02-أبريل-2022
جينات

"Getty"

بعد مرور عشرين عامًا من العمل البحثي في مجال الطب، توصل علماء إلى تحديد الحلقة الكاملة من الجينوم البشري، والتي من المتوقع أن تفسح المجال أمام إنجازات أكبر في مجال الصحة.

رؤية جديدة

وفي هذا السياق، قالت الباحثة في جامعة كاليفورنيا، الدكتورة كارين ميغا "هذه الأجزاء من الجينوم البشري التي لم نتمكن من دراستها منذ أكثر من 20 عامًا مهمة لفهمنا لكيفية عمل الجينوم والأمراض الوراثية والتنوع البشري والتطور"، وأضافت العضوة في قيادة الاتحاد الدولي الداعم للمشروع "حتى الأن، كان حوالي 8% من الجينوم البشري مفقودًا، بما في ذلك امتدادات كبيرة من التسلسلات شديدة التكرار في الحمض النووي"، وتابعت حديثها لصحيفة الغارديان البريطانية "اليوم، استطعنا نشر أول تسلسل كامل وخالي من الفجوات للجينوم البشري، بعد تخطي الصعوبات التقنية، مما يمكن أن يدلنا لماذا هناك فرادة في الجنس البشري".

وُصف هذا المشروع بكونه شبيه للرحلات الخارجية إلى الفضاء، غير أنه رحلة إلى الداخل الإنساني للبحث في أقصى وأعمق أجزاءه.

ولتقريب الصورة أكثر، يمكن القول بأن تسلسل الجينوم هو شيء يشبه تقسيم كتاب إلى أجزاء صغيرة جدًا، ثم محاولة إعادة بناء الكتاب عن طريق تجميعها معًا مرة أخرى. لكن هذه المهمة ستكون صعبة لأن النص يحتوي على الكثير من الكلمات والعبارات الشائعة أو المتكررة، والتي تعقد مسألة إعادة تجميع الكتاب وإرجاع النص إلى ما كان عليه قبل تقطيعه. هذا المثال بات اليوم أقل صعوبة وقد ساعدت تقنيات المستجدة في هذا المجال، ساعدت بقراءة التسلسل الجيني بغية فك شيفرات معقدة من الحمض النووي DNA، وساهمت في تحديد التكرارات والتغلب على العقبات.

جينات

بدوره قال الدكتور آدم فيليبي، من المعهد القومي لأبحاث الجينوم البشري في ماريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية "في المستقبل، عندما تتم عملية قراءة الجينوم لشخص ما، سنتمكن من تحديد جميع المتغيرات في الحمض النووي الخاص به واستخدام هذه المعلومات لتوجيه الرعاية الصحية له بشكل أفضل"، وأضاف فيليبي والذي يشغل منصب الرئيس المشارك للإئتلاف الداعم للمشروع T2T "يشكل الانتهاء من تحديد تسلسل الجينوم البشري بمثابة وضع زوج جديد من النظارات. الأن بعد أن أصبح بإمكاننا رؤية كل شيء بوضوح، نقترب خطوة واحدة من فهم ما يعنيه كل شيء يدور حول هذه المسألة الطبية".

ماذا يعني الجينوم البشري؟

الجينوم البشري هو كامل الحمض النووي للإنسان الفرد. ويشمل حوالي 21 الف جين Gene. كل خلية واحدة تشكل حبلًا طوله حوالي المترين. وكل خلية مجزأة في حزم متناهية الصغر تسمى كروموزومات، بحسب ما تشير مجلة ذا ساينس فوكس.

أهمية الانجاز

تقدر تكلفة المشروع Human genome project، والذي بدأ في عام 1990، وانتهى عام 2003، بنحو 2.7 مليار دولار، وعملت ضمنه مختبرات أبحاث من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وعلماء من العديد من دول العالم. استطاعت البحوث كشف 92% من حلقات الجينوم البشري حتى عام 2003، ومن ثم تابع العلماء بحوثهم في هذا المضمار للتوصل إلى اكتشافات مذهلة اليوم وصلت فك شيفرات الجينوم بنسبة 99.99%.

اليوم، هذا الاكتشاف العلمي الجديد، والذي هو ثمرة عقود من الجهود، سيوفر أدلة مهمة لكيفية خضوع أسلافنا من البشر لتغيرات تطورية سريعة أدت إلى إدراك ما نحن عليه اليوم كأفراد بشريين من النواحي البيولوجية والوراثية والعقلية والسلوكية. وصف هذا المشروع بكونه شبيه للرحلات الخارجية إلى الفضاء، غير أنه رحلة إلى الداخل الإنساني للبحث في أقصى وأعمق أجزاءه. يدخل هذا الاكتشاف في العديد من المجالات التي تعنى بالكائن الإنساني، سواء في الماضي أم الحاضر والمستقبل، لكونه يشكل خريطة يمكن الاستناد عليها لفهم تعقيدات الكائن الإنساني.

كذلك تكمن الأهمية في أن هذا الاكتشاف سيمهد الطريق لدراسات أكثر عمقًا، ويفسح المجال للبت بمسائل عالقة ولا زالت مثار جدل، كالشيخوخة والجنس والفروقات الجندرية وتحديد الأدوية المناسبة وكشف ومعالجة الأمراض كالسرطان والأورام، ومتابعة نشأتها وجذورها من خلال فحص أصغر الخلايا، وغيرها من المسائل الحيوية بالنسبة للبشر. وكذلك تمييز كيف تتصرف الخلايا بشكل مختلف في المرض والصحة مما يساعد في تشخيص الأمراض. وأيضًا تسهيل عملية مقارنة الخلايا البشرية مع الخلايا الحيوانية والنباتية.

الباحثة في معهد "ويلكوم سانغر"، كورديليا لانغفورد، علقت على المسألة بالقول "اليوم نقوم بقراءة 3 آلاف سلسلة كاملة من الجينوم البشري. لقد أصبحت عملية بسيطة بالنسبة لنا"، وأضافت "إن تحديد تسلسل الجينوم يوفر الأن للأطباء والسلطات العامة معلومات مهمة للغاية حول الأمراض وكيفية محاربتها، تمامًا كما تمت محاربة فيروس كوفيد-19".

جينات

أما راجيف ماكوي، من جامعة جونز هوبكنز، والعضو المشارك في اتحاد Telomer to Telomer فأشار بالقول "نحن ما زلنا لا نعرف حتى الأن ما لا نعرفه"، وأضاف "التمكن من فهم ومعرفة كامل الجينوم البشري ربما سيوصلنا إلى تحديد العديد من السمات البشرية المختلفة، وما يتعلق بالعديد من الأمراض". على سبيل المثل لا الحصر، يخول الاكتشاف تحديد المسؤول عن السمات البشرية كلون العيون والطول ومعدل الذكاء، وغيرها العديد من السمات التي تحددها حوالي 3 مليار خلية.

رئيسة مشروع (أطلس الخلايا البشريةسارة تيشمان، أوردت التالي "الأجهزة التكنولوجية المستخدمة حساسة للغاية، بحيث يمكننا تحليل الحمض النووي من خلية واحدة، وفي نفس الوقت مقارنة النتائج التي توصلنا إليها مع الحمض النووي من ملايين الخلايا الأخرى المماثلة"، وتضيف "تخبر هذه البيانات الباحثين بما تفعله الخلايا في أجسامنا بدقة عالية جدًا وفي وقت محدد"، وتابعت بالقول "لقد أدى هذا العمل إلى ثورة كبيرة في فهم خلايا أجسامنا وتنظيمها في الأنسجة والأعضاء، فبمقارنة الأنسجة السليمة بالأنسجة المريضة بتنا نحصل على رؤى جديدة مذهلة حول آليات عمل تلك الأمراض". وقد ساعد هذا الاكتشاف في تطور المفاهيم بالمتعلقة بالتليف والربو والأورام كافة والضمور العضلي، وفتح الأفق لتطوير علاجات لها، وكذلك فهم حتى ما يتعلق بالسلوكيات والطبيعة الفردية السيكولوجية الخاصة بالإنسان.

ونشرت مجلة بي بي سي العلمية تقريرًا جاء فيه، نقلًا عن الدكتورة كارين ميغا، الأستاذة المساعدة في الهندسة الجزيئية الحيوية في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز، والتي قالت " نسبة 8% التي كانت مفقودة وتم الكشف عنها مؤخرًا، تمثل فجوة هائلة في المعرفة الطبية والجينومية، وصارت اليوم مع هذا الاكتشاف قفزة إلى الأمام"، وتضيف "على خريطة العالم، 8% هي بحجم قارة أفريقيا، لذا فإن قارة بأكملها تقريبُا كانت مفقودة". وتشير إلى أنه من المعلومات المكتشفة هناك مجالان مهمان عن الكروموسومات البشرية: التيلوميرات والسينتروميرات.

جينات

وتعتبر ميغا بأن هذه المناطق من الكروموسومات لدينا هي التي تتقلص مع تقدمنا في العمر. وقد تبين من خلال بعض الأبحاث أن الأشخاص الذين لديهم تيلوميرات أقصر من المعتاد بالنسبة لأعمارهم معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بأمراض الشيخوخة، ويموتون في وقت أقرب من الأشخاص الذين لديهم تيلوميرات أطول. وتشير الدراسات، بحسب ميغا، إلى أن إطالة التيلوميرات هي إحدى الطرق الممكنة لإبطاء الشيخوخة.

وردًا على سؤال حول أهمية اكتشاف الجينوم الكامل، أشارت ميغا في حوار مع راديو CBC بالقول "سوف نتمكن من تحديد ما إذا حصلت أخطاء في الجينوم الخاص بالإنسان أو في أثناء العمليات المعقدة التي تتحرك من خلالها خلايانا"، وتضيف "هذه الاخطاء قد تساعدنا في فهم حدوث السرطانات والعيوب الخلقية وفهم مسائل صحية أخرى عند البشر"، وعزت ميغا هذا الإنجاز إلى التطور الصناعي في مجال التكنولوجيا.