24-يوليو-2018

تورطت الإندبندنت بصفقة مع المال السياسي السعودي (Getty)

صفقة جديدة، يتوغل فيها المال السعودي في الإعلام البريطاني بنوايا لا يمكن الجزم بأنها "سليمة"، تشمل انضمام صحيفة الـ"إندبندنت" البريطانية إلى مجموعة إعلامية لها صلات وثيقة بالعائلة المالكة السعودية، لإطلاق مواقع إلكترونية عبر الشرق الأوسط وباكستان، مما يثير التساؤلات حول التأثير المتنامي للمال السياسي السعودي في الإعلام البريطاني، والدور الذي ستلعبه هذه المواقع الإخبارية بالإضافة إلى غيرها في الأزمة الخليجية القائمة منذ حزيران/ يونيو 2017.

انضمت صحيفة الـ"إندبندنت" إلى مجموعة إعلامية لها صلات وثيقة بالعائلة المالكة السعودية، لإطلاق مواقع إلكترونية عبر الشرق الأوسط وباكستان

تفاصيل الصفقة.. والوجوه التي تقف خلفها

نقلت صحيفة الغارديان البريطانية بعض التفاصيل حول "صفقة" انضمام "ذا إندبندنت" إلى السعودية لإطلاق أربعة مواقع مشتركة سيتم إطلاقها باللغة العربية والأوردو والتركية والفارسية بحلول نهاية عام 2018.

وتقول الغارديان إنه على الرغم من أن هذه المواقع ستكون ذات علامة تجارية مستقلة، إلا أن المحتوى سوف يتم إنتاجه بالكامل تقريبًا من قبل مجموعة الصحفيين السعوديين للبحوث والتسويق (SRMG) المقيمين في لندن وإسلام آباد وإسطنبول ونيويورك، مع مساهمة الصحيفة البريطانية في المقالات المترجمة من موقع اللغة الإنجليزية، وسيتم دعم هذه المواقع من قبل موظفي العمليات في الرياض ودبي.

وبقليل من البحث حول العلاقات الوثيقة التي تربط مجموعة SRMG  بالعائلة المالكة  في السعودية، نجد أن من يقف وراءها هو الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، و هو اسم يذكرنا بالمشتري الغامض للوحة دافنشي المشهورة "مخلص العالم" أو سلفاتور موندي، التي بيعت في مزاد علني العام الماضي بنصف مليار دولار.

اسم الأمير بدر كان قد ظهر كمشترٍ للوحة، مع الأخذ بالعلم أنه ليس من هُواة جمع الأعمال الفنية، وليس ثريًا مشهورًا، إلا أنه كما يبدو كان ينفذ أحد الخدمات المباشرة للأمير محمد بن سلمان، المشتري الفعلي لها. وتم تعيين الأمير بدر لاحقًا وزيرًا للثقافة في المملكة.

اقرأ/ي أيضًا: محفل بروباغندا ابن سلمان الغربي.. غراميات توماس فريدمان

واستكمالاً لقصة صفقة الصحيفة البريطانية، فقد تبين أنه في الصيف الماضي، تم بيع 30% من حصة ذا إندبندنت، إلى رجل أعمال سعودي يدعى سلطان محمد أبو الجديل، الذي لم يكن لديه اهتمام عام سابق بالإعلام البريطاني. وكان يُعتقد أنه يعمل لدى شركة الأهلي كابيتال، وهي ذراع البنك التجاري الوطني، الذي تسيطر عليه الحكومة السعودية، على الرغم من أنه قدم أوراقًا يقول فيها إنه كان يقوم بالاستثمار بشكل شخصي.

ووصفت الصحيفة البريطانية التي أغلقت نسختها المطبوعة منذ عامين، هذا الاندماج بأنه سيقدم وصفة شهية من الأخبار الدولية تتمتع بقدر عالِ من "الاستقلالية والتحليل المحايد، والأفق الواسع"، ذلك على الرغم من سيطرة الشريك السعودي الذي تحكمه السلطة السياسية على القرار الصحفي.

السعودية والإعلام الحر.. هل يجتمعان؟!

لم تكن التقارير الحقوقية يومًا ما في صالح السلطات السعودية، ولا قيل يومًا أن العقل السياسي السعودي وقف إلى جوار حرية التعبير، بل عمل ضدها على طول الخط، حيث تتحدث تقارير المنظمات الحقوقية مثل هيومان رايتس ووتش، عن ممارسة ممنهجة للقمع ضد النشطاء المدنيين، وهذا بخلاف الاعتقال والمنع من السفر، والحظر الرسمي لممارسة النشاط الحقوقي داخل المملكة، هذا فضلًا عن تدبير الحملات الإعلامية المتلاحقة ضد قطر والتي تدبرها السعودية برعاية عُليا.

كانت منظمة مراسلون بلا حدود، قد صنفت السعودية ضمن الدول الأسوأ من حيث حرية الصحافة على مستوى العالم 

وكانت منظمة مراسلون بلا حدود، قد صنفت السعودية ضمن الدول الأسوأ من حيث حرية الصحافة على مستوى العالم مع البحرين وفيتنام والسودان وكوبا. وكانت المنظمة قد وضعت ترتيب المملكة 168 من 180 دولة من حيث حرية الصحافة والصحفيين.

اقرأ/ي أيضًا: لوبي آل سعود في واشنطن.. ماكينة تبييض جرائم ابن سلمان

وقد وصفت الغارديان في تغطيتها عن صفقة الإندبندنت أن "المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى قد شاركت في شبكة من التحالفات الجيوسياسية، بالإضافة إلى محاولات السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أشارت الصحيفة إلى الدور المحتمل لهذه "الصفقة" في الحرب على اليمن، حيث قالت "إن قرار إطلاق نسخة باللغة الفارسية من صحيفة الإندبندنت، التي يعمل فيها صحفيون من المجموعة السعودية، سيخضع للتمحيص على وجه خاص بسبب عداء الدولة السعودية لإيران، حيث يدعم كل من البلدين طرفي النزاع في الحرب الدائرة في اليمن".

كما أشارت الصحيفة أيضًا إلى أن هذه "الصفقة " ليست الأولى من نوعها في العام الماضي، حيث وقعت شركة بلومبيرغ صفقة لإنتاج نسخة باللغة العربية من خدمة الأخبار المالية، في أيلول/ سبتمبر الماضي إذ أبرمت بلومبرغ والمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG) اتفاقية طويلة الأجل لإطلاق بلومبرغ العربية، وهي خدمة إخبارية مالية واقتصادية باللغة العربية.

ويبدو أن الأمر برمته يشبه صفقة "آر تي" الروسية في ثوبها البريطاني، حيث حاولت الصحافة الروسية أن ترتدي ثوب الليبرالية والحرية الصحفية، وكانت النتيجة أن الصحفيين البريطانيين كانوا يتركونها احتجاجًا على تحكم سُلطات عُليا في روسيا في المحتوى الصحفي المقدم، حيث اكتشف في النهاية أن "آر تي" ما هي إلا بوق للسلطات الروسية، وأجندتها السياسية، وهو أمر منطقي طالما أن الحكم الشمولي في روسيا هو سيد الموقف، أما المحاولات السعودية للتوسع في الإعلام الغربي، فهي محاولة لشراء مزيد من الأرض في معاركها للسيطرة على الإعلام الغربي بالمال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!

محمد بن سلمان.. قمع وابتزاز نحو العرش بمشورة حبيب العادلي!