23-أغسطس-2023
syria marriage

النساء اللواتي تعرضن للضرب والإهانة لم يجدن من يمسك أكفهن (الترا صوت)

شهور طويلة مرت دون أن أكتب كلمة واحدة، شهور طويلة وأنا أخاف الكلمات، معانيها، وقعها، وصداها، أخاف محاكم التواصل الاجتماعي، حكامها، وأحكامها، اختبأت خلف الصمت المطبق، والتعلم، وتصحيح الأغلاط، والرغبة في الابتعاد عن مرمى الكراهية، وسوء الفهم.

وفي اختبائي هذا كانت حياتي تسير في منحى آخر تمامًا، فعلى الضفة المقابلة للخوف كنت أجرب الطمأنينة، وتحت طيات الأذية كنت أجد الحب، والشهور الطويلة دون كتابة، كانت شهور سعيدة، أحببت رجلًا يحبني، يبادلني العاطفة، ولا يبعدني عنه كلما سنحت الفرصة لذلك. رجل واضح، محبّ، وداعم، وهذا أمر نادر بالنسبة لامرأة جربت أنواع عديدة من السمية في العلاقات. تكلل هذا الحب بزواج سهل، إذا فكرت فيه كمسألة رياضية جزمت أن ثمة خطأ فيه، إذ لا سهولة كهذه دون عثرات، وبالطبع لا أتحدث هنا عن سهولة الزواج في سوريا، فهذا أمر مستحيل، قلة قليلة من هم قادرون اليوم على تحمل تكاليف حفل زفاف كبير، وشراء بيت جديد، وأثاث، وما إلى هنالك من شروط تجعل الزواج أمرًا مستحيلًا، ونحن بالطبع لسنا من هذه القلة، ونتبع الأكثرية قلبًا، وأمة، كان حفل زفاف عائلي، تنطبق عليه كذبة "عملناها عالضيق". أتحدث عن سهولة قبول العائلتين، ومباركتهما.

الجمل اليومية التي تسمعها النساء على شكل مزاح تستند إلى تاريخ طويل من الإجحاف بحق المرأة، والنظر لها بدونية، ومعاملتها كتابع، تاريخ طويل من العنف الذي يسمح بإهانتهن

لم نعلن هذا الزواج على فيسبوك، ولكنه بالطبع ليس زواجًا سريًا، يعلم به الأصدقاء، والمعارف، وسابع الجيران.

وهكذا بذرت الشائعة، وأخرجت نبات القيل والقال عن سبب تواري عن الأنظار، خاصة وأني أعرف عن نفسي كامرأة نسوية، أكتب للنساء، وعنهن، أخطئ حينًا، وأصيب حينًا آخر.

ويبدو أن ارتباطي برجل يغيّر هذا التعريف حسبما فهمت من أولئك الذين اتهموني بأني لم أعد كذلك، وأن زوجي لا يحب ما أكتب، وأني أنصاع لرغباته، والحقيقة أن هذا الافتراض غلطة بما فيه من تحامل، فأنا لم أتوقف عن كوني نسوية بعد الزواج، بل ربما صرت أكثر يقينًا بأحقية ما أؤمن به، خاصة وأني دخلت مستوى جديد من اللعبة، مستوى تختلف فيه الجمل التي اعتدت سماعها عن كوني امرأة، لم يعد النقاش حول ضرورة زواجي قبل فوات الأوان، وشبح "العنوسة"، والبحث عن ابن الحلال الذي سيستر عليّ، صار النقاش حول ضرورة كوني امرأة مطيعة، تطبخ، وتمسح، وتهتم بنفسها.

خلال ثلاثين يوم زواج فقط سمعت دعابات لا تعد من دوائر عديدة عن زواج زوجي من أخرى إن لم أكوِ له ثيابه -على سبيل المثال- ونكات لا تحصى عن خيانته لي إن تركته وحيدًا لدقائق. تهديدات مبطنة ببطانة الضحك عن ضربه لي في حال أيقظته من النوم، أو هجره في حال لم أنجب أولادًا.

كما حاول البعض استباحة حياتنا الجنسية، والبحث تحت سريرنا عن حكاية. صار رحمي مرآة معراة، لم يهتم أحد ممن أطلق هذه الدعابات بمعرفة من أكون، ما الذي أفعله في حياتي، أو ما هي مسيرتي المهنية، اهتموا فقط بأني زوجة، كما لم يهتموا بمعرفة هذا الرجل الذي يصفونه بالعنف والجنون دون أن يدركوا، اهتموا فقط بأنه زوج، لم أضحك أبدًا، ودافعت عن نفسي في كل مرة، ردعتني عن الاستشاطة غضبًا غمزة من أمي أحيانًا، أو إيماءة، كما لم يضحك زوجي، حاول تغيير الحديث، وأمسك يدي في كل مرة كانت القهقهة على حساب مشاعري.

هذه الجمل بما فيها من ابتسامات صفراء ليست جملًا فردية، ولم توجه لي أنا بشكل شخصي دونًا عن كل النساء، فلا ثأر بيني وبين قائلها، ولا أعيش في عالم مختلف عن الذي تعيشون فيه، وإنما هي جمل تستند إلى تاريخ طويل من الإجحاف بحق المرأة، والنظر لها بدونية، معاملتها كتابع، وملكية، تاريخ طويل من العنف الذي يسمح بإهانة النساء، وضربهن، وخيانتهن، وهجرهن. تاريخ طويل من كسر قلوبهن، وأضلاعهن، وخواطرهن. تاريخ طويل من تكوين أسر مشوهة هرمية، فيها الحاكم والمحكوم.

وهذا ما رغبت في الإفصاح عنه، أنا لم أتغير، والزواج لا يتعارض مع نشاطي، ربما تعارض فقط مع رفضي السابق له، وإصراري على البقاء وحيدة، لكن هذه أمور تتبدل بتبدل الظروف، وأسامح نفسي عليها، أما ما لن أسامح نفسي عليه هو خيانة النساء، النساء اللواتي كن أقل حظًا مني، فبدلًا من أن يسمعن هذه الجمل كمزحة في سهرة، كانت هي حيواتهن، النساء اللواتي تعرضن للضرب والإهانة والانتهاك، اللواتي لم يجدن من يمسك أكفهن حين استبيحت أرحامهن، اللواتي لم يجدن طريقًا سوى الانصياع لرغبات أزواجهن، اللواتي توارين عن الأنظار رغمًا عنهن، اللواتي فقدن حرياتهن، وأرواحهن.

ليس الأمر شخصيًا أبدًا، فالعلاقات الزوجية، والعنف الأسري، والاستهانة بنا، وبسلامتنا الجسدية، والنفسية، ليست مشاكل خاصة، أو أسرار بيوت، أو مزحة عابرة، وإنما قضايا حقيقية مجتمعية، لا تُحل بتغيير الحديث، أو بحلول خاصة، وفردية، كل على حدة.

وفي معرض الحديث عن الاستهانة بنا، لقد تزوجت، هذا كل ما في الأمر، أما الافتراضات عن تبديلنا لمواقفنا مع كل مرحلة جديدة، وتغيير مبادئنا عند الحب، والكف عن المطالبة بحقوقنا بعد الزواج، كلها تصب في بؤرة واحدة: لم نؤخذ على محمل الجد قط، وهذا ما هو سياسي!