21-أكتوبر-2016

تعبّر تجربة الفنانة اللبنانية تانيا صالح، عن جيل لم ينطق كثيرًا. متلعثم ويسكنه غضب متآكل. ليست الحرب الأهلية وحدها، من سكنت هؤلاء، حتى باتوا أعجز عن توريث لغتهم، حقيقة واقعية. "تروما" نابتة في فجوات رؤوسهم، استطاعت تانيا، بفضل الموسيقى والكلام، أن تتحداها. فكانت صوت "الجيل الجديد"، الذي تفاقمت خيباته، بعد حرب دموية، قسمت البلد ونهبته.

انزلقت تانيا صالح عبر موقفها المدافع عن "البوط" العسكري وفي رأيها بأزمة اللاجئين في لبنان

لكن كل هذا لا يسعفها، على ما انزلقت إليه. تحولها المفاجىء إلى مدافعة شرسة عن "البوط" العسكري في لبنان، ومن ثم دخولها في سجال "فيسبوكي"، ضد اللاجئين السوريين، جعل قسطًا من جمهورها المحلي كما العربي، يعاتبها على ما نطقت به وسجلته من مواقف على الـ"سوشيل ميديا". خصوصًا الذي توجهت فيه إلى قائد الجيش، قائلة: "إلى قائد الجيش.. إيدنا بصباطك".

مواقف صالح، لا تمنع من تذكر مسيرتها التي بدأت مع زمن زياد الرحباني. حين كان لذاك الزمن حضوره القوي والرافض، قبل أن تقولبه الأيديولوجيا، وتستحوذ على مفاصله. لكنها بقيت، تتجدد في سباق مع الوقت وتراكم الخبرة الموسيقية التي جعلت منها إحدى الفنانات البارزات، في زمن "السقوط" الهائل للفن، وتسخيف قضاياه.

شاركت تانيا، في اهم عملين لزياد، "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" و"لولا فسحة الأمل" (1993 و1994)، تمثيلاً وغناءً. كانت إطلالة أولى، تبعتها مشاركة مع الكورس في ألبوم زياد لجوزيف صقر "بما إنو"، وألبوم فيروز "إلى عاصي".  

اقرأ/ي أيضًا: محمد دحة.. أن تحارب الإسمنت بقيثارة

تجربة لا يمكن إلا أن تكون غنية فعليًا. دفعتها بشوق إلى الإلمام والتعلم واكتساب أصول الغناء والموسيقى الشرقية والغربية على حد سواء. ثم حفزتها لتطلق ألبومًا خاصًا، لا عنوان له، في العام 2002، ثم البدء بالإطلال على جمهورها مع فرقة خاصة، على خشبة "بابل".

لا بد من الاعتراف بأن صالح، شكلت إضافة على الأغنية العربية. ولها خصوصيتها في المشهد "البديل" (ألتيرناتيف). كون الأغنية التي قدمتها، دمجت بين الإلتزام بقضية والفن التجريبي الذي يعتمد على المسرحة والغناء والأداء "اللايت"، والأغنية البسيطة والمنسجمة بسرعة مع الإيقاع من دون تكلف، وفيها تجانس.

تجربة تانيا صالح مع زياد الرحباني أضافت لها غنى وقدمتها للجمهور

وحظي جمهور مهرجان القاهرة الدولي للجاز، ليل الخميس 20 تشرين الأول/أكتوبر، بليلة مع صالح. بدأتها بأغنية "هي لا تحبك أنت" للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، لتتبعها بعد ذلك بأغان كان من بينها "يا سلوى ليش عم تبكي" و "راح الحب" و "أي شيء"، وسط تفاعل كبير من الحاضرين الذين رددوا معها كلمات معظم أغانيها. وانضم إليها بعد ذلك على مسرح الحرم اليوناني في الجامعة الأمريكية المغني وعازف العود ومؤسس فرقة "إسكندريلا" حازم شاهين، ليقدما معًا أغنيتي "مصر جميلة" للشاعر الراحل فؤاد حداد و "عيني في عينك" للشاعر أحمد حداد.

اقرأ/ي أيضًا: الجاز المصري.. إنهم جميعًّا يتنفسون ويغنون

عودة الفنانة اللبنانية إلى القاهرة، هي عودة حنين، كما تقول دومًا على مواقع التواصل. ولم تنقطع هذه العلاقة مع القاهرة، التي كانت لها ثقلها الفني في بيت صالح (مواليد 1969)، وضمن تربيتها العائلية العاشقة للفن وتجاربه في مصر. حيث نشأت على الأغنية العربية، وكانت لأول محاولة لها في الطفولة، حين أدت أغاني التراث الشعبي في مناسبات العائلة والأعياد. وهو ما كرس في أيام المدرسة وتبعه، ميل في الجامعة، إلى توظيف حب الموسيقى في الفن الغربي، فقدمت إلى "الروك"، وغنت مع فرق محلية إلى حين إنهاء دراستها في الجامعة اللبنانية الأمريكية (قسم الفنون الجميلة). ثم سافرت إلى فرنسا، وتابعت دراسة الفنون في جامعة السوربون، قبل أن تعود إلى بيروت لتعمل في أعمال زياد الرحباني، لكن في مثل هذه الأوقات القاهرة في القاهرة يثير التعامل الطبيعي لصالح وغيرها من الفنانيين وتدرج فعالياتهم في مصر وكأن كل شيء بخير العحج لمستويات تعيد النقاش إلى خيارات هؤلاء فيما يتعلق بالحذاء العسكري.

وبعد زواجها في العام 1997، من المنتج الفني فيليب طعمة، بدأت مرحلة جديدة. عملت معه على ألبوم، كتبت أغنياته بمجملها، وشاركت نصوصه مع عصام الحاج علي، وصدر في العام 2002. كان الألبوم محطة فاصلة، أبرزت فيه صالح طاقتها في توظيف الكلام الشعبي المكرر ضمن قوالب تهكمية ولها دلالات.

قدمت الفنانة أعمالها أيضًا في وصف العلاقات العاطفية، بتمايز. حيث فصلت هذه التعقيدات والاضطرابات القائمة بين الرجل والمرأة. وعملت بتعاون لافت مع شربل روحانا وقدمت أغنية "مرايتي يا مرايتي"، في فيلم نادين لبكي "سكر بنات".

اقرأ/ي أيضًا: 

"المهرجانات".. في مدونة الموسيقى المصرية

حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني