11-ديسمبر-2017

خلال مزاد بيع اللوحة

بات واضحًا أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو من اشترى لوحة دافنشي بقرابة نصف مليار دولار، عن طريق صديقه الأمير بدر بن عبد الله الفرحان. المقال الآتي المترجم عن موقع بوسطن.كوم يشرح خلفيات عملية بيع اللوحة.


هو الأمير السعودي المعروف من فرعٍ بعيد من العائلة المالكة، مع الأخذ بالعلم أنه ليس من هُواة جمع الأعمال الفنية، وليس ثريًا مشهورًا. كان الأمير بدر بن عبد الله الفرحان آل سعود، هو المشتري الغامض للوحة ليوناردو دافينشي المسماة بـ"منقذ العالم/سالفاتور موندي" والتي بيعت بمبلغ 450.3 مليون دولار في مزادٍ علني الشهر الماضي.

 الأمير بدر عبد الله بن محمد الفرحان، هو المشتري الغامض للوحة ليوناردو دافينشي

تم الكشف عن المشتري عبر مستنداتٍ استعرضتها صحيفة نيويورك تايمز، الأسرار المثيرة لعالم الفن مع مؤامرات القصر في المملكة التي تهز المنطقة. وقد اشترى بدر بن الفرحان الصورة المثيرة للجدل، وغير المتوافقة مع المثل الإسلامية السلفية على الإطلاق، في الوقت الذي كانت فيه معظم النخبة السعودية، بما فيهم أفراد العائلة المالكة، تحت وطأة حملة واسعة النطاق ضد الفساد والإثراء الذاتي.

بدر بن عبدالله بن محمد الفرحان هو صديق ولي العهد البالغ من العمر 32 عامًا، الأمير محمد بن سلمان.

اقرأ/ي أيضًا: متحف الشمع.. التاريخ اللبناني يتراكض بين الغرف

وبالنظر إلى تلك الصفقة يتضح لنا جليًا انتقائية حملة التطهير. ورغم أن مؤيدي ولي العهد يصورونه كمصلح، ولكن حملة الاعتقالات الكبيرة تلك، قد أثارت قلق الغرب بشأن الاستقرار السياسي في المملكة النفطية، وكذا المدافعين عن حقوق الإنسان والمستثمرين. وقد قلب ولي العهد منهجية الحكام السعوديين السابقين في السلطة عبر بناء الولاء والإجماع داخل الأسرة المالكة. وقبل الكشف عن هذه الصفقة، عُرِف عن محمد بذخه وإسرافه، خاصةً بعد شرائه اليخت الروسي فودكا تيتان 440 قدمًا قبل عامين، بنصف مليار دولار.

وقالت متحدثة باسم دار المزاد التي باعت اللوحة، إنها لن تُعلق على هُويات المشترين أو البائعين دون إذنٍ منهم. وبدر بن عبدالله الفرحان لم يطلب التعليق. ولكن صحيفة "التايمز" تضغط من أجل الرد. وكتب فرع "متحف اللوفر أبو ظبي" بالإمارات، أن هذه اللوحة (ستأتي إليهم)، نظرًا للتحالف الوثيق بين ولي العهد السعودي، ونظيره في أبو ظبي.

وتكشف الوثائق المقدمة من داخل السعودية، والتي استعرضتها صحيفة "التايمز"، أن الممثلين عن بدر بن عبدالله الفرحان، لم يقدموه كمنافس حتى اليوم السابق لعملية البيع. فقد كان شخصية غير معروفة مما دفع المديرين التنفيذيين في دار المزاد للمسارعة إلى إثبات هويته وموارده المالية. وحتى بعد أن قدم وديعة بقيمة 100 مليون دولار للتأهل للمزاد، فإن محامي الدار طرحوا عليه سؤالين: "من أين حصل على المال؟ وما هي علاقته بالملك سلمان؟". رد بدر، من العقارات بدون تفصيل، وأخبرهم أنه واحد من بين الـ 5000 أمير، وفقًا لما ذكره مكتب المزاد، وبالوثائق.

وقبل أقل من أسبوعين، في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، بدأ ولي العهد حملة اعتقالات طالت أكثر من 200 من أغنى الأمراء، ورجال الأعمال، والمسؤولين الحكوميين. والمملكة تعاني منذ سنوات لانخفاض أسعار النفط، وكان محمد بن سلمان يسعى لاستعادة مئات مليارات الدولارات من مكاسب غير مشروعة.

تُمثل لوحة "سلفاتور موندي" أُبهةً في عالم الفن. والخبراء يتساءلون عما إذا كانت اللوحة حقيقية لليوناردو دافنشي، إذ كان البعض غير منبهر بها.

صاحب اللوحة السابق ديمتري ريبولوفليف، هو الملياردير الروسي الذي اشترى منزل دونالد ترامب في فلوريدا بـ 95 مليون دولار منذ عشر سنوات. وكان ديمتري ريبولوفليف قد دفع 127.5 مليون دولار للوحة في عام 2013 -أي أقل من ثلث سعر بيعها الحالي- ولا يزال في قضايا مع الوكيل الذي باعها له بهذا السعر الزهيد.

يسعى ابن سلمان لاستعادة مئات مليارات الدولارات من أمراء ورجال أعمال المملكة، وفي الوقت نفسه ينفق مئات ملايين الدولارت

بالنسبة لبدر بن عبدالله الفرحان، فدفع هذا المبلغ الهائل في لوحة للمسيح، يُمثل شيئًا من الحساسيات الدينية للمسلمين. إذ يؤمن المسلمون بأن المسيح لم يكن منقذًا بل نبيًا. وكثير من المسلمين -وخاصة رجال الدين في المملكة - يعتبرون التصوير الفني لأي من الأنبياء شيئًا محرمًا.

اقرأ/ي أيضًا: 10 أعمال فنية عالمية يجب على كل مهتم معرفتها

ويأتي بدر بن عبدالله الفرحان من فرعٍ غير معروف من العائلة المالكة، فرع فرحان، وهو الفرع الذي ينحدر من شقيق حاكم سعودي من القرن الثامن عشر. ولا يتبعون في نسبهم إلى مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز آل سعود. ولكن بدر هو رفيق لولي العهد محمد بن سلمان، إذ التحقا بجامعة الملك سعود بالرياض في وقتٍ واحد. وبعد أن تولى سلمان -81 عامًا- العرش في عام 2015، وعين محمد لإدارة الحكومة، فقد عين بدر بن عبدالله الفرحان في منصب رفيع المستوى ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة.

سيطر فرع سلمان على المجموعة السعودية للبحوث والتسويق، التي تنشر مطبوعاتٍ عدة كـ"صحيفة الشرق الأوسط" العربية. وبعد قرابة 30 عامًا من تمرير رئاسة المجموعة بين أفراد عائلة سلمان، تولى الأمير بدر بن عبدالله الفرحان منصب رئاسة المجموعة.

عين الملك سلمان أيضًا في شهر تموز/يوليو، الأمير بدر بن عبدالله الفرحان كرئيس للجنة المُشكلة حديثًا بقيادة الأمير محمد، لتطوير مدينة العلا، التي تحوي موقع أثري يأمل ابن سلمان أن تصبح مقصدًا سياحيًا.

وأشار بيانٌ حكومي عن اللجنة أن تطوير العُلا ضمن رؤية السعودية 2030 لولي العهد، وقد قام الأمير محمد بزيارة المدينة أثناء جولته في الصحراء، حسبما ذكرت "قناة العربية".

ووفقًا لموقع شركة "إنيرجي هولدينغز إنترناشونال"، التي تعمل في مجال الطاقة داخل السعودية، فقد تولى الأمير بدر بن عبدالله الفرحان رئاسة مجلس إدارة الشركة، ووُصف بأنه "واحد من أصغر رواد الأعمال في المملكة العربية السعودية". لم يتضح الآن ما إذا كان كانت الشركة لا تزال تعمل.

ووفقًا لسيرته الذاتية، فبدر بن عبدالله الفرحان أيضًا "رئيس اللجنة التأسيسية لائتلاف محلي حصل على ترخيص من المملكة لبناء شبكة الألياف البصرية، في -شراكة استراتيجية- مع شركة فيرايزون الأمريكية". ومن المعروف أن الأمراء السعوديين يستفيدون من تسهيل دخول الشركات الدولية إلى المملكة.

ووُصِف أيضًا بأنه أحد مؤسسي شركة كبيرة لإعادة التدوير وإدارة النفايات في المملكة. وقال الأمير بدر بن عبدالله الفرحان لدار المزاد بأن العقارات هي مصدر أمواله، وتقول سيرته الذاتية إنه "نشط في المشاريع العقارية في المملكة العربية السعودية ودبي وباقي دول الشرق الأوسط على مدى خمس سنوات"، بما في ذلك الشراكة مع بعض الشركات المعروفة.

والأمير بدر بن عبدالله الفرحان قد عمل مع ولي العهد في مشروع واحد على الأقل. ووفقًا لوصف المشروع، على موقع شركة برنت تومسون للمعمار -شركة يقع مقرها في مدينة لوس انجليس- يقوم المشروع على تصميم مجمع منتجعات بالقرب من جدة. ووفقًا لوصف الشركة فقد تألّف المشروع من سبعة قصور لأمراء من فرع عائلة الملك سلمان، حول مسطح مائي اصطناعي على شكل زهرة. "شكلت بتلات هذه الزهرة الاستوائية سلسلة من التجاويف المائية الخاصة لكل قصر، وشواطئ خاصة، ودار للضيافة وحدائق وأماكن لممارسة الرياضات المائية".

وعندما فُتِحت العطاءات في دار المزاد في نيويورك يوم 15 من تشرين الثاني/نوفمبر، شارك الأمير بدر بن عبدالله الفرحان عبر الهاتف، وحضر نيابةً عنه أليكس روتر، الرئيس المشارك لفن ما بعد الحرب والفن المعاصر في دار المزاد. وكان ما لا يقل عن ثلاثة آخرين يشاركون عبر الهاتف من خلال ممثلين في الغرفة. وقد تجمع كبار التجار وجامعي التحف من مختلف أنحاء العالم للمشاهدة.

بدأ المزاد بـ 100 مليون دولار، وكان هذا هو الحد الأدنى للمزاد. والسعر يزداد بمقدار 5 ملايين دولار في المرة، ثم بدأت تزيد بمقدار 10 ملايين دولار إلى 225 مليون دولار، متجاوزةً بذلك الرقم القياسي السابق، 179.4 مليون دولار التي دُفعت للوحة بيكاسو "نساء الجزائر" في عام 2015. ثم وصلت 260 مليون دولار، ولم يتبق سوى اثنين من المتنافسين، الأمير بدر بن عبدالله الفرحان، وشخص آخر ينوب عنه فرانسوا دي بورتيري، رئيس اللوحات الرئيسية القديمة في مؤسسة كريستيز.

بلغ السعر النهائي للوحة دافنشي التي اشتراها ابن سلمان 450 مليون دولار، تشتمل الرسوم الإضافية التي يدفعها المشتري

ثم بدأت الأرقام تزداد، بمقدار 2 مليون دولار. ولكن ما إن وصلت المزايدة حتى 330 مليون دولار، بدأ الأمير بدر بن عبدالله الفرحان برفع السعر بقوة. تعالت الصيحات في الغرفة عندما عرض 350 مليون دولار. ضحك الحشد على جرأة المثمن عندما قال إنه يبحث عن عرض آخر.

اقرأ/ي أيضًا: 3 تجارب سورية في الفن الرقمي

واستمر المزاد لمدة 19 دقيقة أخرى، حتى قام الأمير بدر بن عبدالله الفرحان بزيادة بقيمة 30 مليون دولار، ليصل السعر إلى 400 مليون دولار. حيث بلغ السعر النهائي 450 مليون دولار شاملًا الرسوم الإضافية التي يدفعها المشتري.

وقد أبلغ الأمير بدر بن عبدالله الفرحان الدار أنه يعتزم دفع المبلغ دفعةً واحدةً عند الانتهاء من البيع. ولكن في ضوء ارتفاع السعر تمت جدولة السعر على ستة أقساط شهرية. يُدفع كل شهر مبلغ 416.67 .585 .58 دولار لمدة خمسة شهور. على أن يُدفع القسط الأخير وهو 58،385،416.65 دولار، في يوم 14 من شهر أيار/مايو.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مارك شاجال.. ضد الجاذبية

فريد عمارة.. سحر البساطة