24-فبراير-2024
إقامة منطقة أمنية في غزة

(Getty) سوف يشمل الحزام نقاطًا عسكريّة وطرقًا معبّدة ووسائل مراقبة

أكدت منظمة "بتسيلم"، قيام الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بالعمل على إنشاء حزام "أمنيّ" داخل أراضي قطاع غزّة. وبناءً على تقديرات وسائل الإعلام، يُفترض أن يبلغ عرض هذا الحزام نحو كيلومتر واحد ويمتدّ على كامل الحدود التي يبلغ طولها نحو ستّين كيلومترًا. 

وأضافت: "سوف يشمل الحزام نقاطًا عسكريّة وطرقًا معبّدة ووسائل مراقبة. ولن يكون بمستطاع الفلسطينيّين الدّخول إلى نطاق الحزام، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يُقيمون في هذه المنطقة قبل الحرب أو كانوا يفلحون فيها المناطق الزراعيّة".

وأشارت بتسيلم، إلى أنه ومن أجل "تحقيق هذا الهدف" تعمل إسرائيل على "هدم كلّ ما يوجد في المنطقة المخصّصة للحزام الأمنيّ من مبانٍ سكنيّة ومبانٍ عامّة، بما في ذلك المدارس والعيادات والمساجد والحقول الزراعيّة والكروم والدفيئات".

لا تعترف إسرائيل بشكلٍ رسمي، بإقامة المنطقة العازلة في قطاع غزة، ولكنها تعمل عليها على الأرض 

ووصف أحد جنود جيش الاحتلال المنخرطين في هذه العمليّات كيف "جرى دك كلّ شيء" بالمكان. ووفقًا لشهادات جنود احتياط، لا يجري الهدم بناءً على "معلومات استخبارتيّة أو نتائج عُثر عليها في الموقع وإنّما بهدف إخلاء مساحة لغرض إنشاء الحزام الأمنيّ".

ووفق ما يرد: "تنجو من الهدم فقط مباني وكالة الغوث أو منشآت تبرّع بها الاتحاد الأوروبيّ، مثل خزّانات المياه ومرافق معالجة مياه الصّرف الصحّي".

وتوضح "بتسيلم": "بناءً على تحليل أجراه لصور الأقمار الصناعيّة ذكر عَدي بن نون من قسم الجغرافيا في الجامعة العبرية أنّ إسرائيل هدمت 1072 مبنى حتى تاريخ 17 كانون الثاني/يناير من العام الجاري، من أصل 2824 مبنى يبعُد عن الحدود كيلومترًا واحدًا أو أقلّ، معظمها مبانٍ سكنية". 

ويضيف بن نون، أنّ المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالمباني توجد بالقرب من خان يونس، حيث جرى هدم 704 من أصل 1048 مبنى يقع ضمن النطاق المذكور، أي نحو 70% من المباني. وذكر كلّ من كوري شير من جامعة مدينة نيويورك وجيمون فان دن هوك من جامعة أوريجون أنّ الأرقام أعلى من ذلك، وأنّ "عدد المباني التي هُدمت في المنطقة المخصّصة للحزام الأمنيّ لا يقلّ عن 1329 مبنى".

وأوضحت "بتسيلم": "يجسّد الدّمار في بيت حانون هذه السياسة التي تتّبعها إسرائيل، إذ يُمكن أن نرى في صور الأقمار الصّناعيّة تدمير حيّ بأكمله كان يشتمل على أكثر من 150 مبنى سكنيًّا ومدارس ومستشفيين، وكانت المنطقة محاطة بمساحات زراعيّة قد جرى تدميرها كلّها. مثال آخر على هذه السياسة هو هدم بلدة خُزاعة الواقعة مقابل كيبوتس نير عوز، وكانت منازلها الأقرب إلى الحدود. لقد هدم الجيش الإسرائيلي جميع المباني التي كانت في خُزاعة بما فيها منازل ومسجد ودفيئات زراعيّة وكذلك الأراضي الزراعيّة التي كانت تحيط بها".

لا اعتراف

وتشير المنظمة الحقوقية، إلى أن "إسرائيل، رسميًّا، لا تعترف بأنّها تعتزم إنشاء حزام أمنيّ على امتداد الحدود، إذ يكرّر الناطق بلسان الجيش الإسرائيليّ وجهات رسميّة أخرى أنّ أعمال الهدم الموسّعة سببها تصرّفات حماس وأنّ جميع أعمال الهدم التي طالت المنازل والطرق والأراضي الزراعيّة تستهدف البُنية التحتيّة للإرهاب".

وبناءً على التصريحات الإسرائيلية، قالت "بتسيلم": "التصريحات الرسميّة توضح أنّ إسرائيل تعتبر إنشاء الحزام الأمنيّ جزءًا من منظومة دفاعيّة لحماية بلدات الجنوب وأنّ هذه ضروريّة لتمكين سكّانها من العودة إلى منازلهم". 

وأشارت بتسيلم، إلى تصريحات قائد هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي الذي قال: "إنّ الغاية من هذه الأنشطة هي خلق شروط أمنيّة تُتيح عودة آمنة لسكّان غلاف غزّة". كذلك قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيليّ إنّ "هدم المباني غايته توفير الشروط الأمنيّة المطلوبة لإتاحة عودة سكّان الجنوب إلى منازلهم".

وعن ما سبق، قالت المنظمة الحقوقية: "هذه الغاية لا تبرّر التدمير الشامل داخل قطاع غزّة وإنشاء حزام أمنيّ. أعمال الهدم التي تنفّذها إسرائيل لتحقيق هذه الغاية محظورة وتشكّل جريمة حرب إذ تنفّذ كوسيلة وقائيّة غايتها مجابهة خطر مستقبليّ، والهدم لسبب كهذا ممنوع منعًا باتًّا".

وتوضح "بتسيلم": "القانون الإنسانيّ الدوليّ، الذي يحدّد ما هو مسموح وأكثر من ذلك ما هو ممنوع، يسمح للأطراف المتحاربة أن تُلحق أضرارًا بأهداف عسكريّة. والهدف العسكريّ يُعرّف بمحدّدين اثنين: أن يُسهم مساهمة فعالة في عمليّة عسكريّة وأن يحقّق المسّ به أفضليّة عسكرية واضحة للطرف المُهاجم. من هنا ينبغي أن يُفحص عينيًّا فيمَ كانت تُستخدم المباني والمناطق التي هُدمت، لا أن تُفحص احتمالات استخدامها مستقبلًا".

وأضافت: "هدم ممتلكات خاصّة مسموح فقط في حالات استثنائيّة جدًّا. أمّا هدمُها بهدف الرّدع أو الترهيب أو الانتقام من السكّان المدنيّين أو بهدف إحداث أضرار دائمة أو طويلة الأمد فهو محظور بنصّ صريح. إضافة إلى ذلك فإنّ الهدم على النطاق الموسّع الذي تنفّذه إسرائيل يخالف أحد المبادئ الأساسيّة للقانون الإنسانيّ الدوليّ، ونقصد مبدأ التناسبيّة الذي يحظر أيّة عمليّات تُلحق بأناس لم يشاركوا في القتال وبممتلكاتهم أضرارًا مُفرطة أو مبالغًا فيها نسبة إلى الميزة العسكريّة المتوقّعة من هذه العمليّات".

واستمر بيان "بتسيلم"، بالقول: "إنشاء الحزام الأمنيّ في غزّة ليس فكرة جديدة لدى إسرائيل. قبل الحرب أيضًا كان الجيش يفرض قيودًا على دخول الفلسطينيّين إلى الأراضي الممتدة حتى مسافة 300 متر من الشريط الحدوديّ إذ عرّفها مناطق محظورة يُمنع الدخول إليها. في الواقع لم يحدث أبدًا أن أعلنت إسرائيل هذه السياسة بشكل رسميّ، ولم تكلّف نفسها عناء التوضيح للفلسطينيّين أيّ الأراضي بالضبط هي التي يُحظر دخولهم إليها. لكنّ الجيش كان يطبّق هذا الحظر بواسطة تعليمات إطلاق النار التي تسمح بإطلاق النار على الفلسطينيّين المتواجدين داخل هذه الأراضي، حتى إذا لم يشكّلوا خطرًا على أحد. والنتيجة أنّه منذ تنفيذ خطّة الانفصال في أيلول/سبتمبر 2005 وحتى 6 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وبدون الحروب، قُتل في هذه الأراضي ما لا يقلّ عن 88 فلسطينيًّا، وكلّهم لم يشاركوا بأيّ قتال. كذلك طبّق الجيش هذا الحظر بواسطة رشّ المزروعات المجاورة للشريط الحدوديّ بالموادّ الكيماويّة".

وأوضحت "بتسيلم": "لقد غيّرت هذه السياسة الإسرائيليّة ملامح المنطقة: قبل فرض الحظر كان السكّان يزرعون في هذه الأراضي أشجار الفاكهة، وحتى أنّ بعض الأراضي كان يُستخدم كمراعٍ للأغنام والأبقار. ثمّ بسبب سياسة إسرائيل انتقل المزارعون إلى زراعة محاصيل تتطلّب عناية أقلّ ولا يحجب ارتفاعها مجال رؤية الجيش، إذ كانت هذه ذريعته دائمًا. في الوقت الحاضر تنتشر في هذه الأراضي المزروعات البعليّة التي لا تحتاج الريّ، ومنها القمح والشعير والفاصولياء والخضروات".

هدم الجيش الإسرائيلي جميع المباني التي كانت في خُزاعة بما فيها منازل ومسجد ودفيئات زراعيّة وكذلك الأراضي الزراعيّة التي كانت تحيط بها

وتابع بيان "بتسيلم": "وجود الحزام الأمنيّ داخل أراضي قطاع غزّة سوف يغيّر إلى حدّ بعيد الواقع الذي أنشئ في المنطقة وسوف تترتّب عليه آثار بعيدة المدى. ووجود الحزام الأمنيّ سوف يقلّص مساحة قطاع غزّة وهي أصلًا من المناطق الأكثر اكتظاظًا في العالم. آلاف السكّان لن يستطيعوا العودة إلى منازلهم، وسوف تدمّر تجمّعات بأكملها وتُباد حيوات بُنيت هناك على مدار سنين. إلحاق أضرار بمساحات زراعيّة واسعة سوف يمسّ بقدرة سكّان قطاع غزّة على إنتاج الغذاء لأنفسهم ويحرم المزارعين من كسب رزقهم ويقوّض المستقبل الغذائيّ لسكّان القطاع".

نتنياهو والمنطقة العازلة

يشار إلى أن وسائل إعلام إسرائيلية، نشرت خطةً، عرفت باسم "خطة نتنياهو لليوم التالي"، جاء فيها أن جيش الاحتلال سوف يستمر في عدوانه على غزة حتى "تحقيق الأهداف المرسومة"، بالإضافة لإقامة منطقة أمنية عازلة داخل أراضي القطاع المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة. كما شددت الوثيقة على أنّ " المنطقة ستظل موجودة ما دامت الحاجة تدعو إلى ذلك".

أما في جنوب غزة فتعتزم إسرائيل الإبقاء على ما تصفه بـ"الإغلاق الجنوبي" على الحدود بين غزة ومصر، وستعمل هناك "قدر الإمكان"، بالتعاون مع مصر وبمساعدة الولايات المتحدة، لمنع "إعادة تسليح الفصائل في قطاع غزة"، بحسب زعمها.