26-سبتمبر-2016

لاعبو الزمالك في مباراة الوداد البيضاوي الأخيرة(فاضل سنا/أ.ف.ب)

(1)

"اللهم إني أستودعك أولادي فاحفظهم بعينك التي لا تنام"، كانت هذه ردة فعل أبي حينما أعلمته برغبتي في حضور مباراة الزمالك والوداد في نصف نهائي كأس أفريقيا. للوهلة الأولى انتابتني سخرية من تهويله للموقف، ثم تبادر سؤال إلى ذهني غيّر قسمات وجهي من ابتسامة بلهاء إلى حنق بالغ.. ما هي طبيعة الخطر المُحدّق بي عندما أذهب لمؤازرة فريقي في مكان الجماهير "الطبيعي"؟ ما هي طبيعة الخطورة التي تستدعي كل هذا الخوف؟ لماذا أصبح على الله أن يصحبنا إلى "الاستاد"؟.

ما هي سلطة رئيس مجلس إدارة نادٍ ليمنع فئة معينة من الحضور ثم يستأجر حافلات ليسمح لفئة أخرى بالدخول وكأن الكل يعمل تحت رحمته؟

(2)

لم أشعر خلال رحلتي إلى هذا الكرسي المهترئ في جنبات "التالتة يمين" لملعب برج العرب بالسعادة التي من الطبيعي أن يشعر بها مشجع زملكاوي أراد حضور مباراة فريقه الذي لم يصل إلى هذا الدور منذ أكثر من عقدٍ من الزمان.

بدايةً، موقفي من المباريات التي سبقتها كان ثابتًا، سأذهب دون أن أشارك في مهزلة الاستمارات التي اخترعها ذلك الشخص الذي من المؤسف أن يكون رئيسًا للنادي الذي أنتمي إليه، سأذهب متمنيًا أن يكون الحظ حليفي وأنجح في الدخول بسلاسة بالرغم من عدم امتلاكي لتذكرة، هم المذنبون.. أين منافذ بيع التذاكر التي اعتدنا عليها؟ لا يوجد. ما قيمة هذه الاستمارة التي تطلب مني هاتف جهة العمل؟! لا شيء، إذًا لا لوم عليّ، إن نجحت بالدخول فخير وبركة، وإن لم أنجح فليست هي المرة الأولى التي ألعن فيها غباء المسؤولين.

الوصول إلى مدرجات "بتروسبورت" خلال مباراة بجاية في دور الـ16 كان أمرًا سهلاً إلى حد ما بالرغم من تعامل الأمن العنيف، الذي سيظل لغزًا حتى قيام الساعة، قبلها، أما مباراة "صن داونز" فقد حالت بيني وبين المدرجات قنابل الغاز التي أطلقتها قوات الشرطة فور صافرة بداية اللقاء، وأخيرًا دفعني غضبي مما حدث يوم "صن داونز" إلى القسم على عدم الاقتراب من محيط منطقة التجمع كلها، فذهبت خطط حضور مباراة "أنيمبا" هباءً.

والآن، ما العمل؟ الأفكار تتقلّب في رأسي كالأمواج، ألا يوجد طريقة أخرى للحضور غير تلك الاستمارات؟ لا أريد أن أكون جزءًا من هذه المهزلة، ولا يُمكن أن أفوّت مباراة نصف النهائي، الله وحده يعلم "متى ستكررها مرة أخرى يا زمالك".

الحل كان عند صديقي، لن نذهب إلى النادي ولن نتسلّم الاستمارة أو التذكرة أو أياً من تلك الترّهات من صاحب هذه المسرحية الهزلية، سنبحث عنها من منافذ البيع في الإسكندرية. حسنًا، يبدو لي كحل وسط بالرغم مما يحمله من تنازل عن المبدأ ورضوخ لهذا النظام العقيم، لكن ما باليد حيلة.

اقرأ/ي أيضًا: كان يا ما كان.. حكاية اسمها الأهلي والزمالك

(3)

لم تمنعني طرافة عباراتٍ مثل "كتبت جبت كام في الثانوية العامة؟"، "ده أنا لو مقدم على هجرة مش هعمل كل ده"، "احنا نحضر ماتش المغرب أسهل".. ومن الحزن حينما رأيت ذلك الطفل الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات وهو يحمل صورة شهادة ميلاده، صورة بطاقة والديه، ونسخة من تلك الاستمارة اللعينة من أجل الحصول على تذكرة المباراة.

كم الأمل الذي ارتسم في عينيه بعد اقترابه من مشاهدة لاعبي الزمالك بعيدًا عن شاشات التلفاز، ربما للمرة الأولى في حياته، تعجز الكلمات عن وصفه، وكم الذل والإهانة والخنوع التي شعرت بهم في تلك اللحظة، هل يعقل أن تتكبد الجماهير كل هذا العناء طمعًا في كرم المسؤولين بإعطائنا حقوقنا الطبيعية؟.

(4)

صباح يوم المباراة بدأت الأخبار تتواتر عن اعتقال أكثر من 1000 مشجع زملكاوي بسبب عدم امتلاكهم لتذكرة أو استمارة، لم يكن ينقص مسؤولو وزارة الداخلية حينها سوى إعلان الأحكام العرفية وتحويل الإسكندرية إلى ثكنة عسكرية.

لم أتوقع وجود مخلوقات مثلنا، اعتقدت أنهم محسوبون علينا من بني البشر حتى رأيت ما تقيأته مواقع التواصل الاجتماعي من تبريرات لصور امتلاء عربات الترحيلات بمشجعي الزمالك، ولولا إدراكي أنني لن أنجو من مقصلة إخوتي الذين وعدتهم بحضور المباراة ما كنت لأذهب إلى الملعب بعدما فقدت أي رغبة في الحضور عقب تلك الصور.

جماهير الزمالك

(5)

"الرجالة بدأت تخرج"، هذا ما قاله لي أخي الصغير بعدما رأى الإحباط يتملّكني علّه يخفف عني بعض الشيء، استعدت حماسي قليلًا لكن ما جعل الدم يضرب في عروقي مرة أخرى كانت الهتافات المطالبة بالإفراج عن المحبوسين وحرية الأولتراس التي زلزلت الملعب قبل ساعتين من ضربة البداية. ولا أخفيكم سرًا أن الهتافات المعادية لمرتضى منصور طوال المباراة كان وقع نغماتها على مسامعي أعذب من أجمل سيمفونيات موزارت.

مرّت المباراة بسلام، ونجح العديد من "الوايت نايتس" بالدخول بالرغم من التصريحات عن انتهاء الحركة في مصر. أرجو ألا تخدعك ابتسامات شوبير الزائفة المصحوبة بعبارات التهوين بأن قلة قليلة فقط هي التي هاجمتك، يبدو أن شوبير اعتبر أن كل من في الملعب هم قلة قليلة، وأن هتافاتهم التي أسمعت من به صمم خرجت من حناجر "عشرة خمستاشر واحد بس يا سيادة المستشار".

اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم.. الفن الثامن

(6)

ما هي الكارثة التي ستحل بالبلاد إذا امتلأت الملاعب بالجماهير؟ هل حال البلد غير مستقر فعلاً كما يخدّرونا دائمًا بكلماتهم في الإعلام؟ لماذا تظهر مبررات عدم الاستقرار حينما يتعلّق الأمر بكرة القدم؟ ألا تكفي مجهودات جميع المسؤولين لتأمين كافة مباريات الدوري بحضور جماهير الـ 18 فريقًا؟

ما هي الكارثة التي ستحل بالبلاد إذا امتلأت الملاعب بالجماهير؟ هل حال البلد غير مستقر فعلًا كما يخدّروننا دائمًا بكلماتهم في الإعلام؟

أوقن أن اهتمام مسؤولي اتحاد الكرة منصب على حقوق البث والشركات الراعية والتسويق وكل هذه القائمة من الكلمات التي لا أطيق سماعها، لكن لا أدري لماذا اعتمدوا على شخصٍ لا تزال براءته من دم جماهير الزمالك في حادثة الدفاع الجوي محلّ شكٍ، بحسب تحقيقات المحكمة، ليتولى زمام الأمور في مسألة حضور الجماهير للملاعب؟

ما هي سلطة رئيس مجلس إدارة نادٍ ليمنع فئة معينة من الحضور ثم يستأجر حافلات ليسمح لفئة أخرى بالدخول وكأنه صاحب الملعب ومالك النادي والكل يعمل تحت رحمته؟ هل منصبه يخوّل له إعطاء تعليمات لوزير الداخلية بمنع أي شخص لا يتواجد في "الأوتوبيسات" من دخول مباراة صن داونز، في دور المجموعات، على حد ما قاله لنا أحد ضباط تأمين المباراة؟

 

(7)

الاستمارة

هل ضمنت تلك الورقة أمن وأمان المشجع؟ هل ستتم معاملتي كمشجع للجزيرة الإماراتي عندما أحضر 4 صور شخصية لي؟ أيكفل لي مؤهلي العلمي الحفاظ على ما سيتبقى من كرامتي بعد أن يتم تفتيشي؟ تليفون منزلي سيدافع عني إذا قررت الشرطة إطلاق قنابل الغاز على 10 آلاف شخص يتكدسون في ممر مرة أخرى؟ لا أعتقد. قوانينكم واستماراتكم عديمة النفع زائلةٌ مهما طال عمرها، وسيعود الوضع كما كان عليه أقرب مما تتصورون.

(8)

الكورة للجماهير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. سياسة في المستطيل الأخضر

مصر.. ستنتصر الحياة للمشاغب