27-أبريل-2016

حجز بشير الجميّل مكاناً في الوجدان المسيحي اللبناني(فيسبوك)

حجز بشير الجميّل، رئيس الجمهورية المُغتال، مكاناً في الوجدان المسيحي، كرمزٍ مقاومٍ ساهم بشكلٍ كبيرٍ في تدعيم المقاومة اللبنانية المسلّحة إبّان الحرب الأهلية بمواجهة الفلسطينيين، فبرأي أنصاره، كان له اليدّ الطّولى في حماية الوجود المسيحي والحفاظ عليه. مؤسّس القوات اللبنانية، سُرعان ما قُتل بعمليةٍ تبناها عناصر في الحزب القومي، هم نبيل العلم وحبيب الشّرتوني، الشّاب المتحمّس لقضيته والعداء لإسرائيل، والذي كان الأداة التّنفيذية التي زرعت العبوة للجميًل في الطّابق الثّاني من المبنى الذي قُتل فيه الأخير.

مشهد اشتباك طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت مخز لأنه يعكس صورة المستقبل القادم، صورةً مشابهةً للماضي، القريب منه، والبعيد

اقرأ/ي أيضًا:  لبنان.. ولاية الفراغ

من الظّلم تاريخيًّا محاكمة بشير الجميّل على تعامله مع إسرائيل، في حين فعل مثله كُثُرٌ من السّياسيين اللبنانيين، من منّا ينسى استقبال أكرم شهيّب للإسرائيليين؟ أو مصافحة عون لجنرالاتهم؟ أو زيارات كميل شمعون بمعيّة روبين عبّود للأراضي الفلسطينية المحتلّة، أو قرار أحمد فتفت بإسقاط السّلاح وعدم المقاومة في ثكنة مرجعيون، وتسليمها للإسرائيلي الهارب إليها من نيران المقاومة.

بشير ليس المنسّق الوحيد مع الإسرائيليين، معظم السّاسة اللبنانيين فعلوا بالمثل، لكن من حسن حظّهم، حبيب الشّرتوني منفي، والمقاومة محكومة بقيودٍ طائفيةٍ مناطقية، جعلت العمالة لإسرائيل وجهة نظر، ومفهومًا فضفاضًا سقف حكمه القضائي، ثلاث سنوات، ولنا في الجنرال العميل فايز كرم عبرة.

اقرأ/ي أيضًا:  سياسيو لبنان من "طهّر نيعك" إلى "سد بوزك"

اغتيال الجميّل، كما محاكمة حبيب، أصبحت جزءًا من ذاكرة اللبنانيين المرتبطة بالحرب الأهلية، هذا المآل المنطقي لقضيةٍ قديمة، مع تجدّد الأجيال، التي من المفترض أنّها طوّرت مفاهيمها ونفسها لتكتسب مناعةً ضدّ الأخطاء السّابقة، وتلقائياً، تفادي تكرارها. المنطق يفرض عدم تكرار اشتباكاتٍ قد تقود لحروبٍ أهلية، لكن حتّى المنطق، حمّال أوجه، طلّاب الجامعة الأمريكية في بيروت كان لهم رأيٌ آخر، فأنصار القوات اللبنانية والكتائب، أرادوا إحياء ذكرى بشير الجميّل وتكريمه كبطلٍ مؤسّس للمقاومة ورمزٍ مسيحي، طلّاب الحزب القومي السّوري ومعهم أنصار الحزب، الذين يسيطرون على "شارع الحمرا" حيث تتواجد الجامعة، كان لهم رأي آخر، كيف يُكرّم "بشير" بينما يُنفى "حبيب"؟، بدأ الإشكال بالتّلاسن لينتهي بالتّشابك بالأيدي، حاملاً معه فصلاً جديداً من فصول المعارك الصّغيرة الممهدّة للحرب الأهلية القادمة.

بالرّغم من أننا قد دخلنا قرناً جديداً، لكن "الماضوية الفكرية" والإرث السّياسي لا يزال مهيمناً، بالنّهج والشّخصيات، مردّه للتربية البيتية التي لا تتيح أي مجالٍ لخلق بنيةٍ فكريةٍ سليمة، بل تقدّس الأشخاص والشّخصيات، وتتبع الأحزاب المترهّلة في الفكر والممارسة، لا لعراقة تاريخها، بل لعدم تجدّدها، ولم تتجدّد طالما الأتباع لا يعنيهم أي تجدّد؟ وطالما أن استثارة العصبيات الطّائفية والقبلية والمناطقية هي الطريقة المُثلى لضمان استمرارية الطّبقة السّياسية؟، مشهد الاشتباكات بين الطّلاب مخزي، لا لكونه اشتباكاً لا طائل منه فقط، بل لأنه يعكس صورة المستقبل القادم، صورةً مشابهةً للماضي، القريب منه، والبعيد.

اقرأ/ي أيضًا:

خطورة ميشال عون

لبنان الوحيد.. لبنان العنيد