12-ديسمبر-2016

تعاني بيروت في فترة الأعياد من أزمة سير مضاعفة عن الأيام العادية (كفاح كاظمي/Getty)

يعيد تكدّس المباني في بيروت رسم معالمها بصورة خرافيّة. تتبدل الجغرافيا بسرعة فيما يمرّ التاريخ على مهل. وبعد أن صبّ النزوح السكاني قنبلته تباعًا في العاصمة مع تمركز المؤسسات العامة والخاصة فيها، بات الازدحام الأفقي والعامودي صورةً اعتيادية تعبّر عنه مساحة الأفق المتروكة بين المباني كفسحة لتسلل الهواء النظيف، ومسربٍ لأشعة الشمس المتساقطة صيفًا وخيوط المطر عند هطولها في فصل الشتاء. اللبناني الذي يقطن في العاصمة أو يقصدها، بشكل يومي، يعيش "فوبيا" الازدحام. يتهيّأ له دون أن يتمكن من تجنّبه، فالشوارع الرئيسية وجهةٌ حتمية للوصول إلى العمل صباحًا والعودة منها إلى المنازل عند انتهاء الدوام.

يعاني اللبنانيون في العاصمة بيروت من تفاقم أزمة السير وتضخم أسبابها خاصة في الأعياد

لذا فإن من يعملون أو يتعلّمون أو يقصدون بيروت في زيارة لدقائق أو لساعات هم "مجبرون لا أبطال" في خوضهم غمار الزحمة والتوقف لأوقات طويلة في طوابير السيارات، التي تعصف بعض عوادمها دخانًا أسود يزيد "الازدحام" بلةً.

ومع تطور رقعة بيروت، لم تعد أزمة سيرها محصورة في الوسط أو في الطرقات المؤدية إليه. فكل مداخل العاصمة صورة واحدة لمعاناة تتكرر على مدار الساعة، إلا أنه يبقى التوغّل في عمق المدينة توجّهًا إراديًا نحو المجهول، حيث الانتظار الطويل الذي يتطلب "بالًا أطول".

اقرأ/ي أيضًا: من أحلام جنوب لبنان.. دراجة نارية

في الصباح، يتفاوت تحديد ساعة الانطلاق إلى العمل من المناطق كافة باتجاه بيروت وفقًا لعاملي البعد الجغرافي ودرجة الأزمة. وإن كان العامل الأوّل ثابتًا وبديهيًا، فإن العامل الثاني أكثر بديهيةً رغم أنه غير ثابت لا بل مرشحًا للتفاقم. ومع ذلك تفرد الطرقات حيزًا للمفاجأة، فأعمال الحفر أو ورش البناء على جانبيها، والتي تستدعي حضورًا ضخمًا لأساطيل آليات الأشغال، تظهر بصورة مفاجئة فتشلّ السير تمامًا وتجعل تحرّكه غير المنتظم في الوجهة المخصصة له بطيئًا ورتيبًا، أما تعطل إحدى السيارات أو وقوع حادث سير هنا أو هناك فسيكون نذيرًا ليوم آخر تُستباح ساعاته على الطريق.

قلة من اللبنانيين يبلغون أعمالهم في الوقت المناسب. ماكينات الوسم أو سجلات الحضور تمنحها مكاتب شؤون الموظفين هامشًا للتأخير يصل إلى النصف ساعة، على أن يعوّضها الموظف قبل انصرافه في اليوم نفسه. قليلو الحظ لا بل معدموه هم التلامذة، الذين يتأخرون عن قاعات الامتحان، ويخسرون إما الاختبار كله أو بعضًا من وقته بسبب تأخر لا يد لهم فيه.

تخصص بعض المؤسسات هامشًا للتأخير الصباحي بسبب أزمة السير في لبنان التي تزداد مع اقتراب أعياد الميلاد

أما "كثيرو الحيلة" فهو لقب لقلّة تعرف المدينة ظهرًا عن قلب، بكل طرقاتها وتفرعاتها وأزقتها الضيقة. بين هؤلاء طلاب وموظفون، إلا أن أكثرهم سائقو تكاسي يتحايلون على الازدحام بالالتفاف على الإشارات الضوئية الحمراء والتحرر من طابور السيارات المرصوفة بالولوج إلى أحياء شعبية، تشبه في تقارب مبانيها الدهاليز التي يفضي الخروج منها إلى النور. فيروز، التي تُغني منذ الأزل بصوت ملائكي يصلح للصباح في ترتيله الحب وأغاني الوطن، باتت مسكّنًا يكاد يتواجد في كل سيّارة ليُخمد عند الحاجة وبمفعوله السحري توتّر السائقين المزمن بفعل الازدحام. وهي تتشاطر حاليًا مع الزينة وبشرى الأعياد مهمّة تخفيف وقع "العجقة" المتزايدة عن كاهل ونفوس اللبنانيين. ومع حلول الأعياد، هل سيكون لبنان عبارة عن طريق مزدحم بالسيارات؟.

اقرأ/ي أيضًا:

أوصال بيروت وحُكام زواريبها

بيروت الغاضبة برسم أبنائها