10-أغسطس-2015

مشكلة المناهج الدينية تتمثل في المنهجية المتبعة في تدريسها أيضًا (أ.ف.ب)

تزامنًا مع إعلان نتائج الثانوية العامة لهذا العام في مصر، جاءت نتيجة الثانوية الأزهرية مفاجئة للجميع بنسبة نجاح 28% وهي النسبة الأقل في تاريخ الثانوية الأزهرية. وعلى غرار تلك النتيجة كان لابد من البحث حول جوهر المناهج الدينية في مصر، وكيفية تطويرها بل والبحث في فلسفة طرق التدريس التي قادت في النهاية إلى هذا المشهد.

قبل أكثر من مائة عام قال الأديب عباس العقاد في مقالٍ له بجريدة الدستور، 28 كانون الأول/ديسمبر 1908، "إن الأزهر أحوج إلى اختيار مدرسيه منه إلى مالٍ يواسيه، وقد أُقيم الأزهر لغرضيّن، أولهما أن يحفظ ما عساه أن يندثر من آداب اللغة العربية، وثانيهما، أن يهدي الناس إلى أقوّم السبل في أمر دينهم، فهل هو قائم بهذه المهمة كما يُنتظر منه؟ كلا... ولقد علّمتنا الحوادث أن الأزهر لا ينقصه المال، ولا معدات التدريس، وإنما ينقصه المدرسون الذين يحسنون تلقين الدروس على النمط الذي يفهمه المبتدئون، فأحلنا إخفاق المصلحين في مسعاهم إلى إبقاء من يصلح، ومن لا يصلح من العلماء في مراكزهم التي كانوا يشغلونها من قبل".

التعليم عملية ديناميكية أشبه بالشجيرة التي تحتاج من فترة إلى أخرى أن يُنظر إليها بجدية وتجدد

وبالرغم من أن كلام العقاد يبدو منطقيًّا، إلا أن تلك القاعدة لا ينبغي أن تنطبق على الجميع، فهناك من العلماء والمدرسين من يُشهد لهم بالكفاءة والرُقي. لكن العقاد وضع يده منذ البداية على فوهة البركان، حيث الإصلاح لابد أن يبدأ من الاعتراف بالخطأ، وضرورة التطوير المستمر للمادة العلمية المطروحة حتى تلائم مقتضيات العصر. وإذا عدنا إلى الإصلاح في الأزهر سنجد أن الشيخ عبد المتعال الصعيدي يقول في مذكراته "وكان الذي قام بإقناع الحكومة بذلك هو الأستاذ الإمام محمد عبده، فقد ذكر السيد محمد رشيد رضا في تاريخه أنه لما جلس عباس حلمي على كرسي الخديوية تجددت للبلاد المصرية آمال، وتوجهت إلى أعمال يقصد منها إزالة الاحتلال، وكان الشيخ محمد عبده يرى أن إزالة الاحتلال لا يُمكن أن تُحل بوسيلة السياسة إلا باتفاق الدول، وأن الرجـاء في اتفاقهم على ذلك بعيد، فأراد أن يكون حظه من حب الخديوي في السعي في إصلاح الأزهر والمحاكم الشرعية والأوقاف، فاتصل به وحظي عنده وكاشفه برأيه في إصلاحها، فقال له: إن لدى أفندينا هذه المصالح الثلاث العظيمة، فيمكنه أن يُصلح الأمة كلها بإصلاحها، ثم ذكر له كليات هذا الإصلاح، ولم يخرج من عنده حتى أقنعه به".

لكن يبدو أن المشكلة تتجذر في منهجية التدريس. ربما، لذلك نجد أن الطلاب المسلمين يتعلمون عن المسيحية من منظور القرآن والأحاديث النبوية، في حين لا يتعلم الطلاب المسيحيون عن الدين الإسلامي من خلال مقرر الدين المسيحي، لأنه يؤرخ بتاريخٍ لاحق لنصوصهم الدينية. وفقًا للباحث التربوي محمد فاعور، فإن الكتب المدرسية لمادة التربية الدينية الإسلامية "تستخدم مقاربتين متضادتين تجاه المسيحين واليهود، فالأولى تعرّف المسيحية واليهودية بوصفهما ديانتين توحيديتين نشأتا مع النبي إبراهيم، ويُوصف رسولاهما عيسى وموسى بأنهما مسلمان. أما المقاربة الأخرى فتعتبر التوراة والإنجيل نسختين مشوهتين من الكتب المقدسة الحقيقة التي نزلت على كلٍ من عيسى وموسى، وأن المحتوى الصحيح لهذين الكتابين يتضمنه القرآن الكريم. بينما يندرج مفهوم الشهادة تجاه فئتين: الكفَّار وأعداء الوطن".

كما يؤكد فاعور على أن دور المعلم في نقل القيم والسلوك الديني يزيد الأمور تعقيدًا، "فالإشارة إلى مصطلح "المنهج الخفي" لوصف تأثير الكثير من المعلمين الإسلامين على الطلاب، سلبًا أو إيجابًا. لذلك تطغى محاضرات الاستظهار، والتشجيع على الحفظ بدلًا من التفكر التحليلي للنصوص والأفكـار". ويذكر أن المدارس الحكومية المصرية لا تقدم مقررًا منفصلًا عن التربية المدنية أو المواطنة. بدلًا من ذلك يُدمج مفهوميّ المدنية والمواطنة في محتوى مادتي الدراسات الاجتماعية والتربية الدينية الإسلامية أو المسيحية ودروس اللغة العربية. والاستثناء الوحيد هو مقرر التربية الوطنية الذي يُقدم لطلاب الصف الثاني عشر، إلا أنه يشمل القضايا الرئيسية في التربية المدنية والمواطنة.

بينما يلخص الدكتور صابر عبد الدايم في مقالٍ له بعنوان "مناهج الأزهر بين الجمود والتطور" يضع من خلاله بعض مثالب المناهج التعليمية في الأزهر، فيرى أن لجنة إعداد وتطوير المناهج بالأزهر الشريف قامت بعملية بتر للمناهج، ولم تطور في طريقة إعداد المنهج، وتيسير مادته العلمية، وقدمت هذه اللجنـة لطلاب الصف الثالث الإعدادي كتابًا مدرسيًّا موجزًا يتضمن إشاراتٍ لبعض المعارف الدينية، وقد جاء الكتاب بعنوان "أصول الدين". في حين أن هذا الكتاب لديه شقين يحتاجان إلى وعي مسبق وثقافة خاصة من الطلاب في تلك المرحلة العمرية كي يستوعبوا نصوصه كعذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، والتصوّف. وهذا الكتاب يتسم بالسطحية والاختصار المخلّ للمادة العلمية؛ حيث يتناول موضوعات تحتاج إلى تفاصيلٍ مهمة حول تفسير القرآن الكريم والغزوات.

ويضيف عبد الدايم أن كتاب "تيسير التقريب في الفقه الشافعي" يبدأ بمواد يصعب على الطالب في هذه المرحلة العلمية إدراكها مثل "أحكام الظهار" وكذلك "أحكام الجنايات وأنواع القتل"، خصوصًا أن هذا الكتاب يُوجـه لطلاب الصف الثالث الإعدادي. ناهيك عن المادة التعيلمية بخصوص عقوبة تارك الصلاة في صفحة واحدة فقط. وعلى أي حالٍ فإن هذه المناهج ينبغي أن تتعامل بحرصٍ بخصوص التعددية داخل الوطن الواحد. الدين الرسمي في مصر هو الإسلام، ولذلك فإن منهج التربية الدينية الإسلامية تؤكد ذلك، حيث تقول الآية في إحدى كتب الصف الثامن "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران). ويؤكد ذلك أيضًا مساحة المادة التاريخية الخاصة بالتاريخ الإسلامي وفترة العرب ما قبل الإسلام مقارنةً بالتاريخ القبطي في مصر كما يشير الباحث فاعور في بحثه السابق. الغائب عن بال مناهج أرض الكنانة الدينية أن عملية التعليم ديناميكية، وهي أشبه بالشجيرة التي تحتاج من فترةٍ إلى أخرى أن يُنظر إليها بجدية وتجدد، بدلاً من أن تُترك جامدة بلا تطور أو تغيير دماء.