24-يناير-2024
منطقة أمنية عازلة في قطاع غزة

(Getty) يسعى جيش الاحتلال إلى تدمير المنازل القريبة من المنطقة الحدودية على طول قطاع غزة

أبرز مقتل 21 جنديًا من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية تلغيم للمنازل في مخيم المغازي، قضية المنطقة العازلة، التي تعمل إسرائيل على فرضها كـ"أمر واقع" على الأرض تحت ستار العدوان الدموي على القطاع المحاصر. إذ تسعى إسرائيل من خلال تدمير مئات المنازل القريبة من المنطقة الحدودية، إلى فرض منطقة فارغة من المنازل وأهالي غزة، من أجل تحويلها إلى "شريط أمني".

ويدرك المتابع للصور التي تصل من قطاع غزة، وتلك التي ينشرها جيش الاحتلال، عن تفجير المنازل وعمليات الهدم، مباشرته في إنشاء منطقة عازلة، بدون إعلان رسمي عنها، فيما تؤكد معظم التحليلات الإسرائيلية، هذه النقطة.

رفضت إسرائيل الإقرار الفعلي بإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة، رغم تدليل كافة المعطيات على تنفيذها على الأرض

وجاء أول إقرار فعلي في إنشاء المنطقة العازلة، من خلال محادثة لمسؤولين إسرائيليين مع صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد مقتل الجنود 21 في المغازي وسط قطاع غزة، إذ أشارت المصادر إلى أن الجنود كانوا يعملون على تفجير 10 منازل في المنطقة و"الهدف هو إنشاء منطقة عازلة يبلغ عرضها حوالي نصف ميل على طول الحدود مع غزة التي يبلغ طولها حوالي 36 ميلًا".

وقال مسؤولون إسرائيليون إن "المنطقة العازلة ستجعل من الصعب على النشطاء من غزة تنفيذ هجوم آخر عبر الحدود مثل الهجوم الذي وقع في تشرين الأول/أكتوبر".

ومع ذلك، تتحدث المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل بلغة "معقمة" عن الأمر، إذ قال المتحدث باسم جيش الاحتلال  دانييل هاغاري للصحفيين يوم الثلاثاء، إن الجنود الذين قتلوا شاركوا في عملية "لتهيئة الظروف الأمنية لعودة سكان الجنوب إلى منازلهم". 

وينفذ الاحتلال هذه العملية، بمسح مربعات سكنية كاملة، وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن الملائم بالاكريشنان راجاجوبال، إن التدمير المنهجي للمنازل الحدودية الفلسطينية يمكن أن يشكل جريمة حرب لأنها لا تشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل.

وأضاف الخبير في القانون والتنمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا راجاجوبال: "ببساطة لا يوجد أي نص في اتفاقيات جنيف بشأن ما تفعله إسرائيل على طول الحدود، وهو نوع من التطهير الوقائي للممتلكات".

واستمر في القول: "يمكن لإسرائيل أخذ خطوة لكل عقار على حدة، ولكن ليس على نطاق واسع عبر الحدود بأكملها. إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، ملزمة بعدم المشاركة في ما يسمى التدمير العشوائي للممتلكات".

وفي تعليق على هذه القضية، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: "لا نريد أن نرى تقليص مساحة غزة بأي شكل من الأشكال". 

وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي في أبوجا بنيجيريا، أن إدارة بايدن قد تكون منفتحة على "الترتيبات الانتقالية"، مشيرًا إلى رفض أي تغير دائم في حدود قطاع غزة.

وألمح وزراء الحكومة الإسرائيلية، إلى خطط لإنشاء مثل هذه المنطقة منذ الأسابيع الأولى من الحرب على غزة، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين: إنه بعد الحرب "ستتقلص مساحة غزة أيضًا".

وبعد أيام، تحدث وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر، عن إنشاء "منطقة فارغة" على طول حدود غزة، وقال ديختر: "بغض النظر عمن أنت، فلن تتمكن أبدًا من الاقتراب من الحدود الإسرائيلية".

مشكلة أكثر من فائدة

في السياق نفسه، نقل الصحفي الإسرائيلي أنشيل بفيفز، عن ضابط في إحدى كتائب الاحتياط من جيش الاحتلال كانت في شمالي القطاع، وقال "هذه [المنطقة العازلة] كانت واحدة من مهماتنا منذ بداية الحرب، عندما عالجنا مبانيَ مشبوهة وأنفاقًا، كذلك الاهتمام بأنّ المناطق الأكثر قربًا من الحدود ستبقى مكشوفة". 

وأضاف ضابط آخر من جيش الاحتلال: "الأمر مصنّف كمهمة قيادية. أحيانًا تكلّف بها القوة التي تعمل في المنطقة، وأحيانًا ترسل قيادة المنطقة الجنوبية وحدات أخرى لمعالجة [أي: هدم] المباني التي تبقّت في المنطقة العازلة".

وعلق بفيفز على هذه الخطة بالقول: "بينما وصل بناء المنطقة العازلة، أو القطاع الأمني المحيط، إلى مراحل متقدّمة، من غير الواضح لقادة القوات العاملة في غزة كيف ستعمل وإن كانت لها فائدة أمنية فعلية تتجاوز حقيقة أن سكان الغلاف، لن يروا من نوافذهم الغزيين".

وذكّر الصحفي الإسرائيلي بالمنطقة الأمنية العازلة التي أسّسها جيش الاحتلال في لبنان عندما احتله، مشيرًا إلى الانقسامات التي وقعت حول فاعلية هذه المنطقة.

وأضاف: "المنطقة العازلة ستصعب على حماس تنفيذ هجوم مثل السابع من أكتوبر، أو إطلاق نار مباشر من سلاح خفيف وصواريخ مضادة للدروع، لكنه لن يمنع تهديد الصواريخ أو راجمات حماس والجهاد".

واستمر في القول: "طريقة نشر الجيش داخل المنطقة العازلة هذه غير واضحة بعد، خصوصًا بعد تخفيض عدد القوات البرية في عمق القطاع. والإمكانية الأولى هي إنشاء مواقع عسكرية، قد تجد نفسها بسرعة هدفًا للنيران من راجمات وصواريخ، أو من تحت الأرض عبر أنفاق لم يكشف عنها ولم تدمّر بعد. وهنا سيكون الواقع أقرب إلى محور فيلادلفي في السنوات الدامية لما قبل الانفصال عن غزة. وإمكانيّات أخرى، هي تسيير دوريات لقوات متحركة، ستكون هي الأخرى مكشوفة لكمائن صاروخية"، متابعًا القول: "مصادر في الجيش الإسرائيلي ذكرت أنه منذ الانفصال عن غزة، حاولوا أكثر من مرّة إنشاء منطقة كهذه، بعرض 300 كيلومتر عن الجدار الحدودي، لكن مع الوقت استصعب الجيش فرض القيود".

تعتبر تحليلات إسرائيلية، تنفيذ جيش الاحتلال لمنطقة عازلة في قطاع غزة، تعبيرًا عن غياب استراتيجية واضحة لـ"اليوم التالي"

وتابع الصحفي الإسرائيلي في مقالته بصحيفة "هآرتس"، عرض المعيقات أمام إنشاء دولة الاحتلال لهذه المنطقة، قائلًا: "هناك أيضًا المسألة البسيطة للقانون الدولي الذي من المحتمل أن يُصعّب على الجيش هدم كافة المباني في المنطقة العازلة، خصوصًا في الأيام التي تتعامل فيها إسرائيل مع اتهامات بإبادة شعب وجرائم حرب في لاهاي. وهناك احتمال منخفض، لأن يقبل الادعاء الإسرائيلي، بأن كافة المباني القريبة من الجدار استخدمتها حماس لأهداف عسكرية، أو من المحتمل مستقبلًا أن تستخدم كقاعدة. ووجود الجيش داخل القطاع، حتى عندما تنتهي مرحلة القتال في خانيونس، ستصعّب أكثر على إسرائيل الالتزام بالشروط التي وضعتها إدارة بايدن، التي تشمل خروجًا مطلقًا من كافة أرجاء قطاع غزة".

ووصل بفيفز إلى خلاصة، وهي أن المنطقة العازلة على قطاع غزة، وتنفيذ الجيش الإسرائيلي لها، يرتبط في غياب استراتيجية إسرائيلية واضحة، حول ما يوصف بـ"اليوم التالي للحرب على غزة"، مما يدفع جيش الاحتلال إلى "حل" أمني، أكثر منه استراتيجي.