23-ديسمبر-2023
تدمير غزة

العدوان الإسرائيلي دمر شمال قطاع غزة بشكل كبير وغير مسبوق (Getty)

قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن "إسرائيل شنت واحدة من أكثر الحروب تدميرًا في هذا القرن في غزة"، وذلك بعد قيامها بتحليل مجموعة من الصور الجوية، التي تظهر حجم الدمار في قطاع غزة.

وقامت صحيفة "الواشنطن بوست" بتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الغارات الجوية وتقييمات الأمم المتحدة للأضرار، وأجرت مقابلات مع أكثر من 20 من عمال الإغاثة ومقدمي الرعاية الصحية وخبراء في الذخائر والحرب الجوية. 

في ما يزيد قليلًا عن شهرين، قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من 29 ألف ذخيرة جو-أرض، 40 إلى 45 بالمائة منها كانت غير موجهة

وأوضحت الصحيفة الأمريكية: "تظهر الأدلة أن إسرائيل نفذت حربها على غزة بوتيرة ومستوى من الدمار من المرجح أن يتجاوز أي صراع حديث، حيث دمرت المزيد من المباني، في وقت أقل بكثير، مما تم تدميره خلال معركة النظام السوري في حلب من عام 2013 إلى عام 2016. والحملة التي قادتها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش في الموصل بالعراق والرقة بسوريا في عام 2017".

ووجدت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي شن غارات جوية متكررة وواسعة النطاق بالقرب من المستشفيات، التي من المفترض أن تتلقى حماية خاصة بموجب قوانين الحرب. وكشفت صور الأقمار الصناعية عن عشرات الحفر الواضحة بالقرب من 17 من أصل 28 مستشفى في شمال غزة، حيث كان القصف على أشده خلال الشهرين الأولين من الحرب، بما في ذلك 10 حفر تشير إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل. 

وقالت ميريانا سبولجاريك إيجر، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي زارت غزة يوم 4 كانون الأول/ديسمبر: "ليس هناك مساحة آمنة. لم نمر بشارع واحد إلا وشاهدت فيه تدمير البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات".

وقال مايكل لينك، الذي شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية من عام 2016 إلى عام 2016: "يبدو أن حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين".

ووفق الصور التي حللتها الصحيفة، وتغطي الفترة من 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى 26 تشرين الثاني/نوفمبر، فقد تضرر 37379 مبنى. ومن بين تلك المباني المتضررة، تم تدمير 10,049 مبنى بالكامل. وفي شمال غزة تضرر 29,732 مبنى، وتم تدمير 8561 مبنى بالكامل.

وتشير "الواشنطن بوست"، إلى أن حرب النظام السوري المدمرة على حلب، والتي استمرت لمدة ثلاثة أعوام، دمر فيها 40% من مباني المدينة، أمّا في شمال غزة، فقد دمر 32% من المباني خلال سبعة أسابيع، بحلول 26 تشرين الثاني/نوفمبر. وتم تدمير ما يقرب من ضعف عدد المباني في شمال غزة خلال سبعة أسابيع مقارنة بالمباني التي دمرت في حلب خلال ثلاثة أعوام والتي بلغت 4,773 مبنى.

أمّا في مدينة الموصل، التي تبلغ مساحتها مساحة حلب تقريبًا، وتعادل مساحتها مرة ونصف مساحة شمال غزة. وشنت القوات العراقية والميليشيات المتحالفة معها والقوات الجوية الأمريكية هجومًا لاستعادة المدينة من تنظيم "داعش" في أواخر عام 2016.

وتعرضت المباني في شمال غزة خلال سبعة أسابيع لأضرار تعادل مرة ونصف ضعف ما لحق بالموصل من أضرار، خلال المعركة التي استمرت تسعة أشهر.

getty

وفي الرقة، قاتل المقاتلون الأكراد المدعومين من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش في عام 2017. ولحقت أضرار بالمباني في شمال غزة خلال سبعة أسابيع أكثر بمرتين ونصف من تلك التي لحقت بها في الرقة خلال ثمانية أشهر من الضربات. وقد دمر عدد من المباني في شمال غزة ما يزيد على ثلاثة أضعاف ما تم تدميره في الرقة خلال تلك الفترات نفسها.

سياسة إسرائيلية

في 10 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الأمن يوآف غالانت للجنود إنه "هناك حرية من كل القيود" وأن "غزة لن تعود أبدًا إلى ما كانت عليه". وفي اليوم نفسه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري : "نركز الآن على ما يسبب أكبر قدر من الضرر".

وفي ما يزيد قليلًا عن شهرين، قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من 29 ألف ذخيرة جو-أرض، 40 إلى 45 بالمائة منها كانت غير موجهة، وفقاً لتقييم حديث صادر عن مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكي. 

getty

المستشفيات.. متلازمة إسرائيلية

وقالت صحيفة "الواشنطن بوست": "إحدى السمات المميزة للحملات الجوية الأكثر عشوائية في القرن الحادي والعشرين، كما هو الحال في سوريا وأوكرانيا، كانت قصف المستشفيات، التي لا يمكن مهاجمتها بموجب قوانين الحرب ما لم يتم استخدامها بشكل فعال لارتكاب أعمال ضارة بالعدو".

وأضافت: "لم يخف الجيش الإسرائيلي وجهة نظره بأن مستشفيات غزة كانت أهدافًا عسكرية".

وبحلول 14 كانون الأول/ديسمبر، أدى القصف الإسرائيلي والقتال إلى إغلاق أكثر من ثلثي المستشفيات الـ 28 التي حددتها الصحيفة في شمال غزة.

ومع استمرار العدوان العسكري الإسرائيلي، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي استعرضتها صحيفة "واشنطن بوست" كيف دمرت الضربات العنيفة حول مستشفيات غزة أحياء بأكملها، ودمرت البنية التحتية وشردت المدنيين، مما جعل في كثير من الأحيان من المستحيل على المستشفيات أن تعمل.

ولتقييم حجم الدمار حول المستشفيات، قامت الصحيفة الأمريكية، بتحليل بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية في المناطق التي تقع على بعد 180 مترًا، وهي المسافة التي يمكن لأصغر القنابل شائعة الاستخدام، والتي تزن 250 رطلًا، أن تسبب أضراراً كافية لجعل المبنى غير صالح للسكن، وأكبرها تزن 2000 رطل، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إتلاف هيكل المبنى بشكلٍ لا يمكن إصلاحه، وفقًا لتقرير صادر عن خدمات أبحاث التسليح بتكليف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأظهرت البيانات أن القصف الإسرائيلي، قد ألحق أضرارًا بالمباني في نطاق 180 مترًا، بمحيط جميع مستشفيات شمال غزة البالغ عددها 28 مستشفى.

getty

وأظهرت الأدلة المرئية وغيرها من الروايات كيف أطلقت القوات الإسرائيلية النار على المستشفيات وقصفتها وحاصرتها وداهمتها.

وقامت صحيفة "الواشنطن بوست" بمراجعة ما يقرب من 100 صورة التقطتها الأقمار الصناعية في الفترة ما بين 8 تشرين الأول/أكتوبر و10 كانون الأول/ديسمبر، ووجدت حوالي ثلاثين حفرة واضحة على مسافة 180 مترًا من 17 مستشفى من أصل 28 مستشفى في شمال غزة. 

وبناءً على طلب الصحيفة، قام خمسة محللين لصور الأقمار الصناعية بمراجعة صور كل حفرة كبيرة بما يكفي للإشارة إلى استخدام قنبلة تزن 2000 رطل أو أكثر. وبينما تمثل النتائج التي توصلت إليها صحيفة واشنطن بوست إحصاءً أقل من العدد الفعلي للقنابل التي تم إسقاطها بالقرب من مستشفيات غزة، فإن الصور تظهر أنه لم يتم ترك أي مستشفى في الشمال دون أن يمس.

وقال توم بوتوكار، كبير الجراحين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي يعمل في غزة للمرة الرابعة عشرة، إن إصابات المتفجرات هي المسؤولة عن جميع الجروح التي كان يعالجها هو وزملاؤه في المستشفى الأوروبي بجنوب غزة.

وأضاف بوتوكار، الذي عمل خلال الصراعات في جنوب السودان واليمن وسوريا والصومال وأوكرانيا: "بالنسبة لي شخصيًا، هذا بلا شك أسوأ ما رأيته".

وقال زاهر سحلول، رئيس MedGlobal والطبيب الذي عمل في حلب، إن "ما يحدث الآن في غزة يتجاوز أي كارثة شهدتها على الأقل خلال الخمسة عشر عامًا الماضية".

وقدر سحلول أن الأمر سيستغرق عقودًا لإعادة بناء البنية التحتية للرعاية الصحية المدمرة في غزة وتعويض معرفة وخبرة عشرات الأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين قتلوا.

وقال سحلول، إنه يعتقد أن التفسير الوحيد لهذا العدد الكبير من الهجمات على المواقع المدنية، والتي كان ينبغي أن تحميها قوانين الحرب، هو أن مثل هذه الهجمات كانت متعمدة.

قال ليو كان، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود إلى فلسطين: "ما نشهده هو حملة تم التخطيط لها، لقد كانت خطة بالتأكيد لإغلاق جميع المستشفيات في الشمال"

وأضاف: "أخبرني الناس في سوريا أنهم يستطيعون تحمل القنابل والصواريخ، لكن إذا لم يكن هناك أطباء في المدينة ولا مستشفيات، فإنهم عادة ما يغادرون. لذا يجب أن أفترض أنه إذا كان الأمر مقصودًا، فإن الهدف هو إجبار السكان على المغادرة. وعندما يغادرون لا يعودون".

من جانبه، قال ليو كان، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود إلى فلسطين: "ما نشهده هو حملة تم التخطيط لها، لقد كانت خطة بالتأكيد لإغلاق جميع المستشفيات في الشمال".