08-سبتمبر-2019

طلاب مدرسة سوريون يحملون صورًا لبشار الأسد في حشد داعم لحزب البعث في إدلب 2014 (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

من المفارقات التي أعقبت زيارة وفد اليمين المتطرف إلى سوريا، تلك التغريدة التي أطلقتها فيرجيني جورون، من خلال المقارنة الجريئة ما بين الوضع الأمني في العاصمتين دمشق وباريس، حيث علقت: "لقد عدت للتو من سوريا، لدى وصولي إلى مطار شارل ديجول، تمت عملية إخلاء المطار بسبب الاشتباه بوجود قنبلة. لقد شعرت بالخطر هنا أكثر مما شعرت به في دمشق". وتتابع السيدة جورون حديثها "لم أشعر أبداً بعدم الأمان هناك".

ما يجمع اليمين الفرنسي الشعبوي مع نظام الأسد، ليس المصالح المشتركة فقط، بل ثمة ما يُقال عن تصور أخلاقي مشترك، أساسه وضع الكرامة الإنسانية والحريات دائمًا على الهامش

فيرجيني جورون، التي زارت العاصمة دمشق القابعة تحت قبضة حديدية من سلطة  بشار الأسد بمناسبة معرض دمشق الدولي الحادي والستين، لم تنفك تورد ملاحظاتها وانطباعاتها عن الزيارة حيث علقت: "خارج البروتوكول، كانت لدينا لحظات من وقت الفراغ. انتهزت الفرصة للمشي ليلًا، في الساعة 2 صباحًا، في دمشق القديمة. حسنًا، لم أشعر أبدًا بعدم الأمان". ومع ذلك، فهي تقر بأن دمشق لا تزال لديها "العديد من ندوب الحرب".

اقرأ/ي أيضًا: حين أصبح بشار الأسد أيقونة لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

تثير هذه التعليقات التي اقتصرت على أنصار اليمين الفرنسي في المشهد السياسي التساؤل حول أسباب هذه المواقف وهذا التقارب. ولعل الإجابة على هذا السؤال تستدعي تتبع تغريدات السيد تييري مارياني وبعض مرافقيه، حيث لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وفد من اليمين الفرنسي دمشق برئاسته، بل كانت المرة السابعة منذ عام 2014.

تغريدات تكشف المستور

يقول تيري مارياني: "لقد اهتممت أولًا بسوريا لاهتمامي بمصير المسيحيين الشرقيين خلال رحلتي الأولى في عام 2014". تبين هذه التغريدة كيف أن السيد مارياني لا يزال يعيش بذهنية القرن التاسع عشر عندما كانت القوى الاستعمارية تبرر تدخلها بالمشرق العربي تحت ذريعة حماية الأقليات هناك، ولكنه لا يتأخر كثيرًا ليوضح الهدف الحقيقي من هذه الزيارات، فيقول: "الغرض من رحلاتي اليوم هو رؤية ما يحدث على الأرض، لمعرفة كيف تربح سوريا الحرب، لنرى كيف تستعد لإعادة الإعمار، لنرى كيف يمكننا تجديد العلاقات".

 يأتي هذا في سياق إعلانه للمصالح المالية في سوريا، حيث يصرح أنه كان يعمل "لعدة أشهر في مشروع تأسيس جمعية ناطقة بالفرنسية في سوريا ".

وفي الوقت الذي تركز القصف على إدلب، علق السيد مارياني أيضًا "إن تقريرًا تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي قبل أربعة أسابيع يصف جيب المقاومة هذا بأنه أكبر معقل إرهابي أجنبي في العالم"، ويضيف أن "هناك أغلبية ساحقة من الإرهابيين يحاول الجيش السوري القضاء عليها". لكن السيد مارياني ولسبب لا نعلمه يتناسى التهديدات التي سبق وأن أطلقها مفتي النظام السوري أحمد بدر الدين حسون بتوعده أوروبا بالعديد من الانتحاريين الذين سوف يتم إرسالهم ليفجروا أنفسهم هناك، هذا إذا عذرنا عدم اطلاع السيد مارياني على  التقارير التي تؤكد إطلاق النظام لجميع معتقليه الإسلامين في بداية الثورة السورية الذين أبقاهم في عهدته منذ أن استخدمهم كورقة في العراق. 

ورغم اعتراف السيد ماياني خلال مقابلة صحفية على قناة BFM TV الفرنسية بأن بشار الأسد هو دكتاتور، إلا أنه يبرر لقاءه معه بالعبارة التالية: هل تعتقدون أن رؤساء الدول لا يجتمعون مع الدكتاتوريين؟ عفوًا، لكن ماكرون يلتقي بملك السعودية الذي يقطع خصومه إلى أجزاء دون أن يزعجه أحد".

وفي تغريدة أخرى يعلق السيد مارياني بالتالي: "من الجيد أن نرى الجمهورية التي فازت ضد الإسلاميين". حيث يُظهر هذا التعليق ليس فقط الجهل بالتاريخ والوقائع بل وبدلالة المفردات السياسية، فيتناسى السياسي المثير للجدل بأن بشار الأسد هو وريث والده، وبالتالي فإن صفة النظام الجمهوري بالمعايير الفرنسية اليوم، والتي  تشترط بالدرجة الأولى ضمان إمكانية تداول السلطة وليس توريثها، ليس ممكنًا.

وتتضح الصورة من خلال التعليق التالي: "بشار الأسد سينتصر في الحرب مع حلفائه الروس والإيرانيين؛ من الجيد أن نرى الجمهورية تنتصر على الإسلاميين". ويأخذ هذا التعليق دلالة مضاعفة، إذا أخذنا بالاعتبار اللقاءات التي جمعت أعضاء من حزب التجمع الوطني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن بينهم مارياني نفسه، حيث يجمع الطرفين، بالإضافة إلى الخلفية الأيدلوجية، العداء للاتحاد الأوروبي.

علاقات دولية على حساب دماء الأبرياء

تأتي تعليقات بعض هؤلاء لتثير الدهشة والذهول، فبحسب أندريا كوتاراتش، الشخص الذي دعم الانفصاليين الموالين لروسيا في دونباس والسائر على خطى تييري مارياني، والذي يعبر بكل صراحة عن تأييده  للكرملين، والذي التقى  بدوره أيضًا مع فلاديمير بوتين في آذار/مارس: "إن تفكيرنا يذهب إلى الموتى الأبرياء، لكن العلاقات الدولية لم تكن أبدًا ديزني لاند". ويتساءل المتابع، ألا يبرر هذا التعليق الآلاف من الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد بحق مواطنين أبرياء؟ وألا يتشابه أيضًا مع من يبررون جرائم الأنظمة الشمولية عبر التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا:  معرض دمشق الدولي.. احتفال على إيقاع المجزرة

تصبح الأمور أكثر وضوحًا عندما يعلق السيد كوتاراتش على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي: "في الغرب، يتعرض الأسد للهجوم نتيجة استخدامه المواد الكيميائية في حين أن الأمر ليس كذلك في أغلب الأحيان". وإذا سلمنا جدلَا مع السيد كوتاراتش، بأن استخدام الأسلحة الكيماوية لم يقتصر على النظام وحده، ألا يضعه ذلك في ذات التصنيف مع المنظمات الإرهابية التي يفترض أنها استخدمت الأسلحة الكيماوية، علمًا أن مجرد استخدام هذا السلاح ولو لمرة واحدة يعتبر جريمة بحق الإنسانية وفقًا لجميع المنظمات الحقوقية.

من المفارقات التي أعقبت زيارة وفد اليمين الفرنسي المتطرف إلى سوريا، مقاربة فيرجيني جورون، ما بين الوضع الأمني في العاصمتين دمشق وباريس، حيث تبجحت بأن العاصمة التي يسيطر عليها النظام السوري أكثر أمانًا

ما يجمع اليمين الفرنسي الشعبوي، والذي يتشابه مع أمثاله على امتداد الخارطة السياسية الأورروبية ورثة الفاشية والنازية، مع نظام الأسد، ليس المصالح المشتركة فقط، بل ثمة ما يُقال عن تصور أخلاقي مشترك، أساسه وضع الكرامة الإنسانية والحريات دائمًا على الهامش.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: