًا تصرف بشكل عشوائي كما هي العادة، وهو واضع في نيته أن الدولة ستدفع لمحام عبقري للدفاع عنه، لأنه لو كان كذلك لتم تسليمه ككبش فداء ولأظهرت للرأي العام كيف أنها تغسل يدها من جرمه كحالة فردية، لكن يبدو أن المتورط جهة، أي جهة بأكملها كانت على علم ونية مسبقة بالتعذيب لاستنطاق الضحية، وإلا لماذا كان اختراع كل تلك السيناريوهات لإلصاقها بمدنيين أُثبت في النهاية أن لا علاقة لهم بالأمر.

الحل الوحيد هو العدالة، وهو الحل الذي تتجنبه الأجهزة الأمنية كالطاعون، من أصغر ضابط ممثل لها في قطاع بغيض كقطاع الأمن الوطني، إلى أكبر رأس قد يثبت تورطه في الأمر.

كل المؤشرات تشير إلى أن النظام يلج في الوحل حتى يكاد يصل إلى أذنيه، ناهيك عن سمعته التي باتت معروفة في أوساط العقلاء في الداخل والخارج، ولا فرار من قدره في محاكمة ما يُهتك فيها السر الأعظم الذي لم يعد سرًا! 

اقرأ/ي أيضًا:

انتحار السيسي

مصر.. من قتل الإيطالي "جوليو ريجيني"؟