11-فبراير-2022

الشاعرة الفلسطينيّة نداء يونس

هكذا تُعلي الشّاعرة الفلسطينيّة نداء يونس صوتها في ديوانها الجديد "تأويل الخطأ" بتقديم أدونيس. هو إذًا شعرٌ يُغالبُ طغيان العالم. أرضًا وسماءً طالعًا من قوّةٍ محاصرة، مطموسة، حاملًا، إلى جانب أصدقائه العبءَ الكونيّ المزدوج، عبءَ الأرض وعبءَ السماء.

أيّ خطأ هذا الّذي تسعى نداء يونس إلى تجريده من قدسيّة القطعيّ واللانقاش وإلى نسفِ أسسه وقواعده؟ 

هذه المجموعة الشّعريّة التي صدرت مؤخّرًا في معرض الكتاب في القاهرة عن مؤسسة أروقة الّتي يديرها الشاعر اليمني هاني الصلوي. كانت مفاجأة المعرض الشّعريّة بالنسبة لي، حيث كنت هناك للاحتفاء بصدور ديواني الأخير "كتاب نادو"، والذي سأنشر قصائد مختارة منه في حلقات قادمة.

اقرأ/ي أيضًا: الشاعرة نائلة أبو طاحون.. الشعر وخطورة التجربة الأولى

هذه الشّاعرة استطاعت وبإصدارين سابقين فقط أن تحفر اسمها في طليعة الرّيادة الشّعرية العربيّة اليوم.

يعلن هذا الدّيوان عن فرادته وتحدّياته من العنوان "تأويل الخطأ".

يمكننا أن نسأل أيُّ خطأ؟ هل يجرؤ أحد في هذا الشّرق على تأويل الخطأ الّذي يقدّم في ظلّ منظومة تتدحرجُ من سَقف وصاياه كحكم قطعيّ.

ثمّ أيّ خطأ هذا الّذي تسعى نداء يونس إلى تجريده من قدسيّة القطعيّ واللانقاش وإلى نسفِ أسسه وقواعده؟ هل هو الأنثى وطريقة المجتمع في التنكّر لحضورها بل والعمل على طمسه وتهميشه، بل وحتّى تشويهه من خلال المفاهيم المغلوطة والقراءات السّلفيّة للنّصوص الدّينيّة والتّراثيّة الّتي تتطرّق لدورها في الحياة، أم تراه الحب؟ من يعلمْ؟

مجرَّد الحبّ الّذي وعوضًا عن أن يكون شفاءً من أدران الكينونة وارتقاء بها، تحوّل إلى شكل ممسوخ في إطار مضامين إجتماعيّة ودينيّة خانقة وأحكام لا تناقش.

لا جواب عند نداء يونس إلّا النّص. هي القصيدة الّتي تمتدُّ كصرخةٍ طويلة عاشقة ومحتجة عاليًا في صفحات المجموعة. قصيدة لا ماضي لها في الحداثة العربيّة تبتكر مفرداتها ورؤاها وعلاقاتها الجديدة.

تكتب نداء يونس وفانوس سحريّ في يدها تجوب به الجسد والرّوح والتاريخ والجغرافيا والزّمن، لتصرخ أنا القصيدة..  أنا اللّغة..  أنا ما أرى..

هذه مختاراتٌ وقصائد سريعة من المجموعة، أضعها بين يديكم، لأعود في أسبوع قادم إلى تفكيك أبعد لهذا الحضور الشّعريّ اللّافت في قراءة نقديّة معمّقة شافية ووافية.


النّساء مثل الدُّراقِنِ،

يسقُطْنَ حين يُنضِجُهن شيءٌ ما،

ربما يكون

الحبّ..

 

الحمقى يعتقدون أن الحبّ حُمّى

أو حالةٌ من المَسِّ

يمكن شفاؤه بطقوسِ الدورانِ حولَ النّارِ 

أو الكيّ 

وببعض الوصفاتِ الغريبةِ

من مسحوقِ جلدِ الأفاعِي 

والخَلطاتِ

التي يتمُّ تركيبُها من مَطحونِ جماجِمَ قديمةٍ 

وبعضِ الأعشابِ التي تَنجحُ

في علاجِ تصبغاتِ الجِلدِ.

 

المؤمنونَ يعتقدونَ أن هذه العَاطفةَ

التي تَسلقَتْ جسدي ببطءِ عَظاءَةٍ،

التي خَمَشتْ فخِدِي،

التي جعلتْنِي أركضُ في الشَّوارعِ 

دون أن أخشَى أن يعتقلَنِي شُرْطِيّ،

يمكن شُدُّها من ياقتها

وإلقائِها في العَراء.

*

 

لا أترُكُ جلدِي مُعلّقًا على أشجارِ التُّوتِ حين أدخلُ النّهرَ

ولا قلبِي حين أدخلُ الحّبَ

ولا دمِي حين تَغدُو أعضاءُ الحلمِ

دوائرَ الكترونيةٍ مقفلةٍ

على شيءٍ  

          ربما يكون الرّغبَة.

 

أشتغلُ على الأشياءِ التي لا صوت لها،

الحلمُ، مثلًا، الذي أقُصُّهُ

مثلَ أشرطةِ الذكرياتِ،

ثمّ أترُكُهُ في خزانةٍ

  أو أرسِلُهُ بالبريدِ للاأحد.

 

لي طريقَتي في أن لا أقولَ:

أدخُلُ الصَّمتَ من بابٍ خرافيٍ

وأنصهرُ في الضَّجيجِ الذي يتواصلُ

تتبعنُي الذئاب.

 

لي طريقتِي في أن أقولَ:

أقفُ مثلَ تمثالٍ جنائزيٍ "فانجي" فوقَ تابوتٍ

وأطلُّ على تَفسًّخِ الأشياءِ بكلِّ حمولَةِ الرَّمزِ

التي ستَجعلنُي حيّةً وخرافيّةً

ومُشْرِفةً على المَلكوت.

*

 

في حمامِ البيت 

يمكن لامرأة أن تخلعَ التعاليمَ،

وأن تغسِلَها مثل ردفَيْنِ مكتنزَيْنِ 

وأن تقلِّمَ أظَافِرَها

وتحلِقَ شعْرَ عانَتِها 

وتفرَكَها بالشَّبَةِ وعصيرِ الَّليمون،

وتطيبُها بماءِ الورد.

 

في حمام البيت

يسيلُ معطفُ الجلدِ 

حلمةً في فمٍ.

 

في حمام البيت:

الحلم برئٌ كالملحِ،

مؤلمٌ بلا خطرٍ مثل دورةٍ شهريةٍ،

فارغٌ مثل حذاءٍ بعد حربٍ،

يفتحُ فمهُ مثل كيسِ النفايات،

يغمسُ أصابعَهُ في الجسدِ،

يُحدِثَ موجةً صناعيةً في الزّجاجِ

وهزةً أرضيةً في الفقاعاتِ 

التي ستحاول على الأغلبِ 

التمسَكَ بالخوف قبل أن تنفجر.

 

في حمام البيت يصبحُ السَّقفُ جمهُورًا،

حتى أفكارَ الآخرينَ عن الحرية

يمكن لامرأة أن تحتفي بها

كما لو أنها ملكها.

 

في حمامِ البيتِ،

تحدق النسّاءُ في السّماءِ مثل عوليس 

لكن،

ليس إلى الأبد.

 

*

 

وعْلٌ يَشُّقُ الهواءَ يهزُّ رأسَه على سَريرِ الوحل.

يقُدُّ الإِزَارَ وليس بين الثنياتِ 

 إلا يده،

 

يكْسِر الختْمَ،

لا ينْظرُ في خارِطَة،

هو الذي من أعلى شُرْفة في جَسَدي 

يُطِلُّ،

عنُقٌ طَويلَةٌ سِكِّينه وأعْمَاقٌ،

بَحٌرٌ يَمُرُّ على جَسَدي يبتكرُ وظيفةً أخَرى للمَوْج

الَّليلة مَدُّ،

أَجَلْ:

للبيعِ هذا الجَسَد؛

ادفع: ثلاثةَ آلافِ عامٍ مِن السَاكسِيفُون.

ليسَ قِطعَةً من جبلٍ،

هكذا أريدُ الَّليلَة.

*

 

لم يذهبْ أحدٌ إلى الصّحراءِ سوى السَّرابِ،

ولم يَعدْ منْها 

سواي.

 

ليس جهةً أو وُجهَةًـ 

 صوتُهُ وَجْه.

 

في يدهِ صنّارةُ الغيبِ،

هكذا يحفظُ الطريقَ إلى العُواءِ الذي جعلَ الليلَ ذئبًا وأطلقَ الصَّيادينَ

في حقولِ الثّلجِ.

 

يُسلِّمُ الرملَ إلى الرِّيحِ،

ماذا إلى الآياتِ؟

 

يصبُّ الرسالاتِ في كُؤوسِ رملٍ ويَبيعُ الغيبَ للرُّماة.

لو تَفكُّ السلاسلَ من أقدامهِ؛

 - أين سيهرُب

      هذا المَوج؟!

 

  • تحت عنوان "جهة الصمت الأكثر ضجيجًا"، يطلّ الشاعر شوقي عبد الأمير على قرّاء ألترا صوت أسبوعيًا في حديث أو مقالة في محبة الشعر وأهله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"اسم الطائر" لأحلام بشارات.. شاحنة مسرعة دون كوابح

حوار| أسماء عزايزة: خوفُ كلّ من يجد ضالّته في الكتابة هو أن يفقدها