11-سبتمبر-2023
فيكتور بوت

يخوض بوت، البالغ من العمر 56 عامًا، الانتخابات الأحد القادم، كمرشح للجمعية الإقليمية في أوليانوفسك (Getty)

عاد تاجر السلاح الروسي فيكتور بوت، إلى الظهور على الساحة من جديد، لكن هذه المرة ليس من بوابة تجارة الأسلحة، اشتهر نتيجتها تحول العالم ولقب بـ"تاجر الموت" واعتقل في الولايات المتحدة، بل من باب السياسة.

تصف جريدة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، أن بوت لا يتمتع بموهبة كبيرة في التعامل مع السياسة، لكن شهرته في تجارة وتهريب السلاح قد تعوض ذلك في الانتخابات الإقليمية القادمة.

وتشير الصحيفة، إلى أن بوت عمل في بعض أخطر الأماكن بالعالم، وأصبح واحدًا من أكثر الرجال المطلوبين في العالم، وحصل على لقب "تاجر الموت"، ناهيك عن حكم  بالسجن لمدة 25 عامًا في الولايات المتحدة. ولكن الآن، وبعد تسعة أشهر من عودته إلى روسيا في إطار عملية تبادل للأسرى مع الولايات المتحدة، يعيد فيكتور بوت اكتشاف نفسه كسياسي محلي.

ويخوض بوت، البالغ من العمر 56 عامًا، الانتخابات الأحد القادم، كمرشح للجمعية الإقليمية في أوليانوفسك، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة، وتقع على بعد 450 ميلًا شرق موسكو، وهي مسقط رأس لينين.

تكشف "نيويورك تايمز"، أن بوت التقى مع بريغوجين في حزيران/يونيو الماضي في روسيا، قبل أيام قليلة من تمرد "فاغنر"، والذي شهد سيطرة  المجموعة على قاعدة عسكرية في جنوب روسيا، والزحف نحو موسكو

تقول "نيويورك تايمز": إن "ظهوره كسياسي في نظام استبدادي يحكم روسيا، حيث تعتبر الانتخابات في الأساس، إضافة قشرة من الشرعية لحكم الرئيس فلاديمير بوتين، يبين كيف يتوق الكرملين إلى وجوه جديدة للحفاظ على الدعم الشعبي".

العمل في ظل الحزب الديمقراطي الليبرالي

تحدث بوت في مقابلة مع الصحيفة الأمريكية، في مقر حزبه في موسكو، قائلًا: "لقد كنت سجينًا في نظامكم الفيدرالي لمدة خمسة عشر عامًا، إذن ماذا تتوقعون بالنسبة لي، أن أخصص بعض الوقت لأخذ إجازة؟ لا. يجب أن أفعل كل شيء من أجل بلدي".

وألقي القبض على  بوت عام 2008، بالعاصمة التايلندية بانكوك في آذار/ مارس 2008، خلال عملية أمريكية خاصة، بعدما أن التقى في فندق بعملاء من وكالة الاستخبارات الامريكية "CIA" قدموا أنفسهم على أنهم قياديون من "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، أرادوا شراء أسلحة وصواريخ، لاستخدامها في إسقاط مروحيات أمريكية تدعم الجيش الكولومبي. وأدين عام 2011 في محكمة مانهاتن، وحُكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا بأربع تهم جنائية، بما في ذلك التآمر لقتل أمريكيين، والتآمر لتوفير أسلحة، ودعم "منظمة إرهابية".

وقال محللون وعملاء استخبارات أمريكيون، إن تاجر الأسلحة الروسي، بنى إمبراطوريته خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي التي اتسمت بالجريمة الوحشية والفساد، وأرسل أسطولًا من الطائرات حول العالم لتوصيل الأسلحة. وكان يشتبه به منذ فترة طويلة في أن له صلات بوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية "GRU".  

وعاد بوت إلى روسيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في إطار صفقة تبادل أسرى مع نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني غرينر، بعد أشهر من المفاوضات بين موسكو وواشنطن.

لم يضيع سوى القليل من الوقت. وبعد أربعة أيام من عودته إلى وطنه، أصبح بوت عضوًا حاملًا لبطاقة الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي، المعروف باسمه المختصر الروسي "LDPR'، الذي أسسه الزعيم القومي المثير للجدل فلاديمير جيرينوفسكي، في ظل نظام "الديمقراطية الموجهة" بروسيا، فهو حزب معارضة اسميًا، ولكنه يخدم الكرملين في واقع الأمر. 

يتخصص الحزب في جذب السياسيين اللامعين الذين يثيرون الفضائح بقدر ما يشرعون.

getty

وقال بوت، لـ"نيويورك تايمز"، إنه يريد أن يبدأ حياته السياسية على المستوى المحلي ليحصل على فهم أعمق لبلاده بعد هذا الغياب الطويل. ولم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول برنامج حملته الانتخابية، ولم يقدم دليلًا على أي صلة محددة بمدينة أوليانوفسك، على الرغم من أنه من الشائع أن تتقدم الأحزاب بمرشحين ليس لهم  صلة بالمنطقة التي يترشحون فيها.

موضحًا : "عندما تغيب عن البلاد لمدة 15 عامًا، عليك أن تبدأ من مكان ما، وبالنسبة لي، يعد الذهاب إلى المجلس الإقليمي طريقة أفضل لفهم المشاكل". وأضاف "أنا بحاجة للقاء الناس. أحتاج أن أتعلم وأعرف كيف يعيشون".

انتخابات شكلية

وكدليل على الطبيعة التوافقية للسياسة الروسية، أشاد بوت أيضًا بالتحسينات التي تم إجراؤها في موسكو في ظل رئاسة سيرجي إس سوبيانين للبلدية، والتي استمرت 10 سنوات، والذي من المتوقع أن يفوز بولاية ثالثة الأحد القادم، قائلًا : "لقد عدت إلى روسيا التي طالما حلمت بها، أو حتى أفضل من أحلامي"، وأضاف: "سوبيانين قام بعمل مثالي في تحديث المدينة، وإدخال الحافلات، والقطارات الكهربائية، وتبسيط العديد من الخدمات العامة على تطبيق للهواتف الذكية".

وتحدث بوت، عن عملية اندماجه في المجتمع الروسي، مشيرًا إلى أنها تضمنت أشياء بسيطة، مثل تعلم كيفية استخدام الهاتف الذكي، وقال إنه "يقترب من حدود 90% من سرعة التعلم، لكنه أقر بوجود بعض العقبات".

شخصيات متهمة بارتكاب جرائم خطيرة 

تشير الصحيفة الأمريكية، إلى أن ترشيح بوت ونجاحه، لن يكون المرة الأولى التي تجد فيها شخصية متهمة بارتكاب جرائم خطيرة من قبل سلطات إنفاذ القانون الغربية، دورًا في الحياة السياسية الروسية. الحارس الشخصي السابق في "KGB" أندريه ك. لوجوفوي، الذي اتهمته السلطات البريطانية بقتل الضابط السابق في "KGB"، وجهاز الأمن الفيدرالي ألكسندر ليتفينينكو، أصبح عضوًا في مجلس النواب الروسي (الدوما)، وهو أيضًا عضو في الحزب الليبرالي الديمقراطي.

أما ماريا بوتينا، التي اعترفت في عام 2018 بالذنب في تهمة واحدة وهي التآمر للعمل كعميلة أجنبية في صفقة مع المدعين الفيدراليين في الولايات المتحدة، أصبحت عضوًا في مجلس الدوما عام 2021 ، عن حزب روسيا المتحدة، الذي هو في واقع الأمر حزب الرئيس فلاديمير بوتين.

ويقول الصحفي المهتم بالشؤون السياسية في صحيفة "ميدوزا" المستقلة، أندريه بيرتسيف: إن "ترشح بوت لمثل هذا المنصب المنخفض يدل على أنه يفتقر إلى الدعم السياسي رفيع المستوى من الكرملين".

وأضاف: "تم اعتقال بوت عام 2008، وفي الفترة الفاصلة تغيرت قيادة الإدارة الرئاسية عدة مرات، لقد تغيرت قيادة وزارة الدفاع والمسؤولين عن صناعة الدفاع. بالنسبة لهم، بوت هو شخص من الماضي".

getty

دور مستقبلي

ومع ذلك، يبدو أن  بوت يحظى بدعم بعض المسؤولين رفيعي المستوى في الكرملين. ففي أواخر تموز/يوليو الماضي، حضر اجتماع القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبرغ، وهو حدث مهم لجهود موسكو المستمرة لجذب الزعماء الأفارقة، وتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.

وخلال المقابلة مع "نيويورك تايمز"، دافع  بوت بحماس عن سياسات بلاده، مرددًا "خطًا سائدًا" بين العديد من النخب المؤيدة للحرب على أوكرانيا، مفاده أن "العدو الحقيقي لروسيا ليس أوكرانيا، وأن روسيا تخوض في الواقع حربًا أكبر بالوكالة مع الغرب"، وهذه الحرب "التي تمثلها الولايات المتحدة، محكوم عليها بالخسارة".

تصف الصحيفة الأمريكية، تاجر الأسلحة الروسي السابق، بأنه يظهر كسياسي مصقول أو طبيعي، بينما كان يسير بين مجموعة من نشطاء الحزب الذين كانوا يتلقون مكالمات فيديو يوم الجمعة من مراقبي انتخابات الحزب الديمقراطي الليبرالي في جميع أنحاء روسيا، لم يتفاعل كثيرًا مع أعضاء الفريق، "ولا يبتسم ولا يصافح. بدلًا من ذلك، ظهر قاسيًا".

ومنذ عودته، أمضى بوت قدرًا كبيرًا من الوقت في السفر إلى المدن الأوكرانية التي تحتلها روسيا، وفتح مكاتب جديدة للحزب الديمقراطي الليبرالي في كل من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين ضمتهما روسيا بشكل غير قانوني العام الماضي. كما سافر إلى شبه جزيرة القرم مع زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي ليونيد سلوتسكي، كجزء من وفد كبير، وساعد في فتح مكتب للحزب في الشيشان.

تكهنات فاغنر

كانت هناك تكهنات في الصحافة الروسية والغربية، بأنه بعد مقتل زعيم مرتزقة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، وإعادة الهيكلة المتوقعة لعمليات المجموعة المربحة في أفريقيا، فإن عودة فيكتور بوت للظهور في روسيا يمكن أن تكون مفيدة للكرملين. 

حيث اعترف بافتتاح شركة استشارات تجارية منذ عودته، لكنه رفض إمكانية العودة إلى خط عمله القديم، وهو العمل الذي أصر على عكس كل الأدلة على أنه كان "يرتكز بالكامل على الخدمات اللوجستية، ويختلف عن مبيعات الأسلحة".

وفي هذا الإطار يقول بوت: "إنني أحاول فقط أن أتعامل بشكل نقدي للغاية مع مهاراتي وقدراتي الخاصة في الوقت الحالي"، وأضاف: "دعونا نكون واقعيين"، مشيرًا إلى أنه حتى قبل العقد ونصف العقد الذي قضاها وراء القضبان، كانت شركاته قد تضررت بشدة من العقوبات، ولم يبق لديه سوى القليل من الأعمال، و"القليل جدًا من حياتي الخاصة".

يخوض بوت، البالغ من العمر 56 عامًا، الانتخابات الأحد القادم، كمرشح للجمعية الإقليمية في أوليانوفسك، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة، وتقع على بعد 450 ميلًا شرق موسكو، وهي مسقط رأس لينين

وتابع: "لم يبق لدي الكثير من أي اتصالات قديمة، خاصة في أفريقيا، حيث تتغير الأنظمة بشكل أسرع من الطقس في بعض الأحيان".

لقاء مع بريغوجين

تكشف "نيويورك تايمز"، أن بوت التقى مع بريغوجين في حزيران/يونيو الماضي في روسيا، قبل أيام قليلة من تمرد "فاغنر"، والذي شهد سيطرة  المجموعة على قاعدة عسكرية في جنوب روسيا، والزحف نحو موسكو. 

زار الاثنان مصنعًا ينتج مركبات مدرعة للجيش، ثم زارا عائلات مقاتلي "فاغنر" الذين قتلوا في أوكرانيا. وقبل مقتل بريغوجين، تحدث بوت، عن أن زعيم "فاغنر"، كان من بين أكثر الأشخاص الذين ساعدوا في تأمين إطلاق سراحه، لكنه رفض  مشاركة التفاصيل لأنه بحسب ما يقول، هو نفسه لم يكن "على علم كامل" بأنشطة بريغوجين. 

ورفض بوت مناقشة ما إذا كانت مبادلته بلاعبة كرة السلة غرينر تعتبر صفقة عادلة، ويبدو أنه أظهر بعض التعاطف فيما يتعلق باعتقال  غرينر في موسكو، لحيازتها كمية صغيرة من الماريجوانا. لكنه قال؛ "ممتن للتبادل. لا أريد أن يُحبس أي شخص في بلد أجنبي".