01-أكتوبر-2016

السؤال المطروح جزائريًا اليوم، من يتحمل فاتورة الفساد ومن يوقفه! (باتريك باز/أ.ف.ب)

ما بال الجزائريين باتوا يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها، حين يُصدر مسئول ما تصريحًا أو يُقرّ قرارًا، يرونه مسيئًا لهويتهم الدينية أو القومية، مثلما حدث مع وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، الذي أصدر قانونًا يسمح ببيع المشروبات الروحية في المحلات التجارية، ويحدث هذه الأيام مع وزيرة التربية والتعليم نورية بن غبريط، حيث تمّ اكتشاف خارطة في كتاب مدرسي وُضعت فيها كلمة "إسرائيل" بدل كلمة "فلسطين". لكنهم لا يُحرّكون ساكنًا، بالموازاة، حين يكون التصريح مسيئًا لمصالحهم السياسية والاقتصادية؟

قبل أيام قليلة، أطلق وزير التجارة الحالي بختي بلعايب، تصريحًا أقلّ ما يُقال عنه إنه خطير، وأقل ما كان يُنتظر من المجتمع المدني الجزائري أن يتفاعل معه بالإدانة، والتحرّك وفق القنوات القانونية، للمطالبة بمعرفة الحقيقة، لكن لا شيء من ذلك تم، وكأنه تصريح تعلّق بالخطأ في درجات الحرارة.

متابعة بسيطة لموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تجعلنا نلحظ فتور الجزائريين، على اختلاف أجيالهم وانتماءاتهم، في التفاعل مع تصريحات وزير التجارة، بالمقارنة مع تفاعلهم الناري مع قانون بيع الخمور والخطأ المكتشف في الكتاب المدرسي

قال الوزير إنه لا يملك سلطة في منع الخارجين عن القانون في الحقل التجاري، لأن هناك لوبيات أكثر نفوذًا منه، تستطيع أن تلغي قراراته بعد ساعاتٍ بعد صدورها، وأعطى مثالًا على ذلك، إقدام هذه اللوبيات الخفية على فتح مطعم كان أمر بغلقه، لأنه لا يتماشى مع القانون.

اقرأ/ي أيضًا: فقراء في الجنوب الجزائري الغني بالنفط!

وبغض النظر عن كون الوزير بادر إلى هذا الاعتراف بإيعاز معين من جهة معينة، في إطار صراع الأجنحة داخل السلطة، أو كان صادقًا وأراد تبرئة ذمته، فإن الأمر يدعو إلى طرح الأسئلة التالية: هل وصل الانفلات الحكومي، إلى درجة أن تعجز الحكومة عن غلق مطعم خارج عن القانون؟ ماذا إذن عن مجالات وفضاءات أكبر وأخطر وجب غلقها؟ هل يعني هذا أن القوانين في البلاد لم تعد تشرّع انطلاقًا من مصلحة الوطن والمواطن، بل انطلاقًا من مصالح هذه اللوبيات الخفية؟

ثم من هذه اللوبيات؟ هل هي داخلية أم خارجية أم "عوان بين ذلك"؟ هل لها دور في الإبقاء على الرئيس الحالي، رغم مرضه، حتى تستطيع أن تتحرّك بحرية في ظل غياب الرقابة الرئاسية، التي يمنحها الدستور للرئيس؟ هل للأحزاب المهيمنة على البرلمان يد في رعاية هذه اللوبيات؟ إذ ما معنى أن تتهم الوزير بكونه يهرف بما لا يعرف، عوض دعوته إلى البرلمان لكشف الحقيقة، مع توفير الحماية له؟

إن متابعة بسيطة لموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تجعلنا نلحظ فتور الجزائريين، على اختلاف أجيالهم وانتماءاتهم، في التفاعل مع تصريحات وزير التجارة، بالمقارنة مع تفاعلهم الناري مع قانون بيع الخمور والخطأ المكتشف في الكتاب المدرسي. فهل يؤشر هذا الوضع على أن الجزائريين، بعد تجاربَ وتراكماتٍ وتحولاتٍ معينة، وصلوا إلى قناعة مفادها: "دعوا لنا الهوية وخذوا الاقتصاد"؟

يبدو أن الأمر بات كذلك، وقد التقطت المافيا الاقتصادية والسياسية هذا المعطى، فراحت تتصرّف على أساسه، بخصخصة كل شيء، مع لجوئها، كلما أرادت أن تتجنّب انتباهة شعبية محتملة، إلى تحويل مجرى النقاش والانتباه، برميها بالونًا مزيفًا، من قبيل اختطاف طفل، وشعارها غير المعلن في ذلك: "اشغلوا الشعب باختطاف طفل، حتى لا ينتبه إلى اختطاف الوطن".

اقرأ/ي أيضًا:
فيسبوك يدخل الحرب إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي
الجمهورية الجزائرية المتناقضة