08-يناير-2024
لوحة لـ تمام عزام/ سوريا

لوحة لـ تمام عزام/ سوريا

"إنه عمل مثير للسخرية، وصمة عار على الأدب الفنلندي". جملة قالها الناقد أوغست اهلكفيست ناقدًا رواية الأديب الفنلندي الشاب أليكسيس كيفي المعنونة باسم "الإخوة السبعة" وذلك لفظاظتها في عهد اتسم الأدب فيه بالرومانسية.

يعتبر أليكسيس كيفي أول كاتب رواية فنلندية، وانشغل بالكتابة المسرحية فقدم 12 عملًا مسرحيًا، ويقام له حاليا نصب تذكاري في مركز العاصمة الفنلندية تقديرًا لفنه، بعد أن عاش حياته القصيرة نسبيًا، تجرع فيها مرارة النقد وعدم التفهم.

يخطر ببالي ذلك بينما أفكر في كيفية التي انحدرت إليها الأوضاع حاليًا، بعد أن بدأت الأقلام الجادة بالاختفاء لعوامل مختلفة.

كنت قد أطلقت صرخة صغيرة في مقالة سابقة مناشدًا كل من يمتلك قلم رصاص، أن يطلق رصاصه على ما بدأ يتجاوز مجرد ظاهرة سرعان ما ستتلاشى من عالم الفن، ليصبح ديدنًا وعادات وأعرافًا أساسها الرداءة والانحطاط المعرفي والنفي وجدرانها الأخلاق الوضيعة.

النقد مجرد قراءة شخصية بحتة للناقد تعتمد على مخزونه المعرفي والثقافي والحياتي، الذي شكلَ عبر الزمن خبرة رصينة وذائقة حكيمة

 

القسوة صارت مطلبًا وحاجة ضرورية، كي نحد من ذلك الطوفان الذي يسحب معه النفايات شرهًا طاحنًا في طريقه كل شتلة صالحة يمكن أن تصبح شجرة مثمرة في عالم الفن الصادق والجاد.

فما هو النقد المطلوب إذًا؟

النقد مجرد قراءة شخصية بحتة للناقد تعتمد على مخزونه المعرفي والثقافي والحياتي، الذي شكلَ عبر الزمن خبرة رصينة وذائقة حكيمة، فهو في نقده لما يراه يطلق أحكامه بموضوعية وفق ما يتراءى له وهو حر في ذلك.

وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن الموضوعية شيء يختلف عن الحيادية، فالناقد يحق له وفقًا لتقديري الشخصي ألا يكون حياديًا تجاه قضية ما، لكن يتوجب عليه أن يكون موضوعيًا.

ورغم تلك الحرية المطلقة التي ينبغي لنا أن نتفهمها والتي يلزم أن تتوفر لكل ناقد جاد، لكن لا بد من وجود ضوابط ومعايير وشروط وقواعد يستند لها أي ناقد في عمله النقدي.

فلا يمكن لناقد الشروع في قراءة عمل تشكيلي، على سبيل المثال، دون امتلاكه لأدوات فهم الفن التشكيلي ودلالاتها، بل زد على ذلك امتلاكه لمخزون كونه عبر مشاهدات كثيرة خلال حياته، واستحواذه على اطلاع جاد لتجارب كانت مؤثرة في شياق العمل الفني التشكيلي العالمي، ثم قراءة ما يريد انتقاده وفقًا لما يريد الفنان التعبير عنه في مرحلة ما من مراحل نضجه الفني، والتي لا بد وأن تكون انعكاسًا لتجربة شخصية أو مجتمعية.

الأمر ينطبق بدون شك على كل الفنون البصرية والسمعية والحركية، ويتجاوزها نحو الرياضات وغيرها من المجالات.

إذًا يجب أن يتحقق للناقد الشرط الأول والمهم والأساسي الذي يتعلق بسعة المعرفة حول الموضوع، ولاحقًا يجب عليه أن ينمي في داخله التزامًا أخلاقيًا صارمًا وجذريًا بعدم الانحياز لصالح عمل أو فنان بسبب وجود مصلحة مادية أو منفعة ما، أو التربص بنتاج فني معين كيديًّا بسبب ارتباط ذلك العمل بشخصية غير محببة بالنسبة للناقد.

ذلك كفيل بأن يدحض مصداقية الناقد تمامًا في أعين الجمهور والفنانين على حد سواء.

الجدية النقدية في تناول الأعمال التي تغرق السوق، لا بد وأن تنعكس لاحقًا على مدى اهتمام الفنان نفسه بما سيقدمه، وستضبط إحساسه الانفعالي تجاه ما لا يتقبله من انتقادات لاذعة قد تطال عمله عندما يصبح النقد شائعًا ومشروعًا ومشرعًا على أبوابه جميعها، دونما خوف من رقابة أو تسلط أو سطوة فنان امتلك من الشهرة والحظوة ما يمكنه من تخويف الناقدين.

من ناحية ثانية، يلزم أيضًا أن تكون الآلية النقدية واضحة وبسيطة وميسرة للفهم دونما تعقيدات، لأن النقد التحليلي يجب أن يسهم في فهم العمل المقدم لا في زيادة تعقيده، وهنا تلعب خبرة الناقد دورها، وتزداد مع ازدياد تجربته.

يفهم البعض أن النقد يتناول فقط ما يخص مكامن الأعمال، من حيث ضعفها وقلة جودتها، وهذا فهم منقوص، فكما نستفيد من الإضاءة على مواطن الضعف سنستفيد حكمًا من شرح نقاط القوة.

الأمر يطول ويتشعب ويستحق التوقف عنده، وما سبق لا يعدو كونه مجرد رأي لمشاهد وشاهد على ما يراه حاليًا في عالم يمور بالرداءة.