22-نوفمبر-2023
المكارثية في الغرب والمكارثية الجديدة

تبلورت المكارثية، في حملة صاخبة على يد السيناتور الجمهوري اليميني الأمريكي جوزيف مكارثي (Getty)

المكارثية هي مصطلح يطلق على توجيه اتهامات بـ"عدم الولاء"، ارتبطت تحديدًا في النشاط الحزبي أو الارتباط الإيديولوجي بالشيوعية، في الولايات المتحدة. وكانت السمة الأساسية لها، هي إطلاق اتهامات غير مدعومة بدليل جدي، أو بناءً على أدلة ضعيفة، مثل التعبير عن موقف أو خلال حوارات. والهدف الأساسي منها تقييد المعارضة أو النقد السياسي.

تبلورت المكارثية، في حملة صاخبة على يد السيناتور الجمهوري اليميني الأمريكي جوزيف مكارثي (1909-1957)، في الفترة من 1950 إلى 1954، عندما زعم امتلاكه لقائمة عليها مجموعة من الأسماء، التي يعتقد أنها ترتبط في الحزب الشيوعي، وتم إدراج العديد من المتهمين على القائمة السوداء أو فقدوا وظائفهم، رغم أن معظمهم لم ينتموا في الواقع إلى الحزب الشيوعي، وانتهت الحملة عندما تلقى مكارثي اللوم العلني في كانون الأول/ ديسمبر 1954.

تبلورت المكارثية، في حملة صاخبة على يد السيناتور الجمهوري اليميني الأمريكي جوزيف مكارثي، في الفترة من 1950 إلى 1954، فيما نشهد حاليًا بروز ما يوصف بالمكارثية الجديدة

المكارثية.. هستيريا أمريكية

وبرزت المكارثية في فترة زمنية من التاريخ الأمريكي، شهدت فوز السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي من ولاية ويسكونسن بالانتخابات، إذ قام بإجراء سلسلة من التحقيقات وجلسات الاستماع خلال الخمسينات من القرن الماضي في محاولة لكشف "التسلل الشيوعي" المزعوم إلى مختلف مجالات الحكومة الأمريكية. 

وتم انتخاب مكارثي لعضوية مجلس الشيوخ في عام 1946 وصعد إلى الصدارة في عام 1950 عندما ادعى في خطاب ألقاه في فيرجينيا الغربية، أن 57 شيوعيًا قد تسللوا إلى وزارة الخارجية، وقال في خطابه: "شيء واحد يجب أن نتذكره عند مناقشة الشيوعيين في حكومتنا، هو أننا لا نتعامل مع جواسيس يحصلون على ثلاثين قطعة من الفضة لسرقة مخططات سلاح جديد. إننا نتعامل مع نوع أكثر شرًا من النشاط، لأنه يسمح للعدو بتوجيه سياستنا وتشكيلها".

وتحول مكارثي إلى شخصية استقطاب رئيسية في الولايات المتحدة، وبعد إعادة انتخاب مكارثي عام 1952، حصل على رئاسة لجنة العمليات الحكومية بمجلس الشيوخ ولجنتها الفرعية الدائمة للتحقيقات. على مدار العامين التاليين، كان دائمًا في دائرة الضوء، حيث كان يحقق في مختلف الإدارات الحكومية ويستجوب عددًا لا يحصى من الشهود حول انتماءاتهم الشيوعية المشتبه بها. وعلى الرغم من فشله في تقديم قضية معقولة ضد أي شخص، إلا أن اتهاماته دفعت بعض الأشخاص إلى ترك وظائفهم وجلبت الإدانة الشعبية للآخرين.

وترافق صعود مكارثي، في فترة ما يمسى بـ"الذعر الأحمر الثانية"، وهي فترة من الهستيريا الأمريكية، بسبب تهديد متخيل من الشيوعية داخل الولايات المتحدة، في إطار الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والتي اشتدت في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، وجاءت لفظة الأحمر، في تجلٍ للتبسيط الأمريكي، الذي ربط الأفكار الشيوعية في علم الاتحاد السوفيتي. أمّا فترة "الذعر الأحمر الأولى"، فقد ارتبطت في انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وصعود الحزب الشيوعي للحكم وإقامة الاتحاد السوفيتي.

وعلى مدار سنوات، لم يبذل الرئيس الأمريكي أيزنهاور "جهدًا لمواجهة مكارثي، ويرى البعض أن أيزنهاور، من خلال تجنب السيناتور الذي يطارد الحُمر، سمح للمكارثية بالاستمرار دون رادع. وكان مكارثي جمهوريًا، وقد أيده العديد من زملائه في مجلس الشيوخ".

getty

وانطلقت هذه الموجة،  بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة تمدد الاتحاد السوفيتي في أنحاء أوروبا الشرقية. كما في عام 1949، نجح الاتحاد السوفييتي الشيوعي في اختبار قنبلته الذرية الأولى. وفي العام نفسه، أصبحت الصين دولة شيوعية، بزعامة ماوتسي تونغ. وفي عام 1950، بدأت الحرب الكورية بين كوريا الشمالية الشيوعية وكوريا الجنوبية غير الشيوعية.

وزاد من حملة "الذعر الأحمر"، الحديث المتكرر عن وجود عناصر شيوعية ضمن البرنامج النووي الأمريكي، وهو ما ظهر  في جلسات الاستماع التي عقدت مع روبروت أوبنهايمر، الذي يوصف بـ"أب المشروع النووي الأمريكي".

قبل ذلك، ساهم قرار من الرئيس الأمريكي ترومان عام 1947، بفحص خلفية كل موظف حكومي، من ناحية الانتماء السياسي، في تصاعد وشرعنة هذه الحملة.

اقرأ/ي: نيويورك تايمز والحرب على غزّة.. الالتقاء الدائم مع الرواية الصهيونية

عنصرية متزايدة ضد المسلمين والفلسطينيين في ألمانيا..ونهج إعلامي لـ"شيطنة" حماس

مكارثية جديدة.. مطاردة بلا هوادة لداعمي فلسطين في الولايات المتحدة

المكارثية الجديدة

مات السيناتور مكارثي عام 1957، لكن المكارثية تعبر عن مزاج سياسي، أكثر من ارتباطه في شخصية اليميني الأمريكي، الذي سعى إلى إقامة "محاكم تفتيش" جديدة. على هذا الأساس، بقيت الملاحقة السياسية وقمع المعارضة، حاضرة طوال سنوات في أوروبا والولايات المتحدة، بأشكال متعددة، وبأهداف جديدة، وانتقلت من ملاحقة الشيوعية، إلى معاداة الإسلام، والآن تصل إلى معاداة ومهاجمة، أي دعم للقضية الفلسطينية، أو المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة.

ويمكن توصيف الحالة الغربية، على المستوى الرسمي، بـ"المكارثية الجديدة"، التي تتخذ من "الإرهاب الفكري"، وقمع أو محاولة قمع أي أصوات ناقدة، الطريقة الأساسية للتعامل مع القضايا الراهنة. ونرى ذلك، في حالة قمع أي تضامن مع فلسطين، أو المطالبة بوقف إطلاق النار، التي تعني على نسق المكارثية، خسارة الوظائف والتشهير والقمع.

وقد تصل حالة التعبئة، نتيجة الأجواء المكارثية، إلى القتل مثلما حصل مع الطفل وديع الفيومي في الولايات المتحدة، مع مزاج عام رسمي وإعلامي، مناهض للفلسطينيين، يعمل على نزع الإنسانية عنهم. بالإضافة إلى اعتداء المجموعات اليمينية الفاشية، على المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

getty

واحدة من هذه المشاهد، ما قاله رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية هندريك فوست: "إن كنت تدعم الفلسطينيين، فإن محاولة دمجك في المجتمع الألماني قد فشلت".

يضاف لها، تصرفات وزيرة الداخلية البريطانية المقالة، التي كانت تطالب بقمع المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية في بريطانيا، وكذا في فرنسا التي كانت تسعى إلى منع المظاهرات المتضامنة مع قطاع غزة.

ويصل الهجوم في الدول الغربية، على هتافات وشعارات، مثل شعار "من البحر إلى النهر.. ستكون فلسطين حرة"، باعتباره من الشعارات تدعو "للإبادة الجماعية"، بينما تمارس الإبادة الجماعية الفعلية في قطاع غزة، فيما يرفض الرئيس الأمريكي الحديث عن وقف دائم لإطلاق النار في غزة.