23-مارس-2021

تصعيد محتمل بين روسيا وإدارة بايدن (رويترز)

ردت وزارة الخارجية الروسية على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي هاجم فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال المقابلة التفلزيونية مع قناة ABC News الإخبارية الأمريكية، باستدعاء السفير الروسي في الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف للتشاور بشأن مستقبل العلاقات الروسية – الأمريكية، وذلك بعد أيام من صدور تقرير استخباراتي أمريكي يتحدث عن محاولة موسكو التأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب.

ما كان بارزًا في مقابلة بايدن إشارته إلى عدم إمكانية إنهاء التعاون بشكل كامل مع موسكو، حيثُ تتقاطع مصالح قطبي الحرب الباردة في العديد من الملفات الدولية

بايدن مهاجمًا بوتين.. "سيدفع الثمن"

كان من المفترض أن يكون ظهور بايدن في المقابلة التلفزيونية مع المعلق السياسي جورج ستيفانوبولوس للحديث عن سياساته الداخلية والخارجية بشكل واسع، لكن المقابلة تحولت في واحد من فصولها المثيرة إلى مناقشة الأمن القومي للولايات المتحدة، بعد التقرير الذي صدر عن مكتب المخابرات الوطنية الأمريكية متهمًا موسكو بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، وذلك بالتزامن مع موعد مقابلة بايدن التلفزيونية.

اقرأ/ي أيضًا: جولة جديدة من التوتر بين واشنطن وموسكو

وكما كان متوقعًا، خصص الرئيس الديمقراطي وقتًا كافيًا في مقابلته لمهاجمة بوتين، مؤكدًا على أن الرئيس الروسي "سيدفع الثمن"، قبل أن يضيف مستدركًا بأنه أخبر بوتين خلال مناقشات سابقة جرت بينهما بأنه يجب على موسكو الاستعداد للتداعيات الدبلوماسية إذا ما ثبتت "مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات".

ما كان بارزًا في مقابلة بايدن إشارته إلى عدم إمكانية إنهاء التعاون بشكل كامل مع موسكو، حيثُ تتقاطع مصالح قطبي الحرب الباردة في العديد من الملفات الدولية، كما الحال مع سوريا ممثلةً الخط الساخن الذي أنشئ لتفادي التصادم الجوي بين المقاتلات الحربية، فقد شدد بايدن في خصوص التعاون مع موسكو على وجود "العديد من المواضيع التي تقتضي مصلحتنا المشتركة العمل فيها معًا"، وكان من بينها تمديد معاهدة ستارت 3 للحد من الأسلحة النووية مطلع العام الجاري.

بوتين يدعو بايدن للنقاش على الهواء مباشرة

على عكس المتوقع كان رد الرئيس الروسي أكثر دبلوماسيةً على تصريحات نظيره الأمريكي، بعدما صرح في مقابلة تلفزيونية "نحن نعرف بعضنا البعض بشكل شخصي"، وتابع متسائلًا: "كيف أرد عليه؟"، قبل أن يضيف موجهًا حديثه لبايدن: "أود أن أقول: كن بخير"، وظهرت دبلوماسية الرئيس في الرد على هجوم بايدن حين أضاف بأن "كل أمة وكل دولة لديها أحداث صعبة ودرامية ودموية في تاريخها"، إلا أنه "عندما نقوم بتقييم الأشخاص الآخرين أو حتى عندما نقوم بتقييم الدول الأخرى والدول الأخرى، فنحن دائمًا كمن ينظر في المرآة ويرى نفسه فيها".

وفي تصريحات يبدو أنها كانت مفاجئة، اتخذ بوتين واحدة من الخطوات التي وصفتها الصحافة الأمريكية بأنها "غير تقليدية"، بعدما وجه لبايدن دعوة من أجل إجراء مناقشة على الهواء مباشرة، فقد قال بوتين خلال مقابلته التفلزيونية: "أود أن أقترح على الرئيس بايدن مواصلة مناقشاتنا لكن شريطة أن نقوم بذلك عمليا على الهواء مباشرة.. لكن بدون تأخير.. وإنما في محادثة صريحة ومباشرة"، دون أن يقترح أي أجندة أو صيغة للمناقشة، لكنه وصفها بأنها ستكون "مثيرة للاهتمام للشعبين الروسي والأمريكي".

لكن مقترح الرئيس الروسي قوبل برد أمريكي يُظهر أن الإدارة الأمريكية تجري تقييمًا أو دراسة بخصوص إمكانية إجراء مثل هذه المناقشة، حيثُ قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي في معرض ردها على سؤال مرتبط بمقترح بوتين: "ليس لدي أي شيء أبلغكم به فيما يتعلق بالاجتماع المستقبلي"، بينما وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف المقترح الروسي بأنه "محاولة للحفاظ على العلاقات الثنائية" بين البلدين.

أصوات روسية تطالب بالتصعيد مع واشنطن

المتتبع لمسار التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الروس بعد تداول تصريحات بايدن الأخيرة على نطاق واسع، في مقابل النبرة الهادئة التي ظهرت في رد بوتين، يمكنه ملاحظة اتجاه بعض الأصوات في موسكو للتصعيد وهو ما انعكس في إعلان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن استدعاء السفير الروسي في واشنطن يأتي في إطار التشاور لبحث سياق العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.

ولعلّ أبرز الردود الروسية على تصريحات بايدن، أو أكثرها لفتًا للأنظار لما يمكن أن تقدمه من ترجيحات لمستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كان قد جاء في تغريدة النائب الروسي أليكسي بوشكوف التي توقع فيها تخفيض العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن.

فقد اعتبر بوشكوف في معرض تعليقه على استدعاء السفير الروسي أن "مثل هذه الخطوة استثنائية في الدبلوماسية"، لافتًا إلى أن "الخطوة التالية هي سحب السفير وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية"، ومؤكدًا على أن موسكو "عازمة بشكل واضح على إعادة تقييم جوانب العلاقات بشكل كامل مع الولايات المتحدة".

وتبدو تغريدة بوشكوف متناغمة مع موقف الكرملين الذي وصف تصريحات بايدن بأنها "سيئة للغاية"، قبل أن يوضح في بيان نقل على لسان بيسكوف في صيغة تصريحات تلفزيونية أن الإدارة الأمريكية الجديدة أظهرت أنها بالتأكيد لا تخطط لتحسين العلاقات مع روسيا، موضحًا أن موسكو ستنطلق من هذا المبدأ عند التعامل مع واشنطن، بعد تقييمها للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال المشاورات التي ستجريها مع سفيرها في واشنطن.

من نافالني إلى التقرير الاستخباراتي الأمريكي

ترجع بداية التوترات الدبلوماسية بين البلدين إلى ما قبل تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، وتحديدًا القضية المرتبطة بعقوبة السجن الصادرة بحق الناشط السياسي أليكسي نافالني، التي تحولت من عقوبة مع وقف التنفيذ إلى عقوبة فعلية عليه أن يقضي بموجبها ما يزيد عن عامين ونصف العام في أحد السجون الروسية، وذلك بعدما قامت السلطات الروسية باعتقاله في أحد مطارات موسكو عند عودته من برلين، حيثُ كان يخضع للعلاج بعد نجاته من محاولة اغتيال بسم الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفيتية.

فقد ردت إدارة بايدن بالاشتراك مع التكتل الأوروبي على محاولة تسميم نافالني فضلًا عن عقوبة السجن بفرض عقوبات اقتصادية على مجموعة من الأفراد والكيانات الروسية، التي يفترض أنه كان لها دور في محاولة تسميم نافالني، وبحسب ما نقلت وسائل إعلام عديدة فإن العقوبات استهدفت سبعة مسؤولين، بمن فيهم مدير جهاز الأمن الفيدرالي النافذ ألكسندر بورتنيكوف، وكذلك فرضت عقوبات على 14 كيانًا لديها صلة بإنتاج مواد كيميائية.

وبرز التطور الأكبر في العلاقات بين البلدين بعد التقرير الاستخباراتي الأمريكي المكوّن من 15 صفحة، فقد أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن الحكومة الروسية حاولت "بث مزاعم مضللة أو لا أساس لها" خلال الحملة الدعائية لانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وأشاروا إلى أن الحملة نظمت عبر حلفاء الرئيس السابق ترامب، وأعضاء من إدارته أيضًا.

فيما ذكر التقرير الاستخباراتي أن الرئيس الروسي أصدر تفويضًا مرتبطًا بتنفيذ عمليات تأثير كانت تهدف إلى الإضرار بترشيح بايدن ودعم منافسه ترامب، لكن القراصنة الروس لم يبذلوا جهودًا حثيثة لاقتحام البنية التحتية الانتخابية على عكس الانتخابات السابقة، كما سلط التقرير الضوء على مزاعم بأن حلفاء ترامب كانوا قد عملوا لصالح موسكو من خلال تضخيم المزاعم ضد بايدن من شخصيات أوكرانية مرتبطة بروسيا في الفترة التي سبقت الانتخابات.

واشنطن تهدد موسكو بفرض المزيد من العقوبات

تشير غالبية التصريحات الصادرة عن مسؤولي الإدارة الأمريكية الحالية إلى أن واشنطن ستمضي إلى تصعيد موقفها السياسي اتجاه روسيا، وهو ما انعكس في تصريحات السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض حين حذرت من أن إدارة بايدن ستفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وحددت توقيتها بأنه سيكون خلال الأسابيع القادمة، وأوضحت بساكي أن العقوبات الجديدة ستكون نتيجة التأثير المحدود للعقوبات الأمريكية التي فرضت ضد روسيا في عام 2014، بعد إعلان موسكو ضمها لشبه جزيرة القرم، حيثُ لا تزال موسكو تحتفظ بسيادتها على القرم بعد سبع سنوات من العقوبات.

وتتوافق تصريحات بساكي مع تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية نقل عن شخصيّن مطلعيّن على الملف الروسي داخل إدارة بايدن، أن الإدارة الأمريكية تتجه لفرض عقوبات اقتصادية جديدة تستهدف الطبقة الأوليغارشية الروسية، إضافة لشخصيات أخرى توصف بأنها مقربة من بوتين، لكن التوقعات تشير إلى أن العقوبات لن يكون تأثيرها كبيرًا، بسبب عدم وجود حسابات مصرفية للأسماء المستهدفة في العقوبات داخل الولايات المتحدة، كما أنهم يتجنبون دخول الأراضي الأمريكية.

لكن على الطرف الآخر أعادت مهاجمة بايدن لبوتين خلال المقابلة التلفزيونية تسليط الضوء للجمهور الروسي على الخلاف بين موسكو والدول الغربية، في ظل الاحتقان الشعبي المتزايد من الأزمة الاقتصادية التي تضرب روسيًا أولًا، وتفشي الفساد على نطاق واسع داخل المؤسسات الرسمية ثانيًا، لكن عند النظر لاستطلاعات الرأي نجد أن ثقة الروس بسياسة بوتين الخارجية أكبر بكثير مما تظهر عليه بشأن السياسات الداخلية.

ويبرز فيما وراء الخلاف الأمريكي – الروسي المتصاعد حديثًا الإشارة المباشرة في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى مشروع خط أنابيب السيل الشمالي-2 (نورد ستريم-2) الذي يُنفذ بين روسيا وألمانيا، والذي يهدف إلى تزويد القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي الروسي، إذ وفقًا لمخطط المشروع فإن خط السيل الشمالي-2 من المفترض أن يمر تحت بحر البلطيق متجاوزًا أوكرانيا التي لديها أساسًا خلافات حادة مع السياسات الروسية.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: السياسة الخارجية لإدارة بايدن.. المقاربة الفكرية والملامح الرئيسة

ويرى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أن المشروع في حال تنفيذه سيمنح موسكو سيطرة أكبر على قطاع الطاقة في أوروبا، إضافة لحرمانه السلطات الأوكرانية من مليارات الدولارات التي يجب أن تحصل كرسوم على نقل الغاز، وهدد بلينكن في وقت لاحق من أن واشنطن ستفرض عقوبات على الشركات المساهمة في بناء السيل الشمالي-2، لافتًا إلى أن وزارة الخارجية تقوم بتقييم "المعلومات المتعلقة بالكيانات التي يبدو أنها متورطة" في المشروع.

تشير غالبية التصريحات الصادرة عن مسؤولي الإدارة الأمريكية الحالية إلى أن واشنطن ستمضي إلى تصعيد موقفها السياسي اتجاه روسيا

وبحسب ما يرى مدير مركز كارنيغي للأبحاث الإستراتيجية في موسكو ديمتري ترينين فإن العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن من المتوقع أن تشهد تصاعدًا في التوتر خلال السنوات القادمة، ويشدد ترينين في هذا الصدد على "تجنب (نشوب) صراع عسكري غير مقصود" بين الطرفين، مضيفًا أن موسكو وواشنطن لديهما قنوات الاتصال اللازمة، لذلك فإنه "من الضروري منع الحوادث المحتملة"، وأضاف بأنه حتى في حال حدوث مثل هذه الحوادث فإنه يجب إنهاؤها بشكل فوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 ما الذي يريده بوتين حقًا من اتفاقه مع ترامب حول سوريا؟