31-مايو-2019

لوحة للشاعرة إيتيل عدنان

أول مرة أصادف فيها هذا الاسم، فؤاد غابريال نفاع، كان عبر قصيدة "يبوس" لصاحبتها إيتيل عدنان. زهوٌ وصدمة إحساسان امتزجا عندي بذات الحسرة التي اختلجت الشاعرة اللبنانية وهي تكتب كلماتها:

"أيها الأغبياء! هل تعرفون أن رامبو كان بيننا منذ

نحو قرن،

من بيروت إلى عدن،

وأن الشاعر فؤاد غبريال نفاع،

هو بيننا

مصلوب بفضل جهلكم!"

وكمحاولة فضولية لاستثناء نفسي من "جمع الأغبياء" في القصيدة، أنطلق في البحث عن هذا الاسم السحري الذي أجهله. أكتب الاسم بالعربية على محرك البحث، لا شيء، أعود لصفحة ديوان إيتيل عدنان، أتأكد من صحة نقلي له، كل شيء سليم، أعاود الكرة على غوغل فلا شيء يذكر عن شعر الرجل سوى من خبر وفاة على جريدة النهار اللبنانية، والذي يصنفه "سياسيًا من الزمن الجميل".

كان الشاعر  فؤاد غبريال نفاع ابن عصره، رومانسيًا إلى حد ما، ومن هذه الرومانسية يلوح بآهات متقطعة

"غيّب الموت النائب والوزير السابق فؤاد نفاع عن 92 عامًا. ولد في زوق مكايل، وتخرج من الجامعة اليسوعية حاملًا إجازة في الحقوق عام 1946". يستهل الخبر سرده، ولا ذكر أن الرجل كان شاعرًا. أفكر للحظة: هل كذبت إيتيل عدنان عليّ؟ هل كان فؤاد غبريال نفاع شخصية من نسج خيالها؟

اقرأ/ي أيضًا: أمجد ناصر.. أسرارُ الملحمة المعاصرة

لم أستسلم للأسئلة، ودوافع الفضول تلقي بي إلى طردها، في محاولة أخيرة أفكر باستشارة الأصدقاء من لبنان. هكذا أدون السؤال التالي على صفحتي: "أصدقائي اللبنانيين، من منكم يعرف فؤاد غبريال نفاع؟". لا مجيب، أو بالأحرى أخدت الإجابة أيامًا قبل أن تؤشر لي آلتي المحمولة بتعليق جديد على ذلك المنشور، أقرأ بحماس ما كتب: "هو شاعر لبناني فرانكفوني". لا أقل ولا أكثر، الآن أعي بعمق أبيات "يبوس"، وأن الشاعرَ لا زال مصلوبًا بيننا، على صليب الجهل، أقول، وفي أرض النسيان. وأعي بذات الشكل أنني وقعت ضحية تشابه في الأسماء، والذي كان يقصده مقال النهار شخصٌ آخر.

أعدّل إذًا طريقة البحث، بينما صفة "فرانكفوني" التي جاءت في تعليق الصديق تفتح لي أملًا آخر، أندفع وراءه بحالة تقارب الشكرَ للساني الثاني؛ الفرنسي. هكذا أعاود الكرَّة على محرك البحث، بحرف لاتيني هذه المرة، لأجدني منتصرًا أخيرًا، وأمام تراث كامل للشاعر مرفوقٍ بومضة أسف على أن هذا كلَّه ظلَّ مجهولًا عند جمهور واسع من العرب.

الشاعر فؤاد غبريال نفاع

فؤاد غبريال نفاع، لمن لا يعرفه، ذلك الشاعر البيروتي الذي قضى حياته ترحالًا بين عاصمة للأرز وأخرى للأنوار، بين الأشرفية وساحة الشهداء، ليموت ملعونًا بنسيان مزمن في مصحة الدرّة سنة 1983. وأمام السيل الجارف أنساق، أقرأ قصائده واحدة تلو الأخرى، أطالعه يلاعب الممارستين الشعريتين، العربية والأوروبية. يضرب بعرض الحائط بنية الشعر الفرنسي التقليدية، ويقول بملء صوته القصيدة: "عندي سبعة عشر بيتًا عوض الأربعة عشر الكلاسيكية!" فارضًا إيقاعه السريع، خالقًا دوامة من القطع المتعددة الشكل، هنا قوة الشاعر تبرز بجلاء، دوامة يحتضنها صدرُ القارئ الذي لا يكف قلبه عن الخفقان وهو ينتقل من بيت إلى بيت.

كان الشاعر ابن عصره، رومانسيًا إلى حد ما، ومن هذه الرومانسية يلوح بآهات متقطعة، تقطع الوصل بين ضفتي البحر. ظل دائما مرتبطًا بشرقه، هكذا أجد في أرشيف مجلة الشعرية اللبنانية "أوديسا" آخر ما كتب، لبنان الذي كانت كل قطعة اسفلت فيه تنز دمًا حاضرٌ فيه بقوة، بالرغم من كونه "غاب وبقي كرسيه فارغًا" كما كتبت ذات المجلة، في إشارة إلى تخلفه عن حضور المؤتمر الشعري التي نظمته إدارتها، مرفوقًا بصورة مخطوط النص الكامل لـ"الهيمنة" (La domination)، آخر قصائده.


الهيمنة

عندما يجتاح شبح الغزو والهيمنة،

مكانًا ما، تحضر الشقفة!

والتي، سرعان ما، تخلق بشرًا

وتخلق الطبيعة!

 

الجفاف هنا؛

معتليًا عرش سلطته

كاملًا، خالصًا!

معجزة، إذا ما شاهدنا،

ولو لمرّة وحيدة،

بقعة خضراء، صامدة.

إذا ما شاهدنا، ولو لمرة وحيدة،

سماء زرقاء، صافية.

 

وليذهب الشباب إلى الجحيم!

وليذهب العشاق، كذلك، إلى الجحيم!

عشاقٌ كنا نقابلهم في ما مضى، أكثر.

 

الشر هنا، يحفر في كل الأمكنة

بصماته، ويتركها صلبة؛

أسياد، جنود ومخاوف.

كل الأحزان هنا؛

مثل أشباح مرعبة!

 

اقرأ/ي أيضًا:

أدونيس: هنا مزاري

غاية الشعر