30-يونيو-2016

النجمة الشعبوية الصاعدة ماريشال لوبان (Getty)

كيف ينظر حزب الجبهة الوطنية إلى نتيجة الاستفتاء البريطاني وآفاقها، المقال التالي ترجمة لـتقرير "نيويورك تايمز" عن هذا التساؤل.

رفض هولاند بخشونة فكرة استفتاءٍ في فرنسا على عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي في لقاءٍ مع لوبان بقصر الإليزيه

___

من بين جميع الحركات الشعبوية التي شجعها تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يستمد أحد الطاقة والنشاط أكثر من حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا، والذي أعلنت زعيمته، مارين لوبان، مبتهجة بمجرد إعلان النتائج أنه "يوم احتفال".

على مدار ما يقرب من 30 عامًا، عمل حزب الجبهة الوطنية على تشويه صورة الاتحاد الأوروبي بينما يستخدم نفس موضوعات مكافحة الهجرة التي أعطت الحيوية للحملة في بريطانيا. الآن، مع إظهار بريطانيا لمدى اتساع وعمق المعارضة لتركز السلطة في بروكسل وسياسة الحدود المفتوحة لأوروبا، تستغل لوبان الفرصة لبناء الدعم لشخصها وحزبها مع اقتراب انتخابات العام القادم الرئاسية.

اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي

صرحت لوبان للصحفيين يوم الجمعة: "يعطينا هذا شرعية إضافية للمضي قدما في نفس المناقشة في فرنسا"، داعيةً إلى استفتاءٍ على "فريكسيت".

شجّع الحزب اليميني المتطرف على نحوٍ خاص أن التأييد لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أتى من أماكن ومصوتين يتشابهون للغاية مع قاعدة دعم الجبهة الوطنية في فرنسا: أشخاص بيض يرون أنفسهم خاسرين من العولمة ومناطق ريفية ومدنٍ صغيرة ومتوسطة تشعر بتهميشها.

مع الانخفاض الشديد لشعبية الرئيس فرنسوا هولاند من الحزب الاشتراكي الحاكم في استطلاعات الرأي وانشغال الحزب اليميني الرئيسي بمشكلاته الداخلية، من المتوقع على نطاقٍ واسع أن تبلي لوبان بلاءً حسنًا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الربيع القادم بما يكفي لحملها إلى الجولة الأخيرة ضد مرشح أحد الحزبين الرئيسيين.

يظل الفوز بالفعل بالرئاسة احتمالًا مستبعدًا، لكن القضايا التي طرحتها نتيجة الاستفتاء البريطاني -السيادة والهوية الوطنية والهجرة والسخط الشعبي ضد من يعتبرونهم نخب منعزلة- توفر للوبان برنامجًا انتخابيًا قويًا.

في افتتاحيةٍ بصحيفة النيويورك تايمز يوم الثلاثاء، كتبت لوبان أن الاستفتاء البريطاني دار حول سؤالٍ رئيسي واحد: "هل نرغب في أن تحكم حياتنا سلطة غير ديمقراطية، أم أننا نفضل استعادة السيطرة على مصيرنا"؟

رفض هولاند بخشونة فكرة استفتاءٍ في فرنسا على عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي في لقاءٍ مع لوبان بقصر الإليزيه يوم السبت. لكن حزب الجبهة الوطنية لم يتراجع.

قالت ابن شقيق لوبان، ماريون ماريشال لوبان، وهي نجمةٌ صاعدة في الحزب، في مقابلةٍ تليفزيونية يوم الاثنين إن نتيجة الاستفتاء على ما يدعى بالـ"بريكسيت" سوف تدشن "أوروبا حيث لا يتخلى المرء عن سيادته كدولة لصالح بيروقراطيين بلا جنسية في بروكسل".

يظل فوزها بالرئاسة مستبعدًا، لكن القضايا التي طرحتها نتيجة الاستفتاء البريطاني، توفر لزعيمة اليمين الفرنسي ماريان لوبان برنامجًا انتخابيًا قويًا

رغم كل الاختلافات بين فرنسا، إحدى الدول المؤسسة للتكتل والتي ظلت دائمًا تدفع باتجاه وحدة أكبر على القارة، وبريطانيا، التي انضمت متأخرًا ورفضت العضوية في مبادراتٍ مثل العملة الأوروبية المشتركة، إلا أن هناك ما يكفي من القواسم المشتركة في اقتصاد البلدين وناخبيهما لإعطاء الأمل لحزب الجبهة الوطنية في تحقيق إنجاز.

هناك متاجر لامعة ومقرات شركات في باريس، ومدن ناجحة خالقة للثروة مثل تولوز وليون. لكن أيضًا هناك فرنسا القرى المهجورة والبلدات الصغيرة، التي فر منها الخبّاز والجزار الأخير، وفرنسا المدن متوسطة الحجم التي تصطف واجهات متاجرها الفارغة على جانبي الشوارع الرئيسية.

"في فرنسا، عليك إدراك الهوة بين المدن الكبرى المليئة بالنشاط والحيوية ومنطقة ريفية تبدو مزدراة ومهجورة"، قال آلان جوبيه، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح الرئاسي المحتمل عن حزب الجمهوريين اليميني، في صحيفة لوموند يوم الاثنين.

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

يعيش 60% من السكان في فرنسا "الهامشية"، كما يسميها عالم الجغرافيا والاجتماع كريستوف جيلوي – "هؤلاء الذين لم يعودوا مفيدين للاقتصاد، الذين يعيشون في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة"، في مقابلةٍ صحفية.

"لا يمثل أي حزب ضمن المؤسسة الحاكمة تلك المناطق"، يقول جيلوي. ويتابع: "هذا هو سبب أن لديك ترامب والبريكسيت وحزب الجبهة الوطنية"، مشيرًا إلى دونالد ترامب المرشح الجمهوري المرجح لانتخابات الرئاسة الأمريكية.

يزداد وضوح الغضب المعادي للمؤسسة الحاكمة بين يسار الطبقة العاملة في فرنسا، عاكسًا ظاهرة في بريطانيا تخلى فيها ناخبو حزب العمال الساخطين عن موقف حزبهم التقليدي المؤيد للاتحاد الأوروبي للتعبير عن استيائهم من السياسات والسياسيين الذين يشعرون أنهم تخلوا عنهم.

"لقد ظلوا لأعوام يحكمون بما يخالف برنامجهم هم أنفسهم"، قال جان مارك سانجلير، وهو عامل طباعة شارك في مسيرة معادية لهولاند في باريس الأسبوع الماضي. كان سانجلير يشارك بإصرار في المسيرة العاشرة على التوالي ضد تعديلٍ مقترح لقوانين العمل من قِبل اشتراكيي هولاند الذين يصبحون أكثر اهتماما بالسوق – ما يعتبر خيانة في أعين سانجلير والآلاف من زملائه بالمسيرة.

"البريكسيت يماثل تمامًا حزب الجبهة الوطنية؛ إنه تصويت يعتمد على نفس البنية الاجتماعية والسكانية"، حسب جيلوي، والذي أكسبه عمله غضب اليسار الفرنسي والكثير من الاهتمام في وسائل الإعلام جزئيًا لأنه يركز على المخاوف الثقافية للطبقة العاملة في وجه الهجرة.

تردد صدى الموضوعات التي ميزت الاستفتاء في بريطانيا في فرنسا أيضًا بسبب الهجمات الإرهابية في العام ونصف الماضيين ومشكلات فرنسا القائمة منذ أمدٍ بعيد في استيعاب المهاجرين المسلمين.

انضم خيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي إلى لوبان في الدعوة سريعًا إلى استفتاءٍ على عضوية الاتحاد

عندما ظهر هولاند معلقًا على نتيجة الاستفتاء البريطاني في كلمةٍ متلفزة يوم الجمعة، كانت الأولوية الأولى التي ذكرها هي "أمن والدفاع عن قارتنا، حماية تخومنا".

دعا نيكولا ساركوزي -الرئيس السابق الذي ينوي ترشيح نفسه مجددًا عن حزب الجمهوريين اليميني- فرنسا "بلدًا مسيحيًا، في ثقافته وتقاليده"،

قالت إيمانويل ريونجوت، وهي متخصصة في شؤون الجبهة الوطنية بجامعة مونبليه، إن الاستفتاء البريطاني "تم محورته حول اعتبار اللاجئين تهديدًا".

وتابعت: "في فرنسا، سوف يخدم هذا حزب الجبهة الوطنية. إنها نسخة من أجندة الحزب".

تم استغلال نتيجة الاستفتاء البريطاني أيضًا بدرجاتٍ متفاوتة من قِبل أحزاب اليمين المتطرف الأخرى في أوروبا. انضم خيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي إلى لوبان في الدعوة سريعًا إلى استفتاءٍ على عضوية الاتحاد، لكن حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للمهاجرين لم يصل إلى القيام بدعوةٍ مماثلة. دعا الحزب إلى "أوروبا من الأمم" -في تأكيدٍ جديد على السيادة الوطنية- بينما تجنب سؤال الخروج من الاتحاد.

في النمسا، اقترح حزب الحرية اليميني المتطرف جعل إجراء استفتاء متوقفًا على ما إذا استمر الاتحاد الأوروبي في "جنون الهجرة"، حسب تعبير زعيم الحزب. دعت حركة خمس نجوم الإيطالية، ثاني أكثر الأحزاب شعبية هناك، إلى استفتاءٍ غير ملزم على ترك عملة اليورو.

في فرنسا، أبرزت نتيجة الاستفتاء البريطاني الانقسام بين الأحزاب الرئيسية في فرنسا، التي لا يدعو أيٌ منها للخروج، والجبهة الوطنية. "يكاد يكون الأمر كأنني قلت كلمة بذيئة"، قالت لوبان بينما كانت تترك قصر الإليزيه بعد دعوتها غير المثمرة لهولاند لإجراء استفتاء.

بالنظر إلى مجموعة القضايا الأخرى التي تواجه فرنسا، ومن بينها اقتصادٍ شبه راكد وارتفاع نسبة البطالة، يظل من المنتظر معرفة مدى المحورية التي قد تصبح عليها قضية العضوية في الاتحاد في السباق الرئاسي. لكن حزب الجبهة الوطنية يبدو عازمًا على استغلال اللحظة.

"إنني أوروبية بالحضارة، وفرنسية بالجنسية"، قالت ماريشال لوبان يوم الاثنين، وأضافت: "لن أدافع عن ذلك الوحش البارد الذي يستنزف الهوية الأوروبية".

اقرأ/ي أيضًا:

الجوع..سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

دبلوماسيون أمريكيون يطرحون رؤية أخرى للحرب السورية