04-ديسمبر-2023
اليوم التالي وغزة

إسرائيل شكلت فريقًا، من غيورا آيلاند، أحد أصحاب مشاريع تهجير غزة والذي دعا في مطلع الحرب إلى خلق كارثة إنسانية في القطاع، تامير هايمان، للتعامل مع "خيارات اليوم التالي" (Getty)

كررت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، الحديث عن ضرورة وجود "استراتيجية لليوم التالي في غزة"، وهو العنوان الذي تركز واشنطن الحديث عنه، وتعمل جاهدة من أجل إيجاد "صيغة مقبولة" في هذه السياق لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتحرك الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل في هذا الملف، بدلًا من السعي إلى وقف إطلاق النار.

ويكمن الخلاف الأساسي بين الإدارة الأمريكية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول غياب "استراتيجية لليوم التالي، تمكنه الخروج من غزة"، خاصةً مع حديث الولايات المتحدة، إعلاميًا على الأقل، عن رفضها تقليص مساحة غزة، أي إقامة منطقة عازلة فيه، وتهجير أهالي القطاع واستمرار احتلاله من قبل إسرائيل.

وتحدثت هاريس، مع الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، مناقشة عنف المستوطنين بالضفة الغربية، ومؤكدةً على دعم إسرائيل، مضيفةً: "التأكيد على أهمية التخطيط لليوم التالي لانتهاء القتال في غزة، وشددت على التزام واشنطن بحل الدولتين".

الولايات المتحدة، تتحرك في نقاشات "اليوم التالي"، بدلًا من نقاش وقف إطلاق النار، فيما تتجاهل إسرائيل النقاش

كما تحدثت هاريس مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأخبرته أن "الشعب الفلسطيني يجب أن يكون لديه أفق سياسي واضح" وكررت "دعم الولايات المتحدة لضفة غربية موحدة وغزة تحت قيادة السلطة الفلسطينية محدثة".

وأشار موقع "واللا" الإسرائيلي، إلى وصول وفد أمريكي إلى تل أبيب، لبحث "اليوم التالي" للحرب في غزة، والسياسة التي ترغب إدارة بايدن في الترويج لها.

وسيترأس الوفد الأمريكي فيليب جوردون - مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ومن المتوقع أن يلتقي بمستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين.

ومن المتوقع أيضا أن يزور جوردون رام الله ويجتمع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وتأتي الزيارة، بعد تقديم هاريس ما وصف بـ"تصور الإدارة الأمريكية" لغزة، وجاء على نحو أن "غزة لن تكون قاعدة لهجمات ضد إسرائيل، ولن يكون هناك تهجير للفلسطينيين من القطاع، ولن يكون هناك حصار على القطاع، ولن يكون هناك احتلال لغزة، أو تقليص لمساحة القطاع". وأن الولايات المتحدة "تريد رؤية اتحاد بين غزة والضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية، التي تحتاج إلى التجديد، بما يتوافق مع سيادة القانون وبدون فساد". بالإضافة إلى تعزيز الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، موضحةً: "يجب أن تكون هناك ترتيبات أمنية مقبولة لإسرائيل وسكان غزة والسلطة الفلسطينية والشركاء الدوليين".

حراك أمريكي ورفض إسرائيلي

خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب ورام الله، سعى إلى مناقشة "قضايا اليوم التالي"، لكن بحسب صحيفة وواشنطن بوست "لم يكن هناك سوى القليل من الإجابات السهلة".

الاتجاه الأمريكي الحالي، يتجه نحو القبول بخيار "عودة" السلطة الفلسطينية إلى غزة، لكن بعد "تجديدها"، أو "تحديثها وإعادة تنشيطها"، وهو ما ذكره الرئيس الأمريكي جو بايدن، والأوساط المقربة منه، في عدة صيغ. وهو تصور أمريكي يهدف إلى "إنقاذ" إسرائيل، من الاحتلال الكامل في قطاع غزة، التي تراه الولايات المتحدة مأزقًا.

وقال بلينكن من تل أبيب: "ليس لدينا أي أوهام بأن هذا سيكون سهلًا. ستكون لدينا بالتأكيد خلافات على طول الطريق. لكنه قال إن "البديل -المزيد من الهجمات الإرهابية، والمزيد من العنف، والمزيد من معاناة الأبرياء- وهذا غير مقبول"، وفق قوله.

الولايات المتحدة واليوم التالي في غزة

من جانبه، لا يفوت نتنياهو أي فرصة من أجل رفض مناقشة عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، إذ "تعهد بعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت بموجب اتفاقيات أوسلو من خلال السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة".

وقال نتنياهو: "شيء واحد مؤكد أنني لن أفعله. لست مستعدًا لخداع نفسي بالقول إن العمل المعيب الذي حدث بموجب أوسلو من خلال خطأ فادح يجب أن يتكرر الآن مرة أخرى مع عودة ’كيان معاد’ إلى غزة والضفة الغربية"، على حدِّ تعبيره.

وأضاف: "لن أكرر هذا الخطأ وأعيد هذا الجسم إلى غزة، لأن نفس الشيء سيحدث". وأشار إلى أحداث عام 2007، بعدما تمكنت حماس من السيطرة على الحكم في غزة. مضيفًا: "القيادة الفلسطينية انقسمت إلى قسمين، لكن الأيديولوجية التي تنكر حق إسرائيل في الوجود مشتركة بين أولئك الذين يحكمون في الضفة الغربية وقطاع غزة"، وفق قوله.

واستمر بالقول: "علينا أن نبني شيئًا مختلفًا بمجرد انتهاء الحرب"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل ستكون لديها سيطرة عامة على المنطقة، بما في ذلك الأمن، لكن الحكم الداخلي سيكون فلسطينيًا"، معتبرًا أن ذلك يتحقق من خلال جسم "فلسطيني حديث الإنشاء، وليس السلطة الفلسطينية".

بحث عن إجابة

تناقش دولة الاحتلال الإسرائيلي، خيارات إنشاء "منطقة عازلة على الحدود"، فيما تعارض إدارة بايدن ما تصفه بـ"تقليص مساحة القطاع"، أو قيود على استخدام أهالي قطاع غزة لأراضيهم.

ووفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن "أي تخطيط للمستقبل سيكون معقدًا بسبب ما يحدث مع استمرار الصراع".

وقال بريان كاتوليس، نائب رئيس قسم السياسات في معهد الشرق الأوسط: "إن الطريقة التي تتم بها إدارة الحرب ستحدد نطاق الخيارات. كل قنبلة يتم إسقاطها، وكل يوم لا تزال فيه حماس صامدة، يزيد من تكاليف إعادة الإعمار".

وقال دينيس روس، المستشار السابق لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إنه بعد انتهاء الصراع: "تحتاج السلطة الفلسطينية إلى التغيير إذا أرادت إدارة أي شيء في غزة. الأمر لا يقتصر على عدم قدرتهم على المجيء على ظهر الدبابات الإسرائيلية. الحقيقة هي أنهم لا يستطيعون إدارة أنفسهم الآن".

وفي الوقت نفسه، ترفض إسرائيل خيار القوات الدولية في غزة، مع أحاديث عن إمكانية وجود قوات عربية في غزة. قال غيث العمري، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومستشار سابق للمفاوضين الفلسطينيين: "قال لي أحد المسؤولين العرب: تخيل لقطات جنودنا وهم يطلقون النار على الفلسطينيين ويطلق عليهم الفلسطينيون النار". مضيفًا: "بالنسبة لإدارة بايدن، فإن التركيز على تمكين السلطة الفلسطينية، وفي نهاية المطاف، الدولة الفلسطينية الكاملة، هو وسيلة لإجبار الدول العربية على الانخراط في مناقشات حول العملية الانتقالية المعقدة وربما المشاركة فيها".

وتابع، قائلًا: إن "الدول العربية، حتى تكون قادرة على التعامل معنا، فهي بحاجة إلى هذا الإطار، إطار حل الدولتين والإطار الانتقالي. لأنه بهذه الطريقة يمكنهم دائمًا الادعاء: نحن نفعل ذلك لدعم الفلسطينيين".

وقال كاتوليس، من معهد الشرق الأوسط، إن السلطة الفلسطينية "قد تكون الأفضل من بين مجموعة من الخيارات السيئة للغاية في البداية".

اقرأ/ي: اليوم التالي لقطاع غزة: سؤال يشغل الولايات المتحدة وفياض ودحلان

لعبة أمريكية مكررة

وبينما تفقد السلطة الفلسطينية شرعيتها، بشكلٍ شبه كامل في الضفة الغربية، فإن الولايات المتحدة تطرح خيارات إعادة تأهيلها مرةً أخرى.

وتضيف الصحيفة: "يرى مسؤولو بايدن أيامًا أفضل بين عامي 2007 و2013، عندما شغل سلام فياض، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي، منصب رئيس وزراء السلطة. وقام بتحسين قدرة الكيان على تقديم الخدمات الأساسية. ولا يقول المسؤولون الأميركيون صراحة إن عباس بحاجة إلى الرحيل، كما أنهم لا يغامرون بطرح أفكار حول من ينبغي أن يحل محله، قائلين إن الفلسطينيين ومؤيديهم الإقليميين يجب أن يجروا هذه المحادثة".

وفي إعادة تكرار للخيارات المجربة، وبعد لقائه مع عباس يوم الخميس، قال بلينكن للصحفيين إن إدارة بايدن تسعى إلى الإصلاحات، ومن شأن ذلك أن "يلبي بشكل فعال احتياجات الشعب الفلسطيني"، وفق قوله.

وأضاف بلينكن: "السلطة الفلسطينية بحاجة إلى مكافحة الفساد والانخراط مع المجتمع المدني وتحسين الدعم لوسائل الإعلام الحرة". وقائلًا: "في نهاية المطاف، يجب أن يواجه الناخبون اختيار القيادة"، رغم عدم توضيح أن ذلك أولوية.

واستمر في القول: "نحن ندعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بالطبع للفلسطينيين. ولكن يجب أن تكون هذه عملية وهي شيء يجب التحدث عنه ونحن ننتقل من الصراع إلى ما كنا نطلق عليه في اليوم التالي".

الجيش الإسرائيلي يواصل العدوان الإسرائيلي

السلطة.. خيار إسرائيل الوحيد؟

من جانبه، يرى الكاتب الإسرائيلي آفي يسخاروف، أن السلطة الفلسطينية قد تكون الخيار الوحيد، من أجل تولي مسؤولية قطاع غزة، بدلًا من تل أبيب.

وانتقد يسخاروف تصريحات نتنياهو، مشيرًا إلى عدم وجود أي خيار دولي فعال أو جدي، بالقول: "لا يوجد خيار دولي جدي. لا أحد يقف في الصف ويريد تحمل مسؤولية إدارة قطاع غزة. إذا لم تخطط إسرائيل لتحمل المسؤولية عنها، فسوف تضطر إلى ذلك. لنفهم أن السلطة الفلسطينية هي عامل يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لليوم التالي لحماس في غزة".

وعن تصريحات نتنياهو، أوضح: "تبدو تصريحات نتنياهو حازمة للغاية، لكن من الواضح أنها كانت تهدف بالأساس إلى منع انتقال الأصوات من الليكود إلى حزبي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. ومن المحتمل جداً أنه رغم تصريحاته الحازمة، سيضطر لاحقاً إلى ابتلاع الضفدع، ما يعني قبول السلطة الفلسطينية، أي ربما ليس بالضرورة عودتها بقيادة أبو مازن، بل ربما عودتها، من خلال هيئة أو أخرى مرتبطة بحركة فتح". كما يشير يسخاروف إلى خيار محمد دحلان، وتطرح تحليلات أخرى سلام فياض، كخيار ممكن لتشكيل حكومة تكنوقراط.

وينقل الكاتب الإسرائيلي، عن مسؤول في السلطة الفلسطينية، أن "إدارة بايدن تحاول بالفعل الترويج علنًا لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، ولكن أيضًا لتنفيذ إصلاحات شاملة في هيكلها. أي تغيير وجهها، ووقف الفساد، وصولًا للانتخابات"، ويضيف نقلًا عن المسؤول: "لا توجد نية للأميركيين للدفع لإجراء انتخابات مباشرة بعد الحرب، لأن حماس ستفوز بأغلبية ساحقة. والإدارة ترغب أولًا في رؤية عملية إعادة بناء غزة، وعندها فقط يتم إجراء انتخابات ومن ثم رئيس آخر".

بلينكن وأبو مازن

وفي سياق النقاش الإسرائيلي، أشار إلى أن تشكيل فريق في وزارة الأمن يشارك فيه الجنرالان السابقان غيورا آيلاند، وهو أحد أصحاب مشاريع تهجير قطاع غزة والذي دعا في مطلع الحرب إلى خلق كارثة إنسانية في القطاع، والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي تامير هايمان، الذين "يتعاملون مع خيارات اليوم التالي". موضحًا: "في مكتب نتنياهو، يرفضون مناقشة مستقبل قطاع غزة، ربما بسبب الخوف من الضرر السياسي الذي سيلحق بنتنياهو إذا رمش وأظهر استعدادًا للبحث مع السلطة الفلسطينية حول حل يتعلق بقطاع غزة".

ويختم بالقول: "اعتقلت أجهزة الأمن الفلسطينية عددًا لا بأس به من نشطاء حماس في الآونة الأخيرة، بينما اعتقل الجيش الإسرائيلي والشاباك المئات منهم. وحتى الاجتماعات على المستوى الأمني ​​الأدنى مستمرة. على الجانب الأمريكي، فإنهم يستمدون التشجيع من ذلك بالطبع، ويريدون من إسرائيل نوعًا من الالتزام بتدخل السلطة الفلسطينية في غزة بعد تفكيك حماس، لكن إسرائيل ترفض في الوقت الحالي".

بدوره، قال قائد فرقة غزة الأسبق في جيش جيش الاحتلال يسرائيل زيف: "لقد وصلت إسرائيل إلى منعطف استراتيجي حاسم في حملتها ضد حماس: فمن ناحية، يجب عليها إكمال الهجوم والتوصل إلى قرار ضد حماس. ومن ناحية أخرى، إدراك أن غزة، في اليوم التالي للحرب، ستصبح أكبر مشكلة إنسانية في العالم. وإذا لم يكن هناك من يتحمل المسؤولية - فستبقى لدينا، وسيظل ثمن الخطأ يدفعه أبناؤنا وأحفادنا".

وأضاف: "وتيرة الحرب بطيئة وما زالت الإنجازات الحاسمة مفقودة"، وتابع قائلًا: "في هذه الأثناء لا يوجد من يتحمل المسؤولية عن غزة: لا مصر ولا قوة دولية كما تتنبأ الشعارات. إن تقديم حلول أخرى ليس أكثر من أوهام لا علاقة لها بالواقع. وإذا رفضت إسرائيل عرض ضم السلطة الفلسطينية وقبلت المسؤولية الأمنية عن غزة ذاتها، فإنها سوف تقبل أيضًا المسؤولية الشاملة عن أنقاضها وعن مليوني لاجئ يعيشون فيها. المعنى كارثة سياسية، وفق قوله.

السعي الأمريكي وراء الإجابة عن سؤال "اليوم التالي"، يرتبط في محاولة إخراج إسرائيل من مأزق العدوان على غزة

واشنطن وجهود إنقاذ تل أبيب

السعي الأمريكي وراء الإجابة عن سؤال "اليوم التالي"، يرتبط في محاولة إخراج إسرائيل من مأزق العدوان على غزة، وفي ظل الحديث المتكرر عن أن الشرعية الدولية تتقلص، والوقت المتاح أمام إسرائيل، للاستمرار في العدوان بوتيرة مرتفعة يقترب من نهايته، فإن واشنطن تحاول إيجاد حلول سريعة لهذه القضية.

ففي ظل كارثة إنسانية خلقتها دولة الاحتلال في غزة، وعدوانها المتواصل، ترى واشنطن ضرورة، لإيجاد جسم قادرة على التعامل معه.

وبينما تجري هذه الجولات المكوكية، والتصريحات المتواصلة حول "اليوم التالي"، فإن السؤال الأساسي الآن، يرتبط في "اليوم الحالي"، إذ يفشل جيش الاحتلال في تحقيق أي إنجازات فعلية وحقيقية على الأرض، باستثناء الدمار والمجازر، فيما تبتعد الولايات المتحدة عن أي حديث عن "وقف إطلاق النار".