30-يناير-2017

ارتفاع حالات الاكتئاب والانتحار في مصر مؤخرًا حسب بعض المختصين (Getty)

بعد أن كان المصريون مضرب الأمثال في الضحك والترويح عن النفس والتحايل على قسوة الحياة، أصبحوا مثالًا للحزن والكدر والتدهور المعنوي، فهناك أكثر من 15 مليون مصري مصابون بالاكتئاب، بحسب إحصائية صادرة عن منظمة الصحة العالمية وأكدتها دراسة حديثة بجامعة عين شمس انتهت إلى أن 17% من المصريين مرضى نفسيون، كما أشارت عدة بحوث علمية أجريت مؤخرًا إلى انخفاض اللياقة النفسية لدى المصريين، وهو ما أدى إلى تخصيص منح أجنبية لتدريب القائمين على شؤون الصحة النفسية في مصر، فلماذا أصبح المصريون فريسة للاكتئاب؟.

أكثر من 15 مليون مصري مصابون بالاكتئاب، حسب إحصائية صادرة عن منظمة الصحة العالمية

الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، يقدِّر أعداد المصابين بالاكتئاب في مصر بـ1.5 مليون شخص، ويضيف أن مرض الاكتئاب يحتل المرتبة الثالثة كأعلى الأمراض في نسب الإصابة بعد الأمراض التنفسية والنزلات المعوية، ثم الاكتئاب، لافتًا إلى أنه بحلول عام 2030 سيحتل الاكتئاب المرتبة الأولى في نسب الإصابات والانتشار، يليه أمراض القلب ثم حوادث السيارات وجلطات المخ. ويقول عكاشة إن غالبية أعراض مرض الاكتئاب عادة تكون آلامًا جسدية، وهو ما يدفع نسبة كبيرة من مرضى الاكتئاب للذهاب إلى أطباء في تخصصات مختلفة غير نفسية، وتشمل هذه الآلام والأعراض الصداع وتشوّش النظر وآلام الظهر والمفاصل، ولهذا تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أكثر من الرجال.

اقرأ/ي أيضًا: مرض الاكتئاب..حاضر نتقن إنكاره

بينما تُرجع الدكتورة سامية نجاتي، أستاذ علم النفس، اكتئاب المصريين إلى الأنماط الغذائية للمصريين وتقول في حديثها لـ"ألترا صوت": "غذاء المصريين يساعد بالفعل على الاكتئاب، فهناك في كل دول العالم اهتمام بالغ بالطعام كوسيلة للبهجة والصحة البدنية، التي هي أساس الصحة النفسية، ففي دولة مثل كندا مثلًا توجد في الصيدليات أجهزة لقياس نبض الإنسان وضغطه النفسي وقدرته على الحياة، وفي فرنسا يشيرون إلى وجود أطعمة مثيرة للبهجة، ولكننا في مصر لا نعرف ماذا نأكل بل وغذاؤنا الفاسد يعد سببًا للاكتئاب، فالمبيدات السامة احتلت غذاءنا وبالتالي معدتنا".

ويرى الدكتور منير إبراهيم، عضو الجمعية العالمية للطب النفسي، أن المشكلة أخطر مما نتصور ويرى أن ما يقارب 40% من الشعب المصري مصابون بالاكتئاب لأسباب اقتصادية على الأغلب، ويقول لـ"ألترا صوت": "الاكتئاب مرض يجعل الإنسان ينعزل عمن حوله ولو داخليًا وينظر للحياة بأسلوب متشائم، والسبب الرئيسي يرتبط بأن المواطن المصري "شايل الهمّ" منذ أن يستيقظ ويفتح عينيه وحتى ينام، بل وربما أثناء نومه تطارده كوابيس لقمة العيش وكيف ينفق راتبه البسيط على المأكل والملبس".

وبالحديث عن أسباب ذلك التراجع النفسي للمصريين وتأثيره، يقول إبراهيم: "لقد حدث خلل في حياتنا الاجتماعية وصرنا لا نستطيع أن ننظر لبعضنا البعض بسبب حياتنا السريعة والمتطلِّبة ونتيجة ذلك أصابنا ضعف شديد وظهرت النزعة الفردية في حياتنا وتقطّعت السبل بمن نحبهم، فكان من الطبيعي أن يُصاب الأفراد بالاكتئاب الذي قد يودي بحياة البعض".

ووفقًا للإحصاءات الحكومية، تستقبل المراكز المتخصصة في مصر حالات انتحار تُقدَّر بالآلاف سنويًا معظمهم من الشباب، ويشير عضو الجمعية العالمية للطب النفسي إلى ازدياد نسبة إقدام الرجال المصريين على الانتحار مقارنة بالعقود السابقة: "قبل 20 عامًا قمت بعمل دراسة عن المنتحرين وتبيّن أن معظمهم من الإناث، لكن حاليًا تأكدت زيادة نسبة الانتحار عند الرجال، بسبب ضغوط الحياة ومطالبها المادية التي تقع على كاهل الرجل غالبًا".

بالمثل، يتفق الدكتور أحمد أبو العزائم، أستاذ الطب النفسي ونائب رئيس الاتحاد العالمي للطب النفسي، مع الرأي السابق في ربط ظروف الحياة بأسباب انتحار الرجال، ولكنه يضيف أن "اتخاذ قرار الانتحار يعود إلى ضعف الإيمان والابتعاد عن الدين والقيم وظهور أنماط من القدوة الفاسدة مما قلّل القدرة على تحمل ضغوط الحياة لاختفاء المناعة النفسية"، مضيفًا أن النساء يتصرفن بطريقة أذكى من الرجال حين يقدمن على الانتحار "بحيث يُرتبن الأمر ليتم اكتشاف انتحارهن قبل حدوث الوفاة، ومن ثم إنقاذهن!".

يؤكد بعض المختصين زيادة نسبة الانتحار عند الرجال في مصر، بسبب ضغوط الحياة ومطالبها المادية التي تقع على كاهلهم غالبًا

وينصح د. منير إبراهيم الجميع بالإسراع في التوجه إلى المختصين النفسيين لإزالة أية شكوك أو عوائق: "كل إنسان يجد في نفسه شعورًا بالإحباط أو الاكتئاب أو الملل عليه أن يبادر بسؤال المتخصصين، فالمريض الجسدي يستطيع أن يعبر عما يؤلمه أما المريض النفسي فيكبت مشاعره، والكبت يولّد الانفجار"، كما يشدّد إبراهيم على التوجه للطبيب النفسي عندما يتكرر شعور الشخص بأن الشيء الذي كان سببًا رئيسيًا في سعادته لم يعد مؤثرًا واستمرار هذه الحالة لشهور، إلى جانب الشعور المتكرر بالإجهاد وإيجاد صعوبة في التركيز.

ولكن هذه الدعوات تبدو مثل الصراخ في وادٍ سحيق في بلد تشهد ظروفًا معيشية صعبة بصورة متزايدة، لا يستطيع معها نسبة كبيرة من السكان الاعتماد على جلسات العلاج النفسي المكلّفة ماديًا، فضلًا عن ترسّب فكرة مجتمعية تعتبر الذهاب إلى طبيب نفسي بمثابة إهانة للشخص الذي يقوم بذلك.

اقرأ/ي أيضًا: نادي المكتئبين

حلول برجوازية

في محاولة لمحاربة الاكتئاب، أقامت مكتبة "باب الدنيا" في غرب القاهرة غرفة مخصصة للصراخ، يُسمح للزائر بالصراخ داخلها

وفي محاولة لمحاربة الاكتئاب واللعب خارج الصندوق، أقامت مكتبة "باب الدنيا" في غرب القاهرة غرفة مخصصة للصراخ، يُسمح للزائر بدخولها والصراخ والضرب على الطبول بكل قوته للتخلص من الطاقة السلبية. لاقت الغرفة اهتمام عدد من وسائل الإعلام وظهرت تقارير إخبارية عنها في قنوات عربية ودولية، ولكن البعض يرى في التطبيق تسفيهًا لفكرة العلاج النفسي، حيث يقتصر دور الغرفة على عزل مستخدمها بالداخل ترافقه آلة طبول ضخمة (درامز)، فيما يصرّ صاحب المكتبة على أنها أول غرفة من نوعها في الشرق الأوسط، وقد وُجدت لتشجيع الناس على التخلص من ضغوطهم اليومية، واستجماع طاقتهم الإيجابية وقدرتهم على تحمُّل الحياة.

وبحسب عبد الرحمن سعد، صاحب فكرة "غرفة الصراخ"، "الصراخ مهم في مصر بسبب الحالة المزاجية السيئة والطاقات السلبية الموجودة عند الشعب المصري، يقول سعد "إذا شعرت بضيق أو حزن، أو وجدت نفسك في ضغط حياتي وعملي، لديك مشاكل مع أسرتك وأصدقائك، فقدت حبيبًا أو صديقًا، تستطيع دخول الغرفة وتفعل ما تشاء وحدك دون أن يسمعك أحد".

وفي حديثها إلى "ألترا صوت"، تقول إنجي وفيق، إحدى مستخدمي "غرفة الصراخ"، إن تجربة دخول الغرفة مثلت حالة فريدة من نوعها، فهي "تنقلك إلى عالم آخر وتجعلك تنسى كل ما يربطك بالعالم الخارجي، حتى وإن كان ذلك لمدة قصيرة ولكنها قد تكون كافية لاسترداد طاقة كافية لاستكمال الحياة ومواجهة صعوباتها من جديد".

ولا تخفي وفيق خوفها من أن يتسبب الاكتئاب الذي يصيبها على فترات متقطعة في دفعها إلى اتخاذ قرار بالانتحار في لحظة معينة، إذ تقول "دائمًا ما نسمع عن حالات الانتحار في دول غنية ومتقدمة مثل الدنمارك والسويد ولكن الحقيقة أن في ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية مثل التي نختبرها في مصر بشكل يومي يصبح من المنطقي والمناسب أن يزداد الاكتئاب في مجتمعاتنا العربية أكثر من الغربية، وهذا جزء من الصورة الكبيرة فلقد قرأت مؤخرًا أن أعداد الأشخاص المقبلين على الانتحار بسبب الاكتئاب على مستوى العالم مذهلة، حيث يُقدم 30 مليون شخص على الانتحار سنويًا".

اقرأ/ي أيضًا:

نورهان حمود.. جدل تصاعد الانتحار في لبنان مجددًا

هل ينتحر المصريون في "11 نوفمبر"؟