11-يناير-2021

غابرييل غارسيا ماركيز ومرسيدس

في نوبة حزنٍ ساحق يصعد غابرييل غارسيا ماركيز إلى غرفة في الطابق الثاني من البيت المُستأجر الذي يعيش فيه، وينخرط في بكاء مرير مدة ساعتين من الزمن. تقف زوجته مرسيدس عند رأسه، ومن نظرة واحدةٍ إلى زوجها تُدرك ما جرى، فتسأل بصيغة من يريد التيقن: لقد مات العقيد أليس كذلك؟

كيف يمكن لسيّدة عانت شظف العيش وذل الاستدانة أن تتفهم جنون الكاتب الذي صُودف أنّها تزوجته؟

أيّ غوص في ذات الشريك مكّنها من سبر أغواره؟ السيّدة مرسيدس كانت تعيل الأسرة بعد أن تفرّغَ الكاتب لروايته، وكان عليها إضافةً إلى تدبّر شؤون منزلها أن تشتري الورق لطباعة الرواية. كانت تفهمُ طقوسه في الكتابة، فتضعُ وردةً صفراء في قدح ماء كل صباح على طاولته التي يجلسُ إليها روائيًا.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة مرسيدس بارشا.. أرملة ماركيز وملهمته ذات الأصول المصرية

كيف قُيّضَ لسيّدة عانت شظف العيش وذل الاستدانة وأنياب الجوع أن تتفهم، مع ذلك، جنون الكاتب الذي صُودف أنّها تزوجته؟ إنّها حاسّة الكياسة والشغف لسيّدة آمنت بالكاتب الذي كان زوجها.

ارثر ميلر ومارلين مونرو

لم يحدث هذا الأمر مع الكاتب الأمريكي آرثر ميلر، فصاحب "موت بائع جوال" ضاق ذرعًا، بسطحية وتفاهة ولامبالاة زوجته الممثلة مارلين مونرو. كتب أشياء قاسية عنها وانتهى به الأمر أن هجرها، وهي السيّدة التي كان يتقاتل الرجال على نظرةٍ منها.

العيش مع العبقري في مكان واحد شيء ينطوي على خطورة، نعم، ثمة حاسة شديدة الخصوصية لا بد للمرأة من أن تتمتع بها، فهي تعيش مع عقل فعّال، يُحفّزه مزاج متقلّب، حتى ليبدو معه المرء مجنونًا، فليس كل النساء يقبلن فكرة أن يتكلّم أزواجهن بصوتٍ عال وهم جلوس بمفردهم في غرفة الكتابة! لكن زوجة الروائي الجزائري الطاهر وطار قد اعتادت ذلك.

الكاتب والشاعر والرسام لهما حقل واحد يمشون على أديمه هو الخيال، وهو حقلٌ لا يمشي فيه إلا القلّة، تمامًا مثل طريق الحق الذي وصفه العظيم البليغ علي بن أبي طالب.

الكاتب والشاعر والرسام لهما حقل واحد يمشون على أديمه هو الخيال، وهو حقلٌ لا يمشي فيه إلا القلّة

في خريف عمره، وبعد أن يأس تمامًا من أنَّ زوجته الكونتيسة صوفيا تولستايا ستكف عن إزعاجها له، مطالبة إياه بأخذ مليون روبل عُرضت عليه لقاء أعماله، بينما يريدُ أن يكتب في وصيته إنّها ملك "للشعب الروسي وللإنسانية". يترك تولستوي منزله هاربًا منها، كان قد عاش معها خمسًا وأربعين عامًا أنجبا فيها ثلاثة عشر من الأبناء، كان في داخله شيء من الشفقة عليها، بقية من حب، حين وقّع على الوصية، سأله أحد مريديه ما أنت الآن؟ فأجابه: "لست سوى متآمر".

اقرأ/ي أيضًا: يوميات تولستوي بالعربية.. عملاق الأدب الروسي بكامل تفاصيله

كان ذلك في نوبة شعور كبير بالذنب، لكنه مع ذلك لم يستطع البقاء معها. ليس كل النساء يصلحن زوجات لمبدعين، فهؤلاء مزاجيون نافذو الصبر يعشقون الإصغاء لأصواتهم الداخلية، لهم علاقات غريبة وحميمة مع الشجر والطير والأشباح، يعشقون الأطفال فعندهم "الطفولة هي العبقرية المُستعادة" كما يقول شارل بودلير. إنهم ذوات إشكالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 من أشهر مشاهد "مئة عام من العزلة"

مارلين مونرو.. طوبى للجمال الخالد