12-يناير-2023
بيلا حديد

بيلا حديد في عرض كوبرني

غيّرت دور الأزياء العالمية مزاجها في الخريف الماضي. وقفت العارضة بيلا حديد شبه عارية بينما بعض التقنيين يرشون عليها مادة بيضاء سائلة ستغطي جسدها على شكل فستان، وستخلعه فيما بعد كما تخلع أيّ امرأة عنها فستانها بعد سهرة ما.

لا شيء، لا شيء أبدًا يعكّر صفو الأنسجة التي تلاحمت على جسد حديد. لا عيوب تظهر فوق جلدها. لا سنتميترات زائدة ولا حتى مليمترات Hollow. فارغ ذلك الجسد من الدهون، من علامات الكسل العضوي والنفسي كذلك، عكسي تمامًا حين أقرّر كلّ يومٍ أن أستعيد نشاطي البدني وأعود للرّكض اليومي الذي كنت أمارسه وثم أتكاسل. بل وأنهار على كنبتي ومعي كوب من الشوكولا الساخنة، وقد قرّرت أخيرًا أن أستلذّ بها بعد سنوات من الخصام بيننا!

لا عيوب تظهر فوق جلد بيلا حديد. لا سنتميترات زائدة ولا حتى مليمترات Hollow. فارغ ذلك الجسد من الدهون، ومن علامات الكسل العضوي والنفسي كذلك

إنها أناقة الهروين، أو "Heroin Chic". فأهلًا وسهلا بكم في تسعينيات القرن الماضي.

صرّحت دور الأزياء العالمية عن تلك العودة، ومشت بيلا على "رانواي" دار الأزياء الفرنسية "Coperni" خلال أسبوع الموضة في باريس لربيع صيف 2023، تلبس لحمها المغطّى بسائل أبيض. ولم تتوان هوليوود عن اللحاق بما نصّته دور الأزياء العالمية من معايير جديدة. وإذ بسفيرة الجسد الممتلئ والـ"curvy" كيم كرداشيان تخسر في ظرف أسبوعين 16 باوند، أي ما يساوي 7 كيلوغرام. وحوالي 350 مليون متابع لكيم على إنستغرام يتابعون وزنها الصادم، ولعلّ إحداهن ستقف أمام المرآة وتقرص لحمها الزائد وتقرر أن تجوع في اليوم التالي، وما بعده، كي يليق بجسدها ذلك السروال ذو الخصر المنخفض، أو "low rise"، أو نصف التيشرت تلك "crop top"، أو الميني سكيرت إياها. مبروك للبيئة، مبروك للرأسمالية كذلك. سوف نستهلك عددًا أقلّ من الأقمشة، دون خسارات مالية، على حساب صحتنا العقليّة وحتى البدنيّة!

طبعًا سيحارب جيلي هذه العودة. كوابيس الأرقام في المقاسات وعلى الميزان ما زالت تلاحقنا! وجوهنا الصفراء التي تخرج من ألبومات صورنا القديمة تشبه فزاعات الحقول في مواسم الحصاد! كل ألواننا كانت خريفية مع هالات سوداء حول العيون كأنما غيم أسود كثيف كان على وشك أن يعصف بنا.. لكننا قاومنا.. هكذا ظننا! على مدى عقد ونيف قالت نساء كثيرات "كفى"!

تعلّمنا أن نعيش في أجسادنا، أن نحبّها بكلّ أحجامها، إلا بما يتعارض صحيًّا مع سلامتها. ثورتنا البيضاء تلك كانت انقلابًا حقيقيًا على نظرة أمي لي في محل الثياب وأنا أغير بين جينز وآخر، لأن تضاريس جسدي ما كانت لتنحسر في جسد "Kate Moss" الذي فُصِّل ذلك الجينز على مقاسه.

كنت طالبة في الجامعة حين بدأت العمل لدى محلات "gap"، وأذكر تمامًا فرحتي وقد أصدر المحلّ الشهير مجموعة "curvy". كان ذلك في العام 2005. صار بإمكاني حينها ارتداء جينز منسجم مع جسدي. مع جسد الكثيرات مثلي.

ماذا سيحصل لثورتنا إذًا؟ سنتهافت على حقن الأوزمبيك، تلك التي ننافس بها مرضى السكري. سنفعل لأن الصور تلاحقنا، في هواتفنا، على رفوف متاجرنا، في واجهات المحلات التجارية، على أجساد المانيكان التي لا جندر لها، ولا رؤوس حتى لمعظمها. في وصفات الطعام. في كل ما هو تجاري، وكل ما نعيشه أصلا تجاري! في الصيام المتقطع اليوم، وفي وجبات كثيرة لكن خفيفة غدًا. وفي منيو مكدونالدز الصحي. لن نأكل، نحن الإناث، لن نأكل لعلّنا بذلك نسدّ جوع قارات أخرى، ومع ذلك لن ينتهي الجوع، وستقف ابنتي أمام المرآة تمامًا كما كنت أفعل، كأنها لعنة دائرية لا خروج منها.

أما في السياسة فسنقف جميعًا مع مهسا أميني ومع الإيرانيات في أبسط حقوقهن. وكنا قبل ذلك نواسي السعوديات في كافة حقوقهن. مطلب الإيرانيات والسعوديات مشروع، نعم، لكنهن في بيوتهن، مع صديقاتهن، وخلال حفلاتهن، متحرّرات. لعلّها مسألة وقت وتغيير في النظام والقادة كي تستعيد المرأة الإيرانية وجارتها الأفغانية حلّة شعرها الحرّ، أما أنا وأنت وهي، في إيران وأفغانستان، وفي كل بقعة أرض تمشي عليها أنثى، فكيف نستعيد عافية عقولنا ومشاعرنا ومرآتنا غاضبة علينا؟