04-فبراير-2017

صورة من أحد الأحياء الجزائرية المزينة (حسين بن شميسة/الترا صوت)

نشر المحامي والكاتب محمد عاطف بريكي، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قبل أيام، صورة لحيّ نظيف وأنيق ومرتّب ومشجّر، قال إنه من مدينة العلمة في الشرق الجزائري، شاكرًا سكانه على ذوقهم الرّفيع، وحسّهم الحضاري. غير أن معظم التعليقات التي تفاعلت مع المنشور، استبعدت أن يكون المشهد جزائريًا، وكأن الوسخ والبشاعة والفوضى ثالوث داخل في صميم هوية الشارع الجزائري.

عمل سكان بعض الأحياء، في مدن جزائرية كثيرة، على التكفل بشوارعهم وعماراتهم بأنفسهم، من غير أن ينتظروا من البلدية أن تفعل ذلك

يقول الكاتب كمال قرور، رئيس "منتدى المواطنة" لـ"الترا صوت"، إن أسوأ ما وقع فيه الجزائري مؤخرًا اعتبار الجمال، مهما كان تجلّيه، في الإنسان والمكان، حكرًا على المجتمعات الأخرى. "انشر صورة لأي شاطئ أو جبل أو مشهد صحراوي جميل في الجزائر، فسوف يقولون لك إنه ليس جزائريًا، وإن خفّفوا التعليق، فسيقولون: كأنك في السويد أو سويسرا أو تركيا، أما إن قلت إننا نملك كتابًا وفنانين رائعين، فسينكرون ذلك عليك تمامًا". ويضيف: "انطلاقًا من هذه الروح السلبية، التي أثمرها خلط الجزائري بين مفهومي الحكومة والوطن، بحيث يحكم على كل ما هو محلي، من خلال حكمه على الحكومة المقصّرة والمتعسّفة، من الصّعب أن تجد من يؤمن بأن هناك شوارع جزائرية نظيفة وأنيقة".

اقرأ/ي أيضًا: هل فقد الجزائريون الحس الجمالي؟

طرحنا هذا السّؤال على نخبة من الجزائريين: "ما معنى أن يحلم الجميع بشارع نظيف وجميل، في مقابل تقصير الجميع في ذلك؟"، فكان أن حصلنا على إجابات متباينة، منها أن السلطة السياسية، عملت على كسر المجتمع المدني وتدجينه وحصر اهتماماته في الأبعاد الاستهلاكية، بعيدًا عن الذوق الجمالي، فصار يحتج على غياب الزيت والسكّر، لكنه لا يتحرّك لغياب دور السينما والمسرح والترفيه. يقول الممثل أمين رارة: "يخيفني المواطن الذي يحتج على تأخر تسليمه سكنًا، لكنه يقبل به مشوّهًا وواقعًا في بقعة لا تتوفر على حديقة ومساحة تستوعب الأطفال مثلًا".

في ظلّ هذا الواقع، عمل سكان بعض الأحياء، في مدن جزائرية كثيرة، على التكفل بشوارعهم وعماراتهم بأنفسهم، من غير أن ينتظروا من البلدية أن تفعل ذلك. يقول زهير علجي، أحد سكان مدينة العلمة في الشرق الجزائري: "هناك استعداد عام للخروج من ثقافة الاتكال على الحكومة في كلّ شيء، بما فيه إصلاح المصابيح المعطوبة، وتنظيف سلالم العمارات، غير أن الأمر يحتاج إلى شخص يبادر إلى تحويل هذا الاستعداد إلى سلوك في الواقع".

ساهم بعض التشكيليين الجزائريين في رسم جداريات ومشاهد قضت على روح الإسمنت، ومنحت عديد الأحياء روحًا حية

ويكشف علجي أنه حمل جيرانه على تكوين صندوق لتنقية الحيّ وتزيينه وتشجيره، "فكان أن دعونا بعض التشكيليين، الذين أبدعوا في رسم جداريات ومشاهد قضت على روح الإسمنت، ومنحت المكان روحًا حية، كما زرعنا ورودًا وشجيراتٍ في كل مكان صالح لذلك، وطلينا الجدران الخارجية بألوان خاصّة، وقمنا بتغيير النوافذ والأبواب، بحيث أصبحت منسجمة مع المشهد العام". يسأل: "هل قدر أن نعيش في أحياء وسخة وبشعة؟ لماذا لا تتكامل المنظومات المختلفة، من أجل أن يصبح هذا السلوك ثقافة عامّة؟ لماذا يركز خطباء المساجد على الحديث عن القبر، ولا يتحدّثون عن نظافة التجمّعات السكنية؟". ويختم بالتنبيه إلى معطى مهم: "بعد أن صار حينا على ما هو عليه من الأناقة والجمال، لاحظت فتور العنف لدى الصغار والشكوى والتبرّم لدى الكبار".

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة في الجزائر.. طوبى للفاشلين

أما التجربة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، ولفتت انتباه الفنانين والسياح، فهي مبادرة الفنان المسرحي قادة بن شميسة وأولاده، في مدينة سيدي بلعباس، 500 كيلومترًا غربًا، بحيث حوّلوا حيّهم إلى جنة صغيرة، وثرية بالورود والأشجار والجداريات ذات النفس الطفولي، والمقاعد الخشبية والمزهريات المعلقة في كل الجنبات.

ولم يستثنوا السلالم والأسطح وموقف السيارات من هذه اللمسة، "بحيث أصبح السكان يفضلون البقاء خارج بيوتهم، أكثر من البقاء داخلها، لأن المنظر مريح وباعث على الانشراح". يقول قادة بن شميسة. ويضيف: "لقد ورطنا الجميع في غرس شجيرة ما، فصاروا يرعون الاخضرار في الحي بأنفسهم، أما قبو العمارة، فقد حولناه من مجمّع للمياه القذرة والبعوض، إلى متحف للدّمى والأقنعة". ويدعو بن شميسة الفنانين إلى أن يحذوا حذوه، لأنهم أكثر الشرائح مطالبة بالدفاع عن الجمال. "ما معنى أن يقيم فنان ما في عمارة ما، من غير أن يضفي عليها لمسته الفنية؟".

اقرأ/ي أيضًا:

هل تمّت خوصصة الحكومة الجزائرية؟

الكتاب مع طلبة الجزائر في الشارع