05-فبراير-2021

بول شاوول وديوانه حديقة الأمس

ألترا صوت – فريق التحرير

كما يفعل دائمًا، يُخصّص الشاعر اللبناني بول شاوول مجموعةً شعرية كاملة لموضوع واحد، وهنا في مجموعته الأخيرة "حديقة الأمس" (دار النهضة العربية، بيروت 2019) ستكون الحديقة بنباتها وحيواناتها، بهوائها وسكونها، بمرئيها ولامرئيها.. مسرحًا لقصائد تتدفّق، حارةً وهادئةً، مثل أنفاسٍ محمومة بالوجد.

ما يميّز هذه التجربة أن هناك موضوعًا واضحًا، ترويه روحٌ إنسانية تتحدّث إلينا كما لو أنها صوت الحديقة السريّ. تلك الروح هي صوت الشاعر والحديقة معًا، في اتحاد لم يعد شعر اليوم يأتي بما يشبهه.

جرت العادة في هذه المساحة الأسبوعية، التي تحمل عنوان "قصيدة في ديوان"، أن نختار قصيدة واحدة، لكن نظرًا لأن مجموعة شاوول هذه قائمة على قصائد صغيرة الحجم اخترنا مجموعة منها، لا سيما أن ثمة رأيًا يقول إن الكتاب بمجمله قصيدة طويلة، وما العناوين الفرعية سوى وقفات، وعلى ذلك نظلّ ضمن سياق هذه المساحة.

بول شاوول شاعر ومسرحي ومترجم وصحافي لبناني، من مواليد عام 1941. نذكر من مجموعاته الشعرية: "أوراق الغائب" و"كشهر طويل من العشق" و"بلا أثر يذكر" و"دفتر سيجارة".


استراحة الهواء

 

كيفَ استطاعَ الهواءُ وحدَهُ

أن يحملَ روائحَ الحديقة

وألوانها على ظهرِه

من دونِ أن يلهثَ

أو يكبو

لكنّهُ قبلَ أن يغادرَ

توقّفَ لحظةً

حطّ الأحمالَ عن ظهره

ففاحتْ كلُّ الألوانِ عليه

وعندها

اختارَ الصنوبرة.

 

طوى يديه

 

عندما زارَ الهواءُ الحديقةَ

في آخرِ الخريف

لم يَجِدْ فيها ما يحمِلُهُ معهُ

طوى يديه على يديه

وأنفاسهُ على أنفاسه

وأكملَ دربَه

بلا يدين

ولا أنفاس.

 

اعتذار

 

نسيَ الهواءُ

على عتبةِ الحديقة

أنْ يودّعَ الوردةَ الصفراء

كما يليقُ بهواءٍ أن يودّعها

تراجعَ خطوة

تعثّرَ بحصاةٍ

ثمّ طوّقَها

من كلّ جهاتها

استَلَّ ورقةً من أوراقها

مسحَ بها جسمهُ

ثمّ

نزعَ قبّعتهُ الملوّنة

انحنى لها

وأكملَ سيرهُ.

 

رُعونتها

 

كيفَ أُنقذُ هذه الياسمينة

من رعونتها

تلك الياسمينة التي تكرّرُ سقوطها

وتبقى بيضاء

من الضجر.

 

النملة

 

النّملةُ تُنمّلُ

سيقانَ الحديقة.

 

 

البزاقة

 

تنامُ البزّاقةُ في الوردة

كخاتمٍ منسيٍّ في جيب معطف.

 

تتأخّر الذكرى

 

تتأخّرُ الذكرى على جِلدك

أنت لم تنسَ ياسمينَ المنزل

المنزلُ الذي سكنَهُ طفلٌ كَبُرَ فيه

ليموتَ في منزلٍ آخر.

 

الغبار

 

الرّبيعُ على الياسمين غُبار

مجرّدُ غبارٍ وَجَدَ شيئًا يتّكئ عليه

قبل أن يمسحهُ الهواء

المقبلُ بلا رحمة على الحديقة.

 

وصول

 

كيفَ قطعَ الهواءُ

كلّ هذه الحواجز والرّمال

والحرائقَ

والدّخان والموتى والصّراخ

ووصلَ إلى الحديقة

هذا الصّباح

في موعده المحدّد.

 

ناقص

 

لم يكُن الهواءُ ناقصًا

هذا الصّباح

كانَ فائضاً كثيرًا

إلى درجة

لم يستطع فيها

أن يحملَ

جسمه.

 

الأقحوانة

 

كانت الأقحوانة

وعلى غيرِ عادتها

باردةً كمطرِ الفجر

باردة

كالعينين اللتين تغمرانها

بلا مبالاة

ولا جدوى.

 

شجرة الغار

 

شجرةُ الغار

استَبقتْ قطرةَ

الماء قليلًا عليها

لكي تعوّض عن مجدها الغابر.

 

القمر

 

يسترسلُ على الحديقة

كأفكار مارقة

تدورُ من ليلة إلى أخرى.

 

منفاها العالي

 

الحديقةُ تعيشُ في منفاها العالي

الجذورُ التي تتحسّسُ البلاطَ تحتها

تعرفُ جيّدًا أنّ عليها أن تُقَضّي

العقابَ فوق ذلك السّطح العالي

بلا أمل ولا حزن ولا خوف

ولا انتظار.

الحديقةُ تعيشُ في منفاها العالي

وسجّانها شفّافٌ حتّى الدّمع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مريد البرغوثي: القريةُ سكتت في العام الأول

أمجد ناصر: قصيدةٌ مؤجلة لنيويورك